Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 60-70)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } إلى قوله : { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } . أي : قال الذين سمعوه [ حين ] قال : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } ، { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } أي : يذكرهم بسوء . وقيل : يذكرهم : يسبهم ويعيبهم . { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } أي : يقال له يا إبراهيم . وقيل : التقدير : يقال له : هو إبراهيم ، أو المعروف به إبراهيم : { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } . أي : قال بعضهم لبعض : فجيئوا به على رؤوس الناس لعلهم يشهدون عليه أنه هو الذي فعل هذا . قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة . وقيل : معناه : لعلهم يعاينون العقوبة التي تختص به . ثم قال : { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } . في الكلام حذف والتقدير : فأتوا به ، فلما أتوا قالوا : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال لهم : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } إنه غضب من أن تعبد معه هذه الصغار ، وهو أكبر منها فكسرها . وقيل : التقدير : بل فعله كبيرهم هذا ، إن كانوا ينطقون فاسألوهم . أي : إن كانت الآلهة المكسرة تنطق ، فإن كبيرهم هو الذي كسرهم غضباً أن تعبد معه وهو كبيرهم . وقد أتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في الله . قوله تعالى : بل فعله كبيرهم هذا . وقوله : " إني سقيم " وقوله في سارة : " إنها أختي " وهذا عند أهل العلم غير مكروه ، لأنه يجوز أن يكون الله تعالى أذن له في ذلك كما أذن / ليوسف أن يقول مؤذنه لأخوته " إنكم لسارقون " ولم يكونوا سرقوا شيئاً . وقد خرجَّ العلماء لإبراهيم عليه السلام في هذه الأشياء الثلاثة وجوهاً تخرج إلى غير الكذب . فسارة أخته في الدين ، وقوله : " إني سقيم " معناه : مغتم بضلالكم حتى أنا كالسقيم . وقيل معناه : إني سقيم عندكم . وقيل : يجوز أن يكون ناله من ذلك الوقت مرض . وقيل : معناه : إني سأسقم ، لأن كل من كان مصيره إلى الموت ، فلا بد من أن يسقم . وقيل : لا يكون الكاذب إلا الآثم ، وما ليس فيه إثم ، فليس بكذب . دل على ذلك قول الملكين { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } [ ص : 22 ] ولم يكونا خصمين ولا كان بغي ولكن عرضا بذلك لداود للقصة التي جرت له في المرأة التي تزوجها . وقال المبرد : معناه إذا كنا خصمين فبغى أحدنا على صاحبه فما الحكم ؟ . ثم قال تعالى : { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } . أي : ففكروا حين قال لهم إبراهيم ، بل فعله كبيرهم هذا . ورجعوا إلى عقولهم ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم أيها القوم الظالمون هذا الرجل في مسألتكم إياه وقِيلكم له " من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم " . فهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها . ثم قال تعالى : { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } . أي : ثم [ غلبوا ] في الحجة واحتجوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء الأصنام ينطقون . أي : لا تتكلم فتخبرنا من فعل بها هذا . وقال قتادة : " نكسوا عن رؤوسهم " : " انقطعت حجتهم " . يقال : نكس الرجل على رأسه إذا انقطعت حجته ، كأنه طأطأ رأسه استحياء . وعن قتادة أيضاً أنه قال : " أدركت القوم حيرة سوء " ، يعني : حين قال لهم إبراهيم : فاسألوهم إن كانوا ينطقون . وقيل : المعنى : نكسوا في الفتنة والشرك بعد المعرفة : قاله : ابن عباس والسدي فيكون معناه : ثم رجعوا كما عرفوا ، وتيقنوا من حجة إبراهيم عليهم السلام . فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . ثم قال تعالى : { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } . أي : قال إبراهيم لقومه لما أقروا أن آلهتهم لا تنطق ، أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم ، لأن من لا ينفع نفسه فيدفع عنها الضرر ، فليس ينفع غيره . ثم قال لهم إبراهيم : { أُفٍّ لَّكُمْ } . أي : قبحاً لكم ، وشراً لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله ، أفلا تعقلون خطأكم في عبادتكم ما لا ينفع ولا يضر ، وترككم عبادة الذي بيده النفع والضر . وقد تقدم شرح أف في " سبحان " . ثم قال تعالى : { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } . أي : قال بعضهم لبعض ، حرقوا إبراهيم بالنار وانصروا آلهتكم إن كنتم ناصريها ولم تريدوا ترك عبادتها . رويَ أن الذي قاله : رجل من أكراد فارس . وروي أن الله تعالى ذِكْرُهُ خَسَفَ به الأرضَ ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . وقال ابن عمر : الذي أشار بذلك ، رجل من أعراب فارس . وهم الكرد ، فأعراب فارس يقال لهم الكرد . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } . في الكلام حذف ، والتقدير : فأوقدوا له ناراً وألْقوه فيها ، فقلنا يا نار كوني برداً وسلاماً . قال السدي : حبسوه في بيت ، وجمعوا له حطباً ، حتى إن كانت المرأة لتمرض ، فتقول : إن عافاني الله ، لأجمعن حطباً لإبراهيم . فلما جمعوا وأكثروا ، بنوا بنياناً وأوقدوا النار حتى أن الطير لتمر بها فتحترق من شدة وهجها وحرها . ثم عمدوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ، فَرَفعوه على رأس البنيان ، فرفع إبراهيم عليه السلام رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة : ربنا إبراهيم يحرق فيك . فقال جل وعز : أنا أعلم به ، وإن دعاكم فأغيثوه . وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين رفع راسه إلى / السماء : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض من يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل . فقذفوه في النار فناداها " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " . فكان جبريل ، هو الذي ناداها " . وقال أرقم " إن إبراهيم عليه السلام حين جعلوا يوثقونه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك " . قال كعب : " ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار ، ولا أحرقت النار يومئذ شيئاً إلا وثاق إبراهيم عليه السلام . قال ابن عباس : " لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها . فلم تبق يومئذ نار في الأرض . إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى . فلما طفئت النار ، نظروا إلى إبراهيم عليه السلام ، فإذا هو ورجل آخر معه ، وإذا رأس إبراهيم صلى الله عليه وسلم في حجره يمسح عن وجهه العرق . وذكر أن ذلك الرجل هو ملك الظل . وأنزل الله تعالى ناراً فانتفع بها بنو آدم وأخرجوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأدخلوه على الملك نمرود ولم يكن قبل ذلك دخل عليه " . قال كعب : ما أحرقت النار منه إلا وثاقه . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لولا أنه قال : " وسلاماً " لقتله بردها " . قال بكر بن عبد الله : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، قالت الخليقة : يا رب ، خليلك يلقى في النار ؟ فأذن لنا حتى ننصره . فقال الله عز وجل : هو خليلي ، ليس لي خليل غيره . وأنا إلهه ليس له إله غيري ، فإن استغاث بكم فأغيثوه . فجاء ملك القطر فقال : يا رب ، إئذن لي فلأطفينها عنه . فقال الله عز وجل هو خليلي ليس لي خليل غيره ، وأنا إلهه ، ليس له إله غيري إن استغاث بك فأغثه . فقال الله عز وجل : { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } . فما أحرقت ذلك اليوم عراكاً . وقال قتادة : " كانت الدواب كلها تطفئ عن إبراهيم النار إلا الوزغ " . وروي عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما كنت أياماً قط أنعم مني من الأيام التي كنت فيها في النار . ولما رفع عن إبراهيم الطبق ورآه والده يرشح جبينه ، قال عند ذلك : نعم الرب ربك يا إبراهيم ، فكان ذلك أحسن شيء قاله : أبو إبراهيم . قال : ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة وذبح إسحاق هو ابن سبع سنين ، وكان مذبحه من بيت إيليا على ميلين ولما علمت سارة بما أراد بإسحاق بطنت يومين وماتت في اليوم الثالث . وروى معتمر بن سليمان أن جبريل صلى الله عليه وسلم لما جاء إبراهيم وهو يوثق ويقمط ليلقى في النار . قال يا إبراهيم : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك . فلا . ويروى أن إبراهيم كان في زمان نمرود ، فلما كسر إبراهيم صلى الله عليه وسلم أصنامهم كما قص الله علينا في كتابه بنى نمرود بناء طوله ثمانون ذراعاً في عرضه أربعون ذراعاً ، وأوقد فيه النيران ، ثم جعل إبراهيم في منجنيق فقذف به في النار ، فقال الله جل ذكره للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم فبردت ذلك اليوم ، فلم ينتفع بها أحد . ولولا ما قال تعالى " وسلاماً " لآذت إبراهيم ببردها . وروي أن جبريل عليه السلام أتى إبراهيم وهو في المنجنيق ، فقال يا إبراهيم ، سلني حوائجك ، إن كنت تريد أن أجعل الأرض عليهم عاليها سافلها فعلت . فقال إبراهيم عليه السلام : إني رفعت حوائجي إلى الله ، ولست أسأل أحداً غيره . فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : لو كان ينبغي لله أن يتخذ خليلاً ، لاتخذك خليلاً . فاتخذ الله إبراهيم خليلاً ، فلما رمي إبراهيم في النار ، أشرف نمرود ينظر إلى النار فرأى فيها عدة يذهبون ويجيئون ، فدعا حاجبه ، وفتح بابه ، وأدخل عليه أشراف قومه فقال لهم : كم طرحتم في النار ؟ فقالوا : إبراهيم وحده . قال فهو هذا معه عدة قد صار الجحيم عليهم مثل الأرض ، فركب نمرود حتى أتى النار فصاح : يا إبراهيم ، فقال إبراهيم : ما تشاء . قال : إنك لحي ، قال نعم والحمد لله . قال : فمن هؤلاء النفر معك ؟ قال : ملائكة ربي . قال : تقدر أن تخرج ؟ قال : نعم . قال : فاخرج . فانفرج / له الجحيم فخرج صلى الله عليه وسلم وقد زاده الله جمالاً ونوراً . فقال نمرود : إنك لكريم على ربك . فقال إبراهيم : كذا هو لمن أطاعه . فقال نمرود : أتراني إن تقربت إليه بقربان يقبله مني ؟ فقال إبراهيم : إنما يتقبل الله من المتقين . فذبح نمرود أربعة آلاف كبش . فأكل الناس منها حتى أكل الطير والسباع والهوام . ثم قال يا إبراهيم أرني جند ربك الذي تهددني بهم فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : اللهم أره أضعف جندك . فنزلت سحابة فقال إبراهيم : في هذه جند ربي فقال : أرنيهم . فانتشر منها بعوض فما برح نمرود حتى رأى عظام من حضر من أصحابه ، وعظام خيلهم قد أكلتهم البعوض إلا العظام . ثم وقعت واحدة في شفة نمرود السفلى فصاح حتى أمر بها فقطعت ، فارتفعت إلى شفته العليا ، فاستغاث فقطعت ، ثم دخلت في منخره ، فما كان يهدأ ليلاً ولا نهاراً . وكان يضرب رأسه بمرزبة من حديد ، فأقام في ذلك أربع مائة سنة . وقال الحسن : لما ألقي إبراهيم صلى الله عليه وسلم في النار ، لم يؤذه حرها ، فقالوا : سحرها فما لها حر . ويروى أنهم بنوا له بنياناً ارتفاعه أربعون ذراعاً وطوله على وجه الأرض ثمانون ذراعاً ، فأوقدوا فيه النار ، ووضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق وألقوه في الجحيم ، فقال الله تعالى للنار : كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ، ولو لم يقل تعالى ذكره " وسلاماً " لمات إبراهيم من البرد في وسط النار ، فكان إبراهيم جالساً في النار على زرابية من الجنة . قال الحسن : فلما رأوه لا يؤذيه حرها ، قالوا : سحرها . فقال لهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم : جربوها برجل منكم . فألقوا فيها رجلاً فأكلته . ويروى عنه أنه قال : لما أوثقوه ليلقوه في النار ، قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك . وذكر الشعبي عن عبد الله بن عمر أنه قال : لما ألقي إبراهيم في البنيان والنار ، قال حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله : يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . وقال زيد بن أسلم : قال إبراهيم حين أرادوا أن يلقوه في النار : اللهم أنت إلهي ، الواحد في السماء وأنا عبدك الواحد في الأرض حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله تعالى للنار : كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . ثم قال : { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } أي : الهالكين .