Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 74-80)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } إلى قوله : { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } . المعنى : وآتينا لوطاً آتيناه حكماً وهو فعل القضاء بين الخصمين وعلماً بأمر دينه . { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ } ، أي : من العذاب الذي نزل بالقرية ، وهي قرية سدوم التي بعث لوط إلى أهلها ، والخبائث هو إتيان الذكور في أدبارهم وإظهار المنكر في مجالسهم ، فأخرجه الله مع ابنتيه ومن آمن إلى الشام حين أراد الله إهلاك قومه ، لأنهم كانوا قوم سوء " فاسقين " . أي : خارجين عن طاعة الله تعالى مخالفين لأمره . ثم قال : { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ } . أي : أنجيناه من العذاب فدخل في الرحمة . وقال ابن زيد : هو دخوله في الإسلام . { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : من العاملين بطاعة الله . ثم قال تعالى ذكره : { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ } . أي : واذكر نوحاً إذ نادى ربه من قبلك . ومن قبل إبراهيم ولوط ، وسأل أن يهلك قومه الذين كذبوه فاستجبنا له دعاءه ، ونجيناه وأهله . يعني أهل الإيمان من ولده وحلائله من الكرب العظيم ، وهو الغرق الذي حل بقومه ، وبجميع من في الأرض . ثم قال : { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } . أي : ونصرناه على القوم المكذبين ، فأنجيناه منهم وأغرقناهم أجمعين ، لأنهم كانوا قوم سوء ، يعصون الله ، ويكذبون رسوله . فـ " من " بمعنى " على " . ثم قال : { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ } أي : بالنجاة . وقيل : في الإسلام . " إنه من الصالحين " من العالمين بطاعة الله . ثم قال تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } . أي : واذكر داود وسليمان حين يحكمان في الحرث . قال قتادة : ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في كرم ليلاً . وقال ابن مسعود : كان ذلك الحرث كرماً قد أنبت عناقيده . يقال : نفشت الغنم ، إذا رعت ليلاً . فهي نفاش ونفاش ونفش وإذا رعت النهار قيل : سرحت وسَرَبَت وهملت . قال الزهري : النفش بالليل والهمل بالنهار . وقوله : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } أي : لحكم داود وسليمان والقوم الذين حكما بينهم شاهدين ، لا يخفى علينا منه شيء ، ولا يغيب . ثم قال تعالى : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي : ففهمنا القضية سليمان دون داود ، { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } أي : وكلهم ، يعني داود وسليمان والرسل المذكورين في هذه السورة . { آتَيْنَا حُكْماً } يعني النبوة وعلماً بأحكام الله . قال ابن عباس : دخلت الغنم ليلاً ، فأفسدت الكرم ، فاختصموا إلى داود . فقضى بالغنم لصاحب الكرم ، فمروا على سليمان ، فأخبروه فقال : كان غير هذا الحكم أرفق بالجميع . فدخل صاحب الغنم ، فأخبر داود ، فقال لسليمان : كيف الحكم عندك . فقال : يا نبي الله ، تدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فيصيب من ألبانها وأصوافها وأولادها ، وتدفع الكرم إلى صاحب الغنم يقوم به حتى يرجع إلى حاله . فإذا رجع إلى حاله ، سلم الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها . وكذلك قال مجاهد وشريح وقتادة وجماعة من الكوفيين يزعمون أن هذا الحكم منسوخ ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعاً ليلاً أو نهاراً أنه لا يلزم أصحابها شيء / . قال : هو منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : " العجماء جبار " ولم يقل بهذا أحد غير أبي حنيفة . وقد حكم بالضمان لما أفسدت البهائم بالليل ثلاثة من الأنبياء : داود وسليمان ومحمد صلى الله عليه وسلم . قضى النبي أن على أهل الثمار حفظها بالنهار ، وضمن أصحاب الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل . وقال أبو حنيفة : لا ضمان . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " جرح العجماء جبار " إنما يعني به ما أصابت البهيمة فلا أرش فيه إذا لم يكن على صاحبها حفظها ، لأن العلماء قد أجمعوا على أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها ، إذ عليه حفظها ولا خلاف فيها إلا خلاف من لا يعد خلافاً . فإذا لزم ما أصابت بيديها الدابة فليس بجبار إلا إذا لم يكن على صاحبها حفظها وتضمين أصحاب الماشية ما أصابت بالليل . وهو قول مالك والشافعي . فالذي يحكم به في مثل هذه القضية في الإسلام أن يقوم ما أفسدته الماشية من الكرم ، ويغرمه أرباب الماشية لأهل الكرم ، لأن حفظ الليل كان عليهم لازماً ، فلما فرطوا ضمنوا الجناية . ويروى أن ناقة للبراء بن عازب رعت نباتاً لقوم ، فقضى رسول الله عليه السلام أن على أهل الثمار حفظها بالنهار ، وضمن أصحاب المواشي ما أصابت مواشيهم بالليل . وخالف أبو حنيفة هذا الحكم ، وزعم أنه منسوخ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : العجماء جبار . والرواية عند أهل الحديث : العجماء جرحها جبار . وقد أجمع أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها ، فدل ذلك أن ما أصابت جبار إذا لم يكن صاحبها معها أو قائدها . فخالف أبو حنيفة ، في هذا داود وسليمان ومحمداً صلى الله عليه وسلم وجميع العلماء . " وجبار " مشتق من جبرت العظم ، إذا لامته ، وجبرت الرِّجْلَ ، إذا نعشته فكان صاحبها يجبر وينعش بإسقاط ما جنته الدابة عنه من غير أن يكون له فيه فعل . ويجوز أن يكون من أجبرت الرجل على الشيء ، إذا قهرته عليه ، فتكون الدابة كلها مجبرة من حيث عليه أن لا يأخذ في الجناية بشيء . وقد قيل : إن الذي أفسدت الماشية كان زرعاً فقضى فيه سليمان أن يأخذ صاحب الزرع الماشية ينتفع بألبانها . وأصوافها إلى أن يأتي حول ثاني ، ويزرع له صاحب الماشية مثل زرعه . فإذا بلغ الحد الذي كان عليه وقت رعته الماشية ، دفعه إلى صاحب الزرع ، وأخذ ماشيته . وقيل : كانا نبيين يحكمان في وقت بأمر الله ووحيه . فكان داود يحكم بحكم أمره الله به . فيحكم به في الزرع ، ثم نسخه الله ، فأوحى إلى سليمان نسخه فحكم به في ذلك . فكل حكم بحكم الله تعالى وأمره له . وحكم سليمان ناسخ لحكم داود بأمر الله له ووحيه إليه . ولذلك قال : وكلاً آتينا حكماً وعلماً . ثم قال تعالى : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } . قال زيد بن أسلم : الحكم ، أو الحكمة العقل . وقال مالك : وإنه ليقع بقلبي أن الحكمة ، الفقه بدين الله عز وجل ، ولين يدخله الله القلوب من رحمته وفضله . ثم قال : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } . أي : يسبحن معه إذا سبح . وقال قتادة : " معنى " يسبحن هنا ، يصلين معه إذا صلى . " والطير " يجوز أن يدخلن في التسبيح مع الجبال ، وهو الأولى ، ويجوز أن يدخلن في التسخير لا غير . ثم قال : { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } . أي : فاعلين بقدر ما نريد . وقيل : المعنى : وكنا فاعلين للأنبياء مثل هذه الآيات . وقيل : معناه : وكنا قضينا أن نفعل ذلك به في أم الكتاب . ثم قال تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } . أي : وعلمنا لداود صنعة سلاح وهو الدرع هنا . واللبوس في كلام العرب : السلاح كله : الدرع والسيف والرمح وغير ذلك . وكان أول من صنع هذه الحلق والسرد داود . وقوله : { لِتُحْصِنَكُمْ } أي : ليُحرزكم إذا لبستموها ، ولقيتم أعداءكم من القتل ، فهل أنتم أيها الناس شاكرون الله على نعمه عندكم .