Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 81-84)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } إلى قوله : { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } . أي : وسخرنا لسليمان الريح عاصفة . وعصوفها ، شدة هبوبها ، تجري بأمر سليمان إلى الأرض التي / باركنا فيها ، يعني إلى أرض الشام . وكانت تجري به وبأصحابه إلى حيث شاء ، ثم تعود به إلى منزله بالشام . وقال وهب بن منبه : كان سليمان إذا خرج من مجلسه عكف عليه الطير وقام له الإنس والجن ، حتى يجلس على سريره . وكان امرأ غزاء ، قلما يقعد عن الغزو ، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا تاه حتى يذله ، وكان إذا أراد الغزو ، أمر بعسكره فضرب له بخشب ، ثم نصب له على الخشب ، ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلها ، حتى إذا حمل معه ما يريد ، أمر العاصف من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته ، حتى إذا استفلت ، أمر الرخاء ، فمرته شهراً في روحته وشهراً في غدوته إلى حيث أراد . وهو قوله تعالى ذكره : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } وقوله : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } . ثم قال تعالى : { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } . أي : بصلاح كل الخلق ، وبما أعطينا سليمان مما فيه صلاح له وللخلق ، عالمين بذلك ، لا يخفى علينا منه شيء . ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } . أي : وسخرنا له من الشياطين قوماً يغوصون له في البحر ، " ويعملون عملاً دون ذلك " يعني البنيان والتماثيل والمحاريب وغير ذلك من الأعمال . قال الفراء : دون ذلك : أي : سوى ذلك . فإن قيل : كيف تهيأ للجن هذه الأعمال من البنيان العظيم واستخراج الدر من قعور البحار وغير ذلك ، وأجسامهم رقيقة ضعيفة لا تقدر على حمل الأجسام العظام ولا تقدر على ضر الناس إلا بالوسوسة لضعفهم ورقة أجسامهم . فالجواب أن الذين سخروا لهذه الأعمال أعطاهم الله قوة على ذلك ، وذلك من إحدى المعجزات لسليمان . فلما مات سليمان ، سلبهم الله تعالى تلك القوة ، وردهم على خلقتهم الأولى ، فلا يقدرون الآن على حمل الأجسام الكثيفة ونقلها . ولو أظهروا ذلك ، وقدروا عليه ، لدخلت على الناس شبهة من جهتهم وتوهيناً لمعجزات الرسل . وكذلك سخر الطير له بأن زاد في فهمها عنه وقبولها لأمره ، وخوفها عقابه ، وذلك من معجزات سليمان . فلما مات ، زال ذلك عنها ، ورجعت إلى ما خلقت عليه . ثم قال تعالى : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } . أي : لأعمالهم وأعدادهم وطاعتهم له ، حافظين . وقيل : المعنى : وكنا لهم حافظين ، أن يفسدوا ما عملوا . وقيل : حافظون لهم أن يهربوا منه ويمتنعوا عليه فحفظهم بما شاء من ملائكة أو جن مثلهم طائعين لله . ثم قال تعالى : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } . أي : واذكر يا محمد أيوب حين نادى ربه ، وقد مسه الضر والبلاء . رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له دعاءه فكشفنا ما به من ضر . ويروى أنه ما نادى إلا بعد تسع سنين ، وكان الضر الذي نزل به اختباراً من الله تعالى له ، وامتحاناً . وكان الله قد وسع عليه في دنياه ، وأعطاه ولداً وأهلاً ، فاختبره الله بهلاك ماله فشكر وعلم أنه من عند الله . ثم ابتلاه بذهاب أهله وولده فصبر وشكر ، ثم ابتلاه بالبلاء في جسمه ، فتناثر لحمه ، وتذود جسمه وعظم عليه البلاء حتى أخرجه أهل بلده من قريتهم ، ورموه على تل من الأرض خارج القرية وكان إبليس في خلال تلك المحن يتصور له ويستفزه أن يكفر بنعم الله أو يغضب لما حل عليه ، ولم يجد فيه إحالة عن شكره وذكره ، ولم يبق من أهله إلا امرأة واحدة تقوم عليه وتكسب له ، وإبليس اللعين يتلطف أن يستفز أحدهما بزلة أو كفر ، فلم يقدر على ذلك . قال وهب بن منبه : فبلغني أنها التمست له يوماً من الأيام ما تطعمه ، فما وجدت شيئاً حتى جزت قرناً من رأسها فباعته برغيف فأتته فعشته إياه . قال وهب : فلبث في ذلك البلاء ثلاث سنين . وقال الحسن البصري : مكث في ذلك البلاء تسع سنين وستة أشهر ملقى على رماد في جانب القرية ، فلما اشتد بلاؤه وعظمت مصيبته أراد الله تعالى أن يفرج عنه ، فقيل له : يا أيوب ، اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك وقد وهبت لك أهلك ومثلهم معهم وولدك ، ومثلهم معهم ، وعمرك ومثله معه ، لتكون لمن خلفك آية ، وتكون عبرة لأهل البلاء ، وعزاء للصابرين . فركض برجله ، وانفرجت له عين فدخل فيها فاغتسل . فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء ، ثم خرج وجلس ، وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه ، فلم تجده ، وقامت كالواهلة ملتدمة ، ثم قالت : يا عبد الله ، هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ها هنا ؟ قال : لا ، ثم تبسم فعرفته واعتنقته . قال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده ، ما فارقته من عناقه حتى موجهاً كل مال لهما وولد . ويروى أن الله جل ذكره رد عليه أهله ومثلهم معهم ، وأمطر عليه فراشاً من ذهب ، فجمع حتى ملأ كل ما أراد ، وأقبل يشحن في ثيابه فأوحى الله إليه ، أما يكفيك ما جمعت حتى تشحن في قميصك ؟ فقال أيوب : وما يشبع من خيرك ؟ ويروى أن إبليس اللعين تمثل لامرأة أيوب صلى الله عليه وسلم في هيئة شريفة ومركب له هيبة ، وقال [ لها ] : أنت صاحبة أيوب المبتلى ؟ فقالت : نعم . قال : هل تعرفينني ؟ قالت : لا . فقال : أنا إله الأرض ، وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد إله السماء وتركني . ولو سجد لي سجدة واحدة لرددت عليك وعليه كل ما كان لكما من مال وولد . ثم مثل لها أباهم ببطن الوادي الذي لقيها فيه وقال إن صاحبك أكل طعاماً ولم يسمنى عليه لعوفي مما به من البلاء ، فرجعت امرأة أيوب إليه ، فأخبرته بما قال لها وما أراها فقال لها أيوب ، قد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك . ثم أقسم أن الله عافاه ليضربنها مائة ضربة . قال ابن عباس : لما ابتلاه الله بما ابتلاه [ ولم يشأ ] الدعاء في أن يكشف عنه ما به من ضر ، غير أنه كان يذكر الله كثيراً ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيمان ، فلما انتهى الكتاب أجله أذن له في الدعاء فدعا ، فكشف ما به ، ورد عليه مثل أهله وماله الذين ذهبوا ، ولم يرد عليه الذي هلك ، لكن وعده أن يوليه إياهم في الآخرة ، قال مجاهد . قال : خُيِّرَ أيوب أن يرد عليه أهله ومثلهم معهم في الدنيا ، أو يعطى في الدنيا مثل أهله ، ويرد عليه في الآخرة أهله ، فاختار أن يردوا عليه في الآخرة ويعطى في الدنيا مثلهم ، وقال ابن عباس . وقال الحسن : رد عليه ماله الذي ذهب ومثلهم معهم من النسل . ثم قال : { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } . أي : ورحمناه رحمة ليتذكروا بذلك ويتعظوا . وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مكث أيوب به بلاؤه ثمانية عشر سنة . فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان عليه ، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم ، والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين ، له ثمان عشر سنة بهذا الضر ، لم يرحمه الله فيكشف ما به ، فأخبر الذي يقول أيوب بقول صاحبه بحضرتهما ، فقال أيوب : ما أدري ما تقولان ، غير أن الله يعلم إن كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله ويحلفان ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق " . وروي عن الليث أنه قال : كان الذي أصاب أيوب أنه دخل مع أهل قريته على ملكهم جبار من الجبابرة في بعض ما كان من ظلمة للناس ، فكلموه ، فأبلغوا في كلامهم ، فرفق أيوب في كلامه مخافة منه على زرعه ، فقال الله له : يا أيوب أتقيت عبداً من عبيدي من أجل زرعك ، فنزل به ما نزل ذكره ابن وهب . وعن الليث أنه قال : بلغني أنه قيل لأيوب صلوات الله عليه : ما لك لا تسأل الله العافية ؟ قال : إني لأستحي من الله أن أسأله العافية حتى يمر بي من البلاء ما مر بي من الرخاء . وقيل : إن الذي كان حدث به داء يقال له الأكلة ، فكان جسمه يتآكل ويتساقط حتى شغل عن القيام بماله ، فذهب ماله وزال جميع ملكه ، وحتى أن قومه أخرجوه من جوارهم ، فصار في طريق من أطراف البلاد بحيث لا يجد فيه غذاء إلا ما يجده الفقراء الزمناء ، وهو صابر مع ذلك ، يحتسب ، عارف بعدل الله في ذلك أنه لم يختر له ، ولا فعل به إلا ما حسن نظره في باب الدين أو أنه فعل ذلك به ليعوضه من نعيم الجنة ما هو أنفع له وأصلح مما سلبه من ماله وصحة جسمه ، فكان إبليس اللعين يؤذيه بالوسوسة ، ويؤذي أهله بذلك ، ويوسوس إلى جيرانه في إخراجه عنهم ، وإبعاده منهم . فعند ذلك دعا الله في كشف ما به ، فاستجاب له لا إله إلا هو ، فكشف ضره ، ورزقه من المال والأهل أكثر مما كان قبل ذلك . قوله : { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } قيل : معناه : ليتعظ العابدون فيما يصيبهم من المحن بأيوب ، فيصبروا ويحتسبوا ذلك عند الله ، كما فعل أيوب . ولا يجوز لأحد أن يتأول في قوله تعالى : { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } فهو الذي أمرضه ، وألقى الضر في بدنه ، ولا يكون ذلك إلا من عند الله وبأمره وإرادته يفعل ما يشاء ، ويبتلي عباده بما يشاء ، ليكفر عنهم سيئاتهم ، وليثيبهم بما أصابهم . ففي كل قدر قدره الله على العبد المؤمن خير له ، إما في عاجل أمره أو آجله ، فعلى هذا يعبد الله من فهم عنه . وقيل : إن الذي أصابه إبليس ، إنما هو ما وسوس إليه به وإلى أهله ، فكان ذلك الذي شكا به إلى الله .