Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 85-88)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ } إلى قوله : { نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : واذكر يا محمد إسماعيل وإدريس وذا الكفل . ذو الكفل رجل تكفل بكفالة من الطاعة لله فأتمه . روي أن نبياً من الأنبياء قال : من يتكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب . فقام شاب فقال : أنا . فقال : اجلس . ثم قال : من يتكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب . فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فقال : اجلس فجلس ثم عاد الثالثة فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فصام النهار وقام الليل ثم مات ذلك النبي ، فجلس ذلك الشاب مكانه فقضى بين الناس ، فكان لا يغضب ، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليغضبه وهو صائم يريد أن يقيل ، فضرب الباب ضرباً شديداً ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة فأرسل معه رجلاً فرجع فقال : لا أرضى بهذا الرجل ، فأرسل معه آخر فقال : لا أرضى بهذا الرجل ، فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب فسمي ذا الكفل . وقال مجاهد : لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . قال : فجمع الناس فقال : من يتكفل بثلاثة أستخلفه ؟ يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب . قال : فقام رجل تزدريه العيون فقال : أنا وقال مثلها في اليوم الثاني ، فقام ذلك الرجل فاستخلفه فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان ، فأعياهم فقال : دعوني وإياه ، [ فأتاه ] في صورة شيخ كبير قبيح الصورة فقير . وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك السويعة فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : شيخ كبير مظلوم . قال : ففتح الباب وجعل يقص عليه ويطول عليه ، حتى حضر الرواح وذهبت القائلة وقال له : إذا رحت فأتني وآخذ لك بحقك . فانطلق وراح وكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس فنظره فلم يره ، فلما رجع إلى القائلة وأخذ مضجعه ، أتاه فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له ، فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فآتني ؟ فقال : إن خصمي قوم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا نمت جحدوني . قال : فانطلق فإذا رحت فأتني فأتته القائلة وراج ، وجعل ينظر فلا يراه ، وشق عليه النعاس . فقال لأهله من الغد : لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شق علي النوم فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل : وراءك ، فقال : إني قد أتيته بالأمس ، وذكرت له أمري فقال : لا والله ، لقد أمرنا ألا ندع أحداً يقربه ، فلما أعياه نظر فرأى كوة فتسور منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل ، فاستيقظ الرجل ، فقال : يا أبا فلان ، ألم آمرك ؟ فقال : أما / من قبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أوتيت . فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه . وإذا الرجل معه في البيت ، فعرفه ، فقال : يا عدو الله . قال : نعم . أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك ، فسمي ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به . قال مجاهد : كان رجلاً صالحاً غير نبي . وكذا قال أبو موسى الأشعري وقوله : { كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } أي : كلهم من أهل الصبر فيما نابه في الله ، وعلى تبليغ رسالاته وعلى شدائد الدنيا ، وعلى القيام بعبادة الله ، وعلى الصبر على الأذى في الله . { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : ممن عمل بطاعة الله . وقيل : إن ذا الكفل إنما سمي بذلك لأن الله تكفل له في عمله وسعيه بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا في زمنه . ثم قال تعالى ذكره : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ } . أي : واذكر [ يا محمد ] صاحب الحوت . وهو يونس إذ ذهب مغاضباً . قال ابن عباس والضحاك : ذهب غاضباً على قومه . وعن ابن عباس أنه خرج مغاضباً على ربه لما رد العذاب عن قومه وصرفه عنهم . وهذا قول مردود ، لا تغضب الأنبياء على ربها ، لأن الغضب على الله معاداة له . ومن قصد الله بالعداوة كفر . ونعيذ الله تعالى يونس صلى الله عليه وسلم من ذلك . وكذلك لا يجوز أن تتأول في قوله تعالى : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } . إنه من القدرة عليه ، وأنه يفوت الله . كان صلى الله عليه وسلم أعلم بالله من ذلك ، إنما هو من التقدير الذي هو التضييق . ظن أن الله لا يضيق عليه مسلكه في خروجه عنهم . طمع برحمة الله له في ترك التضييق عليه . وقد فسرنا هذا المعنى . وقيل : إنما نقم الله عليه أنه خرج عن قومه فاراً من نزول العذاب بهم من غير أن يأمره الله بالخروج ، وهي صغيرة والله يغفر الصغائر لغير الأنبياء ، فكيف للأنبياء . فنادى في بطن الحوت { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . أي : من الظالمين لنفسي في خروجي عن قومي قبل أن تأمرني بالخروج . فاستجاب الله له ، وأخرجه من بطن الحوت . وتلك معجزة وآية له : تدل على نبوته وفضله . وقيل : إن الله غفر له صغيرته ، ولم يحبسه في بطن الحوت بذنبه إنما أراد أن يريه قدرته ، ويجعل ذلك آية . وخروجه من بطن الحوت عاقلاً حياً معجزة له ، ودليلاً على توبته ، لأن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر . والكبائر تغفر بالتوبة . وذلك أنهم كذبوه فيما جاءهم به فأوحى الله تعالى إليه أني مرسل إليهم العذاب يوم كذا ، فأخرج من بين أظهرهم . فأعلم قومه بالعذاب الذي يأتيهم ، فقالوا : ارمقوه ، فإن هو خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم ، فلما كان الليلة التي وعدوا بالعذاب في صبيحتها ، أدلج ورآه القوم فحذروا وخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرقوا بين كل دابة وولدها ، ثم عجوا إلى الله جل وعز واستقالوه فأقالهم . قيل : خرجوا إلى موضع يقال له تل الرماد ، ففرقوا بين الصبيان وأمهاتهم ، وبين الرجال ونسائهم ، وعجوا إلى الله تعالى ذكره وخرجوا بالبهائم ، فرفع الله عنهم العذاب ، وانتظر يونس الخبر عن القرية وأهلها حتى مر به مار فقال : ما فعل أهل القرية ، فقال : فعلوا أن نبيهم لما خرج عنهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم به من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض وفرقوا بين ذات كل ولد وولدها ، ثم عجوا إلى الله وتابوا إليه ، فقبل منهم وأخر عنهم العذاب . فقال يونس عند ذلك وغضب : والله لا أرجع إليهم كذاباً أبداً ، وعدتهم العذاب في يوم ثم رد عنهم . ومضى على وجهه مغاضباً . قال الحسن : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضباً لربه ، فاستزله الشيطان . وقاله الشعبي . فقيل : إنه إنما لم يرجع إليهم لأنه استحيا منهم أن يجدوا عليه الخلف فيما وعدهم به / . وقيل : كان من سنتهم قتل من كذب ، فخاف أن يظنوا أنه كذبهم فيقتلوه . وقيل : معناه : مغاضباً أي : مغاضباً من أجل ربه . أي : غضب على قومه لكفرهم بربه . وقال الحسن : أمر بالسير إلى قوم لينذرهم بأس الله ، ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم . فقيل له الأمر أسرع من ذلك ، ولم ينظر حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها . وكان رجلاً في خلقه ضيق . فقال : أعجلني ربي أن آخذ نعلاً فذهب مغاضباً . وقال وهب اليماني : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق . فلما حملت عليه أثقال النبوة - ولها أثقال لا يحملها إلا قليل من الناس - تَفَسَّخَ تحتها تَفَسُّخَ الربع تحت الحمل فقذفها من يديه ، وخرج هارباً منها . وقال الأخفش : إنما غاضب بعض الملوك . واختار الطبري أن يكون المعنى مغاضباً لربه . واختار النحاس أن يكون مغاضباً لقومه . وقال ابن عباس : إنما أرسل يونس بعدما نبذه الحوت ، لقوله : { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } [ الصافات : 145 ] . ثم قال : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] . وقوله : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي : فظن أن لن نعاقبه بالتضييق عليه . يقال : قدرت على فلان : ضيقت عليه . ومنه قوله : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ } [ الطلاق : 7 ] . قال ابن عباس : معناه : فظن أن لن نأخذه بالعذاب الذي أصابه . وعنه أيضاً : أن المعنى : ظن أن لن نقضي عليه عقوبة ، ولا بلاء فيما صنع بقومه إذ غضب عليهم وفر منهم . وقال مجاهد وقتادة والضحاك : المعنى : فظن أن لن نعاقبه . وهذه الأقوال : هي الاختيار لبعد إضافة تعجيز الله جل ذكره إلى نبي ، وقد قاله : جماعة ، وقولهم مرغوب عنه . قال سعيد بن أبي الحسن : استزله الشيطان حتى ظن أن لن يقدر عليه ، وكان له سلف عبادة وتسبيح ، فأبى الله أن يدعه للشيطان فأخذه فقذفه في بطن الحوت ، فأقام فيه أربعين بين يوم وليلة وأمسك الله نفسه ، فلم يقتله هناك ، فتاب إلى ربه في بطن الحوت وراجع نفسه . وقال : { سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } فاستخرجه الله من بطن الحوت برحمته لما كان سلف له من العبادة والتسبيح ، فجعله من الصالحين . وقال ابن زيد : معنى الآية على تقدير الاستفهام ، التقدير أفظن أن لن نقدر [ عليه ] . ثم قال تعالى : { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . يعني : فنادى يونس في ظلمة الليل وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت . قاله : ابن عباس وابن جريج وقتادة ومحمد بن كعب . وقيل : إن الحوت الذي ابتلع يونس ابتلعه حوت آخر . فتلك الظلمات بطن حوت في بطن حوت في ظلمة البحر . وقوله : { إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } اعتراف منه بذنبه وتوبته منه . قال عوف الأعرابي : لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن أنه قد مات ، ثم حرك رجليه ، فلما تحركت ، سجد مكانه ، ثم نادى : يا رب ، اتخذت لك مسجداً في موضع ما اتخذه أحد . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، أوحى الله جل وعز إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش له لحماً ، ولا تكسر له عظماً . فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه ، فلما انتهى به إلى أسفل الأرض ، سمع يونساً حساً ، فقال : ما هذا ؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت : هذا تسبيح دواب البحر . فسبح وهو في بطن الحوت . قال : فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا ، إنا لنسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة . قال ذلك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر . قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إلينا منه كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال : نعم . قال : فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال : " وهو سقيم " " . ثم قال تعالى : { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ } أي : من بطن الحوت . وقيل : من غمه بخطيئته . وقيل : / منهما جميعاً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " دعوة يونس في بطن الحوت لن يدعو بها رجل قط إلا استجيب له " . قوله : { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : إذا استغاثوا . قال سعيد بن مالك : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اسم الله جل وعز الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى . قال : قلت : يا رسول الله : هي ليونس بن متى خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال : هي ليونس خاصة ، وللمسلمين عامة إذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله جل ذكره : { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } فهو شرط الله تعالى لمن دعاه به " . وروي عن ابن مسعود أنه قال : لما خرج يونس من بطن الحوت مر بغلام يرعى غنماً فقال له : ممن أنت يا غلام ؟ فقال : من قوم يونس . قال له : فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس فقال له الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم تكن له بينة على قوله يقتل ، فمن يشهد لي . فقال يونس تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة . فقال الغلام : فمرها بذلك . فقال لها يونس : إن جاءكما هذا الغلام فاشهدا له أني يونس . قالتا : نعم . فرجع الغلام إلى قومه وكان له أخوة ، وكان في منعة . فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس ، وهو يقرأ عليك السلام . فأمر به الملك أن يقتل ، فقالوا : إن له بينة ، فأرسل معه إلى الشجرة والبقعة ، فشهدتا له أن يونس لقيه . فرجع القوم مذعورين مما رأوا ، فأعلموا بذلك الملك ، فتناول الملك بيد الغلام فأجلسه مجلسه ، وقال : " أنت أحق بهذا المكان مني . فأقام لهم ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة " .