Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 14-22)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } إلى قوله : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } . أي : إن الله يدخل المصدقين به وبكتبه ورسله العاملين الطاعات بساتين . " تجري من تحتها الأنهار " . أي : من تحت أشجارها . { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } . فيعطي ما شاء من كرامته أهل طاعته . ثم قال : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } . أي : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً عليه السلام في الدنيا والآخرة ، " فليمدد بسبب " وهو الحبل " إلى السماء " يعني سماء البيت ، وهو سقفه . " ثم ليقطع " السبب . يعني : الاختناق به . " فلينظر هل يذهبن " اختناقه ، ذلك ما يغيظ . أي : ما يجد من في صدره من الغيظ . هذا معنى قول قتادة وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . وقال ابن زيد معناه : من كان يظن أن لن ينصر / الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فليقطع ذلك من أصله ، من حيث يأتيه النصر ، فإن أصله في السماء ، فليمدد سببه إلى السماء ثم ليقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } . أي : هل يذهب فعله ما يجد في نفسه من غيظ . في نصر الله تعالى محمداً . وقيل : النصر هنا معناه : الرزق . وحكي عن العرب ، من ينصرني نصره الله . أي : من يعطني أعطاه الله . فالتقدير على هذا : من كان يظن أن لن يرزق الله محمداً عليه السلام ، فليختنق في حبل في سقف بيته ثم لينظر هل يذهب فعله غيظه . وقيل : معناه : من كان يظن أن لن يرزق الله تعالى محمداً فليمدد بسبب إلى السماء ، فليقطع رزقه إن كان يقدر ، فلينظر هل يذهب كيده غيظه . وكونها عائدة على " من " - وهو قول أبي عبيدة مع طائفة من أهل اللغة - ويكون ينصره بمعنى " ينفعه " . وقد قيل : إن " الهاء " تعود على الدين . أي : من كان يظن أن لن ينصر الله دينه ، فليفعل ما ذكر . قال ابن عباس : معناه : إن لن ينصر الله محمداً . فالهاء لمحمد عليه السلام . وقال مجاهد : معناه : من كان يظن أن لن يرزقه الله ، فليمدد بحبل إلى سارية البيت فليخنق نفسه . فالهاء على هذا لـ " ظن " كأنه قال : من ظن أن الله لا يرزقه ، فليقتل نفسه ، إذ لا حياة له مع عدم رزق الله له . وقيل : معناه : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه في الدنيا والآخرة وأنه يتهيأ له أن يغلب نبيه أو يزيل عنه النصر الذي يريده الله به . فليطلب سبباً يصل به إلى السماء ، فليقطع نصر الله عن نبيه ، فلينظر هل يتهيأ له الوصول إلى السماء بكيد وبسبب يحتاله . وهل يتهيأ له أن يقطع النصر عن نبي الله ، أو يزيل بكيده وحيلته ما يغيظه من نصر الله لنبيه ، فإنما هذا دلالة على ما لا يتهيأ لهم ، ولا يقدرون عليه ، وفيه إعلام أن النصر لمحمد من عند الله ، وتنبيه على أن محمداً منصور لا يغلب . ثم قال تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } أي : وكما بينت لكم الحجة على من تقدم ذكره ، كذلك أنزلت على محمد آيات واضحات يهتدي بها من وفقه الله للحق . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ } . أي : إن هؤلاء على اختلاف أديانهم يفصل بينهم الله يوم القيامة ، فيدخل المؤمنين الجنة ، ويدخل غيرهم النار ، فهذا هو الفصل . قال قتادة : " والصابون " قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى القبلة ، ويقرأون الزبور . والمجوس ، يعبدون الشمس والقمر والنيران " والذين أشركوا " يعبدون الأوثان . والأديان ستة ، خمسة للشيطان وواحد للرحمن . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . أي : شاهد على أعمالهم على اختلاف أديانهم ، فإن الثانية تخبر عن الأولى . أي : سدت مسد خبرها ، إذ هي داخلة على ابتداء وخبر . والابتداء والخبر يسدان مسد خبر أن في كثير من الكلام . وقيل : لما طال الكلام ، صارت الأولى كأنها ملغاة ، فأعيدت تأكيداً وتكريراً . والأول أحسن / . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } . أي : يخضعون وينقادون لله . وقيل : السجود هنا مما لا يعقل ، ومن الموات والكفار إنما هو ظهور أثر الصنعة عليها ، والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقه . وانقيادها لله وتصريف الله لها فيما شاء . أن يصرفها فهو مجاز وتوسع . وهذا القول لا يصح ، لأنه تعالى قد أخبرنا بأن من الحجارة ما يخشى ، وأنه سخر مع داود الجبال والطير يسبحن . وهذا لا يمتنع حمله على الحقيقة ، ولا يحسن حمله على معنى ظهور الصنعة فيها ، لأن ذلك مع غير داود مثل ما هو مع داود . وإذا لم يكن بد من حمله على الحقيقة ، حسن حمل السجود في الموات وما لا يعقل على الحقيقة أيضاً . وقيل : سجودها ، هو تحول ظلها حين تطلع الشمس وحين تزول ، فإذا تحول ظل كل شيء ، فهو سجوده . وقال مجاهد : ظلال هذا كله يسجد . وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجداً حين يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين . وقوله : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يعني : المؤمنين . { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } يعني ظل الكافر يسجد لله . قاله مجاهد ، وهو عنده مع هذا منقاد لله ، خاضع وهو ساجد مع ظله ، إلا أن سجود ظله ميلانه مع الشمس وسجوده هو انقياده وخضوعه على صحته وسقمه ورزقه ومنعه . وقوله : " وكثير من الناس " . قيل : معناه : وكثير من الناس في الجنة بدليل قوله : " وكثير حق عليه العذاب " لأن الجنة ضد النار . ولو قال : " وكثير لا يسجد " لكان المعنى . وكثير من الناس . أي : وكثير من الناس يسجد . وقيل : معنى : " وكثير حق عليه العذاب " : وكثير أبى السجود فحق عليه العذاب فيكون الوقف على هذا القول . " وكثير من الناس " ثم يبتدئ : " وكثير حق عليه العذاب " ولهذا المعنى رفع " كثير " . وقد عطف على ما عمل فيه الفعل . ولولا هذا المعنى ، لكان النصب الاختيار . كما قال : { وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان : 31 ] " فكثير " الثاني : مبتدأ ، وليس بمعطوف على الأول ، فإنما هو إخبار عن خلق كثير [ وجب عليه ] العذاب بكفره . وما قبله إخبار عن كثير من الناس يسجدون لله ، وهم المؤمنون . [ ثم قال ] { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } . أي : ومن يشقه الله فيهينه ، فما له من مكرم يكرمه بالسعادة . { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } يوفق من يشاء لطاعته ، ويخذل من يشاء فيكفر . ثم قال تعالى : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } . يعني : الذين تبارزوا يوم بدر . وقد ذكر ذلك في أول السورة . وقال ابن عباس : هم أهل إيمان ، وأهل كتاب . اختصموا . قال أهل الكتاب للمؤمنين : نحن أولى بالله ، وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً . فكان ذلك خصومتهم في ربهم . وقال الحسن : هم الكفار والمؤمنون ، اختصموا في ربهم . وكذا قال مجاهد . وقال عكرمة : " هذان " إشارة إلى الجنة والنار . اختصما في ربهما ، فقالت النار : خلقني الله لعقوبته . وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته . فقد قص عليك من خبرهما ما تسمع . ثم قال تعالى ذكره : { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } . أي : قمصاً من نحاس ونار . وقال ابن جبير : ليس في الآنية أشد حراً من النحاس . قال مجاهد : الكافر قطعت له ثياب من نار . والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار . ثم قال : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } أي : ماء يغلي . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه ، فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه . وهو قوله : " يصهر به ما في بطونهم " . ثم يعاد كما كان " ومعنى يصهر : يذاب ما في بطونهم من الشحوم ، وتشوى جلودهم فتتساقط . قال مجاهد وقتادة : يصهر : يذاب . قال ابن عباس : يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون . وقال ابن جبير : إذا جاع أهل النار ، يعني إذا جاعوا واستغاثوا بشجر الزقوم ، فيأكلون منها ، فاختلعت جلود وجوههم . فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم ، لعرف جلود وجوههم فيها . ثم يصب عليهم العطش ، فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي انتهى حره ، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود ، " ويصهر به ما في بطونهم " ، أي : يذاب . يمشون في أمعائهم ، وتسقط جلودهم ثم يضربون بمقامع من حديد ، يسقط كل عضو على حياله ، يدعون بالويل والثبور ، نعوذ بالله من ذلك . وقال عبد الله بن السري : يأتيه الملك بالإناء يحمله بكلبتين ، فإذا أدناه إليه يكرهه ، فيرفع الملك بقمعة ، فيضرب بها رأسه ، فيفلق بها دماغه ، فيكفي الإناء في دماغه ، فيصير إلى جوفه . فذلك قوله : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } . وقوله : { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } . أي : عذاب مقامع أو ضرب مقامع تضربهم بها الخزنة إذا أرادوا الخروج من النار ، حتى يرجعوا إليها . وقوله : { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } أي : من العذاب ، وغم الظلمة . قال الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج . إن الأيدي والأرجل لموثقة ، ولكن يرفعهم لهبها ، وتردهم مقامعها . قال سلمان الفارسي : النار سواد مظلمة ، لا يضيء لهبها ولا جمرها . قال مالك بن دينار : بلغني أنه إذا أحس أهل النار في النار ، بضرب مقامع الحديد ، انغمسوا في حياض الحميم ، فيذهبون سفالاً سفالاً مقدار أربعين سنة ، كما يغرق الرجل فيذهب في الماء سفالاً سفالاً . وروي أن جهنم تجيش فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها ، فيريدون الخروج ، فتعيدهم الخزان بالمقامع ، ويقولون لهم : ذوقوا عذاب الحريق ، بمعنى المحروق ، كالأليم بمعنى المؤلم . فهو فعيل بمعنى مفعول .