Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 9-13)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى قوله : { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } . أي : يخاصم في توحيد الله بغير علم ، وبغير هدى وبغير كتاب ، { ثَانِيَ عِطْفِهِ } . أي : معرضاً عن الحق ، متحيراً فنصبه على الحال . قال ابن عباس : " ثاني عطفه " مستكبراً في نفسه . قال : هو النضر بن الحارث ، لوى عنقه مرحاً وتعظماً . وقال مجاهد وقتادة : معناه : لاوياً رقبته . وقال ابن زيد : " لا ويا رأسه معرضاً ، مولياً ، لا يقبل على ما يقال له " ، ومنه قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ … } [ المنافقون : 5 ] الآية ، وهو قوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } . والعِطْفُ : ما انثنى من العنق . ثم قال : { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . أي جادل هذا المشرك في توحيد الله ونفى البعث ليضل المؤمنين بالله عن دينهم الذي هداهم الله إليه { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } . وهو القتل والهوان بأيدي المؤمنين ، فقتله الله بأيديهم يوم بدر . { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي : نحرقه بالنار . ثم قال : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي : يقال له إذا أذيق عذاب النار . ذلك بما قدمت يداك في الدنيا ، وبأن الله ليس بظلام للعبيد . قوله { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } وقف ، إن جعلت { وَأَنَّ } في موضع رفع على معنى " والأمر أن الله " . ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } . هذه الآية نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين من باديتهم ، فإذا نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة وبعد الدخول في الإسلام أقاموا على الإسلام ، وإن نالوا بعد ذلك شدة وضيق عيش أو موت ماشية ونحوه ، ارتدوا على أعقابهم . فالمعنى : ومن الناس من يعبد الله على شك ، فإن أصابه خير - وهو السعة من العيش اطمأن به : أي استقر بالإسلام ، وثبت عليه ، وإن أصابته فتنة ، وهو الضيق في العيش وشبهه انقلب على وجهه أي : رجع إلى الذي كان عليه من الكفر بالله . قال ابن عباس : " كان أحدهم إذا قدم المدينة ، فإن صح جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً ، رضي به واطمأن إليه . وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً ، وإن أصابه وجع وولدت امرأته جارية ، وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت مذ كنت على دينك هذا إلا شراً ، فذلك الفتنة " . وقال مجاهد : { عَلَىٰ حَرْفٍ } : على شك . قال ابن جريج : كان ناس من قبائل العرب ومن حولهم من أهل القرى يقولون : نأتي محمداً عليه السلام ، فإن صادفنا خيراً من معيشة الرزق ثبتنا ، وإلا لحقنا بأهلنا . وبهذا القول قال : قتادة والضحاك . قيل : هم المنافقون ، كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مستعلياً على أعدائه في أمن وخصب ، أظهروا التصديق به ، وتصويب دينه ، وصَلُّوا معه وصاموا ، وهم مع ذلك على غير بصيرة فيما هم عليه ، فإذا أصابته فتنة من خوف أو تشديد في العبادة والأمر بالجهاد ، انقلب عما كان يظهر من الإيمان والصوم والصلاة ، فأظهر الكفر والبراءة من دين الله ، فانقلب على وجهه خاسراً دنياه وأخراه . وقال ابن زيد : " هي في المنافقين ، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت ، انقلب فلا يقيم العبادة إلا لما صلح من دنياه ، فإذا أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ، ترك دينه ، ورجع إلى الكفر . وهذا التفسير كله يدل على أن السورة مدنية . ومن قال : إنها مكية ، قال : نزلت في شيبة بن ربيعة ، كان أسلم ثم ارتد . وقيل : نزلت في النضر بن الحارث . وتقدير الكلام : ومن الناس من يعبد الله على حرف الدين ، أي : على طرفه لا يدخل فيه / ويتمكن . ومعنى : { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [ أي : انقلب ] عن دينه . { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } أي : خسر دنياه لأنه لم يظفر بحاجته منها . وقيل معناه : أنه خسر حظه في الغنيمة ، لأنه لا حظ لكافر فيها . وخسر الآخرة لما له فيها من العذاب ، ولأنه خاسر الثواب . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } . أي : خسران الدنيا والآخرة . ذلك هو الخسران المبين ، أي يبين لمن تفكر فيه وتدبر . ثم قال تعالى : { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } . وإن أصاب هذا الذي يعبد الله على حرف ضر ، يدعو من دون الله آلهة لا تضره إن لم يعبدها في الدنيا ، ولا تنفعه في الآخرة إن عبدها . { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } . أي : الطويل : والعرب تقول : لما لا يكون البتة : هذا بعيد . ثم قال : { يَدْعُواْ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } تقدير هذا الكلام عند الكسائي والبصريين : يدعو من لضره أقرب من نفعه . أي : يدعو إلهاً لضره أقرب من نفعه ، لأن من عبد الأصنام ، فضررها يعود عليه في الدنيا والآخرة ، ولا نفع يعود عليه من ذلك ، وإنما احتيج إلى تقدير تأخير اللام ، لأن " يدعو " فعل لا يعلق ، ولا بد أن يعمل ، واللام تمنعه من العمل ، فأخرت اللام ليعمل الفعل في " من " ولا يعلق . وقيل : مع " يدعو " هاء مضمرة وهو في موضع حال من ذلك . والتقدير : ذلك هو الضلال البعيد يدعوه ، فيقف على " يدعو " في هذا القول . وتقديره : ذلك هو الضلال البعيد في حالة دعائه إياه . ويكون لمن ضره أقرب من نفعه مستأنفاً مرفوعاً بالابتداء ، وخبره : { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } . وقيل : " يدعو " بمعنى يقول ، فلا يحتاج إلى عمل ، وتكون اللام في موضعها و " من " مرفوعة بالابتداء ، والخبر محذوف . والتقدير : يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهي . وقيل : " يدعو " بمعنى : يسمى . وقال الزجاج : " ذلك " بمعنى الذي . وهو في موضع نصب بـ " يدعو " أو التقدير : يدعو الذي هو الضلال البعيد . ثم ابتدأ : لمن ضره أقرب من نفعه . وخبره : " لبئس المولى " وهذا مثل قوله : " وما تلك بيمينك " . أي : وما التي بيمينك . وقال الفراء : يجوز أن تكون " يدعو " مكررة تأكيداً لـ " يدعو " الأولى ، فيقف على " يدعو " على هذا ، ويبتدئ " من ضره " على الابتداء والخبر " لَبِئْس المولى " . وحكي عن المبرد أنه قال : التقدير : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلهاً . وهذا لا معنى له ، لأن ما بعد اللام مبتدأ ، فلا ينصب خبره ، فإن جعل الخبر " لبيس المولى " لم يكن للكلام معنى ويصير منقطعاً بعضه من بعض . وقوله : { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } أي : لبيس ابن العم ، " ولبيس العشير " أي : الخليط والصاحب . قاله ابن زيد . وقيل : " المولى " : الولي الناصر . وقال مجاهد : " لبيس العشير " يعني الوثن . ولا يوقف على " البعيد " على قول الزجاج ، لأن ذلك منصوب بـ " يدعو " . وقد أفردنا لهذه الآية كتاباً ، وشرحنا ما فيه بأبسط من هذا . ومعنى : " لمن ضره أقرب من نفعه " فأوجب أن عبادة الآلهة تضر ، وقد قال قبل ذلك : " ما لا يضره وما لا ينفعه " فنفى عنها الضر . فإنما يراد بذل أنها لا تضر في الدنيا ، وأراد بالآية الأخرى ضرها في الآخرة . والمعنى : لمن ضره في الآخرة أقرب من نفعه . والأخرى ما لا يضره في الدنيا . وكذلك معنى ما كان مثله .