Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 26-27)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } . إلى قوله : { مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } . أي : واذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم ومكنا له مكان البيت . وبوأ تتعدى إلى مفعولين ، ولكن دخلت اللام في إبراهيم حملاً على معنى : جعلنا لإبراهيم . وقيل : اللام متعلقة بالمصدر ، أي : واذكر تبويئنا لإبراهيم . وقال الفراء : اللام زائدة مثل { رَدِفَ لَكُم } [ النمل : 72 ] . وقوله : { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي } " أن " بمعنى : أي . وقيل : التقدير : بأن لا تشرك . وقيل : أن زائدة . مثل { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } [ يوسف : 96 ] . فالتقدير : واذكر يا محمد نعم الله على قومك وحسن بلائه عندهم ، وهم يعبدون غيره ، فمما يجب أن يذكر إذ مكنا لأبيك إبراهيم مكان البيت . قال قتادة : وضع الله البيت مع آدم حين اهبط إلى الأرض ، وكان مهبطه بأرض الهند ، وكان رأسه في السماء ، ورجلاه في الأرض ، فكانت الملائكة تهابه فنقض إلى ستين ذراعاً . وإن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم ، شكا ذلك إلى الله فقال الله عز وجل : يا آدم ، إني قد أهبطت لك بيتاً يطاف به كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى عند العرش فانطلق إليه . فخرج آدم ومد له في خطوه فكان بين كل خطوتين مفازة ، فلم تزل تلك المفاوز على ذلك ، فأتى آدم البيت ، فطاف به ومن بعده من الأنبياء . وقال السدي : لما عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل " أن طهرا بيتي للطائفين " انطلق إبراهيم حتى أتى مكة ، فقام هو وإسماعيل ، فأخذا المعاول لا يدريان أين البيت ، فبعث الله ريحاً يقال لها الخجوج ، لها جناحان ورأس في صورة حية ، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول ، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس ، فذلك حين يقول : " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت " . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أقبل إبراهيم من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت كما تبوأ العنكبوت بيتاً وكان يحمل الحجر من الحجارة يطيقه ولا يطيقه ثلاثون رجلاً . وقال كعب الأحبار : كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة . ومنه دحيت الأرض . وقوله تعالى : { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } أي : عهدنا إليه ألا يشرك في عبادة الله / . { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ } أي : طهره من عبادة الأوثان . قال مجاهد : طهره من الشرك . وقال عبيد بن عمير : من الآفات والريب . وقال قتادة : من الشرك وعبادة الأوثان . وقيل : طهراه من ذبائح المشركين ، وما كانوا يطرحون حوله من الدماء والفرث والأقذار ، وكانوا يطرحون ذلك حول البيت . وقيل : معناه : طهراه من دخول المشركين إياه ، ومن إظهار شركهم فيه . فأمرهما بتطهير البيت من جميع ذلك لمن يطوف ويقوم بأمره من المؤمنين ، ولمن يصلي بحضرته " والطائفون " الذين يطوفون به ، " والقائمون " المصلون قياماً . " والركع السجود " ، يعني في صلاتهم حول البيت . ثم قال تعالى : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } . أي : وناد يا إبراهيم في الناس بالحج يأتوك رجالاً وركباناً . ورجال : جمع راجل ، كقائم وقيام . وقوله : { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } . أي : ويأتوك على كل بعير ضامر قد أضمره بعد المسافة من كل فج عميق . والضامر : المهزول . وقال : " يأتين " يريد به النوق . ولو قلت في الكلام : مررت بكل رجل قائمين ، حسن . فكان " ضامراً " في موضع ضوامر ولكن وحد ، لأن " كل " تدل على العموم . والعموم والجمع متقاربان . وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى بالتأذين بالحج ، قام على مقامه ، فنادى : يا أيها الناس ، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا بيته العتيق . وقال ابن عباس : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ، قيل له : أذن في الناس بالحج . قال : يا رب ، وما . وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد : أن إبراهيم لما نادى : أيها الناس ، كتب عليكم الحج أسمع من في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج ، خفضت له الجبال رؤوسها ورفعت القرى فأذن في الناس . قال ابن عباس عنى بالناس هنا أهل القبلة ألم تسمعه قال : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى } [ آل عمران : 96 ] . ثم قال : { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [ آل عمران : 97 ] يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر إبراهيم أن يؤذن فيهم فكتب عليهم الحج . قال ابن عباس : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي : مشاة . قال : وما آسى على شيء ، فإني آسى ألا أكون حججت ماشياً ، سمعت الله تعالى يقول : يأتوك رجالاً . وقال مجاهد : حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين . وقال ابن عباس : { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } : الإبل . قال مجاهد : كانوا لا يركبون ، فأنزل الله تعالى ذكره : " وعلى كل ضامر " فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب . وقوله : { مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } . قال ابن عباس وقتادة : من كل مكان بعيد . والظاهر في هذه الآية والخطاب - عليه أكثر المفسرين - أن هذا كله خطاب لإبراهيم ، كان ومضى ، أخبرنا الله به . وقيل : إن قوله تعالى : { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } … - إلى - { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } مخاطبة لإبراهيم ، وقوله : " وأذن في الناس وما بعده ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . أي أعلمهم أن الحج فرض عليهم ، فيقف القاري على / هذا القول ، على " السجود " ويبتدئ " وأذن " . وقيل : إن قوله : { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } وما بعده ، خطاب للنبي عليه السلام كله ، لأن القرآن عليه نزل ، وهو المخاطب به ، ولا يخرج عن مخاطبته إلى مخاطبة غيره إلا بتوقيف أو دليل قاطع . وأيضاً فِإن " أن لا تشرك بي " خطاب لشاهد ، وإبراهيم غائب ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، هو الشاهد الحاضر في وقت نزول القرآن ، فيكون المعنى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، فجعلنا ذلك من الدلائل على توحيد الله ، وعلى أن إبراهيم كان يعبد الله وحده ، فلا تشرك بي شيئاً ، وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحج : أي : أعلمهم أنه فرض عليهم . وقيل : أعلمهم أنك تحج حجة الوداع ليحجوا معك فيكون الوقف على هذا التأويل " مكان البيت " ويبتدئ في مخاطبة النبي عليه السلام " أن لا تشرك " أي وعهدنا إليك ألا تشرك بي شيئاً . ومن جعله كله خطاباً لإبراهيم ، وقف على { كُلِّ ضَامِرٍ } على أن يقطع " يأتين " مما قبله . قاله : نافع والأخفش ويعقوب ، وغيرهم . والعمق : " في اللغة : البعد . ومنه بنو عميقة أي : بعيدة . وقرأ عكرمة : يأتوك رجالاً ، جعله جمع راجل ، أيضاً مثل راكب وركاب . ويقال أيضاً : راجل ، ورجله ، وراجل ، ورجالة .