Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 34-36)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } . إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أي : ولكل جماعة سلفت قبلكم من أهل الإيمان جعلنا ذبحاً يهرقون دمه ليذكروا اسم الله [ على ما رزقهم ] عند ذبحهم إياه . وقوله : { مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } . فخص لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ، كالخيل والبغال والحمير . وسميت بهائم لأنها لا تتكلم . وقال مجاهد : منسكاً : هو هراقة الدماء . وقال ابن عباس : منسكاً ، عيداً . وقال عكرمة : مذبحاً . والمَنْسِك بالكسر موضع الذبح ، كالمجلس موضع الجلوس لأن اسم المكان من فعل يفعل المفعل . والمَنْسَك بالفتح : المصدر فيكون معنى قراءة من كسر ، ولكل أمة جعلنا موضع ذبح . ومن قرأ بالفتح ، فتقديره : ولكل أمة جعلنا أن يتقربوا بذبح الذبائح . وقيل : { مَنسَكاً } متعبداً ، وهو ما يعبد الله به . " والمنسك " : العبادة والناسك : العابد . وأصل المنسك أن يكون اسم المكان الذي يعبد الله فيه . ثم قال تعالى : { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } . أي : فإلهكم إله واحد فلا تذكروا معبوداً غيره على ذبائحكم . وقيل : المعنى : فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور . / { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ } ، أي : اخضعوا بالطاعة . { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } . أي : الخاشعين المطمئنين إلى الله ، قاله مجاهد . قال ابن عيينة : " المخبتين " : المطمئنين . وقال قتادة : المتواضعين . وقيل : المخبتون : الذين لا يظلمون الناس ، وإذا ظلموا لم ينتصروا . والخبت في اللغة : المكان المطمئن المنخفض ، والزور : الباطل . وقيل : إنه أريد به في هذا الموضع الكذب . وقيل : المخبتين : المخلصين . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } . أي : خشعت قلوبهم وجلاً من عقابه . قال ابن زيد : وجلت قلوبهم : لا تقسوا { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } أي : من شدة في أمر الله . { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } " يعني المفروضة " وما رزقناهم ينفقون ، أي : يزكون وينفقون على عيالهم . ثم قال : { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } . أي : هي ما أشعرهم الله به ، وأعلمهم إياه من أمر دينه . فبين أن ذبح البدن هو مما أعلمهم الله به من أمور دينه والتقرب إليه به . أي : من إعلام الله ، أمركم بنحرها في مناسك حجكم إذا قلدتموها وأشعرتموها . " والبدن " جمع بدنة ، كخشبة وخشب ، إلا أن الإسكان في " بدن " أحسن ، والضم في " خشب " أحسن ، لأن بدناً أصله النعت ، لأنه من البدانة وهو السمن وخشبة اسم غير نعت . والنعت أثقل من الاسم ، فكان إسكانه وتخفيفه أولى من الاسم . " والبدن " : الإبل . وإنما سميت بدناً لأجل السمانة والعظم . وقوله : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } . أي : أجر في الآخرة بنحرها والصدقة منها وفي الدنيا : الركوب إذا احتيج إلى ركوبها . ثم قال تعالى : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } أي : انحروها واذكروا اسم الله عليها قائمة على ثلاثة تعقل اليد اليسرى . وقال ابن عباس : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } قال : الله أكبر ، الله أكبر ، اللهم منك ولك . { صَوَآفَّ } قياماً على ثلاثة . وقرأ الحسن والأعرج : صَوَافِي ، جمع صافية ، ومعناها مخلصين في نحرها لله لا شرك فيها لأحد . وقرأ ابن مسعود : صَوَافِنَ . جمع صافنة ، وهي القائمة على ثلاث . وروي عن مجاهد أنه قال : " صواف " ، قائمة على أربع مصفوفة . و " صوافن " : قائمة على ثلاث . قال قتادة : معقولة اليد اليمنى . وقال مجاهد : " اليسرى " . ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنة قياماً . ودل على ذلك قوله : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } . أي : إذا سقطت على جنوبها . وهو قول : مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي . واستحب عطاء أن تنحر باركة معقولة لئلا تؤذي بدمها أحداً . وقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذبح : " بسم الله والله أكبر " . وقوله تعالى : { فَكُلُواْ مِنْهَا } . إباحة ، لأن المشركين كانوا لا يأكلون من ذبائحهم ، فرخص الله للمسلمين في ذلك . ثم قال : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } . قال ابن عباس : القانع : المستغنى بما أعطيته وهو في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك ويلم [ رجاء ] أن تعطيه ، ولا يسأل . وقال مجاهد : " القانع " جارك ، يقنع بما أعطيته . " والمعتر " : الذي يتعرض لك ، ولا يسألك . وعن ابن عباس : " القانع " الذي يقنع بما عنده ولا يسأل ، " والمعتر " الذي يعتريك فيسألك . وقال قتادة : " القانع " : المتعفف الجالس في بيته ، " والمعتر " الذي يعتريك فيسألك . وقال الحسن : " القانع " السائل ، " والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل . وكذلك قال زيد بن أسلم وابن جبير أن القانع : السائل . وعن مجاهد : " القانع " جارك وإن كان غنياً . " والمعتر " : الذي يعتريك . وعن زيد بن أسلم أيضاً : " القانع " : المسكين الطواف . " والمعتر " : الصديق الضعيف الذي يزور . وقال محمد بن كعب القرظي : " القانع " : الذي يقنع بالشيء اليسير يرضى به ، و " المعتر " الذي يمر بجانبك ولا يسأل شيئاً . وقيل : " القانع " الذي هو فقير لا يسأل . " والمعتر " الفقير الذي يسأل . وعن مجاهد : " القانع " : الطامع . " والمعتر " الذي يعتر من غني أو فقير . وقال عكرمة : " القانع " : الطامع . وقال ابن زيد : " القانع " : المسكين . " والمعتر " : الذي يتعرض للحم وليس له ذبيحة ، يجيء إلى القوم من أجل لحمهم . وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير ، وأن " المعتر " هو الزائر . يقال : قنع الرجل يقنع قنوعاً ، إذا سأل ، وقنع يقنع قناعة ، إذا رضي / " فهو قنع " . وقرأ أبو رجاء : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ } على معنى الذي يرضى بما عنده . وقرأ الحسن : { وَٱلْمُعْتَرَّ } وهي لغة فيه ، يقال : اعتره واعتراه إذا تعرض لما عنده ، وإن طلبه . ثم قال : { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أي : هكذا سخرنا لكم البدن لعلكم تشكرون على تسخيرها أيها الناس .