Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 37-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . أي : لن يصل إلى الله لحوم هديكم ، ولا دماؤها ولكن يناله اتقاؤكم إياه وإرادتكم بها وجهه وتعظيمكم حرماته . وتقديره : لن يتقبل الله لحوم هديكم ولا دماؤها ، وإنما يتقبل إخلاصكم لله وتعظيمكم لحرماته . وقيل : المعنى : لن يبلغ رضا الله لحومها ولا دماؤها ولا يرضيه ذلك عنكم ، ولكن يبلغ رضاه التقوى منكم ، ويرضيه ذلك عنكم . وفي الكلام مجاز وتوسع ، إذا أتى " لن ينال الله " في موضع لن يبلغ رضا الله وحَسُنَ ذلك ، لأن كل من نال شيئاً فقد بلغه . وقال ابن عباس : كانوا في الجاهلية ينضحون بدم البدن ما حول البيت ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله الآية . ثم قال : { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } . أي : هكذا سخر لكم البدن لكي تعظموا الله على توفيقه لكم لدينه والنسك في حجكم . وقيل : معناه : لتكبروا الله على ذبحكم في الأيام المعلومات . { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : وبشر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة إلى الآخرة . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } . أي : يصرف عن المؤمنين مرة بعد مرة غائلة المشركين وما يريدون بالمؤمنين . فيكون " يدافع " على معنى : تكرير الفعل من الله ، لا على معنى مدافعة اثنين . وهذا كقوله : فيضاعفه له : فيفاعل للتكرير . أي : يضعف له مرة بعد مرة ، لا أن ثم فاعلين مثل : قاتل . ومن قرأ . يَدْفَعُ : أراد مرة واحدة . وعدل من يفاعل ، لأن أكثر باب المفاعلة أن يكون من اثنين ، والله تعالى ذكره ، لا يمانعه شيء . وقيل : معناه : أن الله يدفع عن المؤمنين شدائد الآخرة وكثيراً من شدائد الدنيا . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } . أي : كل من خان الله فخالف أمره ونهيه ، وجحد كتبه ورسله . ومعنى لا يحب كل كفار أي : لا يحب إكرامه وإعزازه ، بمعنى لا يريد ذلك كما يريده بالمؤمنين ، فعنى الله بهذه الآية دفعه تعالى ذكره كفار قريش عمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قبل هجرتهم . و " خوان " فعال : من الخيانة وهو من أبنية المبالغة وكذلك كفور . ثم قال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } . أي : أذن الله للذين يقاتلهم المشركون أن يقاتلوهم . ففي الكلام حذف على قراءة من فتح التاء . ومن كسر التاء ، فمعناه : أذن الله للذين يقاتلون المشركين في سبيله بالقتال لظلم المشركين لهم : فثم حذف أيضاً . وقرأ ابن عباس : { يُقَاتَلُونَ } بكسر التاء . وقال : هي أول آية نزلت في القتال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة . وقال : عنى الله بها محمداً وأصحابه إذ أخرجوا من مكة إلى المدينة . يقول الله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } . قال ابن عباس : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكن ، فأنزل الله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ … } الآية . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فعرفت أنه سيكون قتال ، وكذلك قال الضحاك . وقال ابن زيد : أذن لهم في قتالهم بعدما عفا عنهم عشر سنين . وقرأ : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } . وقال : هؤلاء المؤمنين . وقيل : إن هذه الآية إذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من مكة وقتال المشركين ، لأن الآية نزلت بمكة ، وبعقبها خرج النبي من مكة إلى المدينة ، ثم بعقب ذلك كانت وقعة بدر ، وهو النصر الذي وعدهم الله في قوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } . ومعنى : بأنهم ظلموا " أي : لأنهم ظلموا . فمن أجل الظلم الذي لحقهم أذن لهم في قتال من ظلمهم ، فأخرجهم من ديارهم ووعدهم بالنصر على من ظلمهم بقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } . وقال مجاهد : الآية مخصوصة ، نزلت في قوم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة / ، فكانوا يمنعون ، فأذن الله عز وجل للمؤمنين بقتال الكفار فقاتلوهم حين أرادوا ردهم عن الهجرة . قال مجاهد وقتادة : هي أول آية نزلت في القتال . وقال الضحاك : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنوه في قتال الكفار بمكة قبل الهجرة فأنزل الله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } . فلما هاجر رسول الله وأصحابه إلى المدينة ، أطلق الله لهم قتل الكفار وقتالهم فقال : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ … } الآية . فالآية ناسخة عند الجميع لكل ما في القرآن من الأمر بالصفح عنهم ، والصبر على أذاهم والمنع من قتالهم . وقال ابن زيد : هذا ناسخ لقوله : { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } وخولف في ذلك ، لأن هذا تهدد ووعيد ، فلا ينسخ . ومعنى : " بأنهم ظلموا " بسبب ظلمهم . ثم قال : { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } هذا وعد من الله للمؤمنين بالنصر ، فقد فعل تعالى ذلك بالمؤمنين ، أعزهم ونصرهم ، وأعلى كلمتهم . وأهلك عدوهم . ثم قال : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } . تقديره : أذن للذين أخرجوا من ديارهم بغير حق . فالذين : بدل من الذين الأولى ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ . أو في موضع نصب على إضمار أعني . وقوله : إلا أن يقولوا . " إن " : في موضع خفض بدل من حق . هذا قول : الفراء وأبي إسحاق . وقال سيبويه : هي في موضع نصب استثناء ليس من الأول . فمعنى الآية : أذن للذين يقاتلون الذين أخرجوا من ديارهم . يعني من مكة ، أخرجهم كفار قريش بغير حق إلا بتوحيدهم الله ، وذلك أن كفار قريش كانوا يسبون المؤمنين ، ويعذبونهم ويوعدونهم حتى اضطروهم إلى الخروج عنهم . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } . قال ابن جريج : معناه : ولولا دفاع الله المشركين بالمؤمنين . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنما نزلت هذه الآية في أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما يدفع الله بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن التابعين لهدمت صوامع وبيع . وقال ابن زيد : المعنى : لولا الجهاد والقتال في سبيل الله . وقال علي بن أبي طالب : نزلت الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالمعنى : لولا دفاع الله المشركين بأصحاب رسول الله ، لهدمت صوامع وبيع . وقيل : معناه : لولا أن الله يدفع أي يأخذ الحقوق والشهادات لمن أوجب قبول شهادته عمن لا يجوز قبول شهادته ، فتركوا المظالم من أجل ذلك ، لتظالم الناس ، فهدمت صوامع ، قاله : مجاهد . وقال أبو الدرداء معنى : لولا أن الله يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد ، وبمن يغزو عمن ليس يغزو . لأتاهم العذاب ولاختلفوا ، فهدمت صوامع . قال مجاهد والضحاك : هي صوامع الرهبان يبنونها على الطريق . وقال قتادة : هي صوامع الصابئين . وقال البيع : بيع النصارى . وقال مجاهد : البِيَع : كنائس اليهود . وقال ابن زيد : البيع : الكنائس . وقال ابن عباس : الصلوات : الكنائس ، يعني : ومواضع صلوات . وقال الضحاك : هي كنائس اليهود ، يسمون الكنائس صلوات ، وقاله : قتادة . وقال أبو العالية : الصَّلَوَاتُ : مساجد الصابئين . وقال مجاهد : هي مساجد لأهل الكتاب ، ولأهل الإسلام على الطرق . وقال ابن زيد : هي صلوات أهل الإسلام ، تنقطع إذا دخل العدو عليهم . يعني النوافر . قال : وتهدم المساجد كما صنع بختنصر . وقوله : " وَمَسَاجِدُ " قال قتادة : هي مساجد المسلمين . وقوله : { يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ } . يعني : في المساجد ، لأنها أقرب إلى الضمير من غيرها . وقيل الضمير في " فيها " يعود على جميع ما ذكره ومعناه : يذكر فيها اسم الله في وقت شرائعهم وإقامتهم للحق . قال خصيف : أما الصوامع ، فصوامع الرهبان وأما " البيع " ، فكنائس النصارى ، وأما " الصلوات " فكنائس اليهود ، وأما " المساجد " فمساجد المسلمين . ومعنى : " وصلوات " أي : مواضع صلوات ، قاله : أبو حاتم . وقال الحسن : هدمها : تركها . وقال الأخفش : التقدير : وتركت صلوات . وقرأ عاصم الجحدري : " وصُلُوب " بالباء المعجمة ، واحدة من أسفل من غير ألف بعد الواو ، وضم اللام ، يريد به الصلبان ، كأنه اسم للجمع على فعول . وقرأه جعفر بن محمد ، بإسكان اللام ، وبالتاء المعجمة ، باثنتين من فوق . ويروى أن مساجد اليهود تسمى صلوات . وعن مجاهد أنه قرأ : وَصِلْوِيتاً ، بالياء والتاء ، وبكسر الصاد والواو وإسكان اللام ، وقال : هي القباب على شاطئ الأنهار . وقرأ الضحاك ، بضم اللام من غير ألف بعد الواو على وزن فعول وبالثاء المعجمة ، ثلاثة من فوق . وروي : أن مساجد الصابئين تسمى صُلُوثاً ، وبذلك قرأ الكبي أعني بالثاء المعجمة ثلاثاً من فوق . ومعنى : " لهدمت " لضيعت وتركت . ومن جعل الضمير في " يذكر فيها " يعود على المساجد خاصة ، وقف على صلوات ، وهو قول نافع . ثم قال : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } أي : وليعينن الله من يقاتل في سبيله فيجعل كلمته العليا ، كما أنه إنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا . { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : قوي على نصر من جاهد في سبيله ، ونصر دينه منيع لا يغلبه غالب .