Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 41-45)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } إلى قوله : { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } . المعنى : الذين إن وطأنا لهم في الأرض ، فقهروا المشركين وقتلوهم ، أقاموا الصلاة بحدودها ، وآتوا الزكاة مما يجب عليهم فيه الزكاة من أموالهم ، " وأمروا بالمعروف " أي : دعوا الناس إلى توحيد الله والعمل بطاعته . " ونهوا عن المنكر " أي : عن الشرك والعمل بمعاصيه يعني بذلك : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، إلا بتوحيدهم لله وقد تقدم ذكرهم . وقيل : إن هذه الآية مخصوصة في أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين أذن لهم بقتال المشركين في الآية الأولى وهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم . وقال الحسن : " هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم " . قال ابن أبي نجيح : " هم الولاة " . وروي : أن عثمان رضي الله عنه قال للذين أرادوا قتله : فينا نزلت هذه الآية . { أُذِنَ لِلَّذِينَ … } إلى { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } . وقال : نحن الذين قوتلنا وظلمنا وأخرجنا من ديارنا بغير حق إلا أن قلنا ربنا الله ، فنصرنا الله عز وجل ، فمكننا في الأرض ، فأقمنا الصلاة وآتينا الزكاة ، وأمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، فهذه لي ولأصحابي وليست لكم . وقال الضحاك : هذا شرط اشترطه الله على من أعطاه الله الملك من هذه الأمة . ثم قال : { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } . أي : له آخر أمور الخلق ، يثيب على الحسنات مع الإيمان ، ويعاقب على السيئات مع الكفر . ثم قال تعالى : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } . هذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وتعزية له ، ليقوى عزمه على الصبر على ما يناله من المكذبين له ، فالمعنى : أن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون فيما جئتهم به من الحق ، فالتكذيب سنة أوليائهم من الأمم الخالية ، كذبت رسلها فأمهلتهم ، ثم أحللت عليهم نقمتي ، { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : انظر يا محمد : كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة ، فكذلك أفعل بقريش الذين كذبوك ، وإن أمليت لهم إلى آجالهم ، فإني منجزك وعيدي فيهم ، كما أنجزت ذلك لغيرك من الرسل في الأمم المكذبة لهم . وقوله : { وَكُذِّبَ مُوسَىٰ } ولم يقل : وقوم موسى ، كما قال في نوح وعاد وثمود وإبراهيم ، فإنما ذلك ، لأن قوم موسى هم بنو إسرائيل وكانوا مؤمنين به وإنما كذبه فرعون وقومه ، وهم من القبط ليسوا من قومه فلذلك قال : وكذب موسى ولم يقل وقوم موسى . قال أبو إسحاق : { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار . ثم قال تعالى : { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي : وكثير من القرى أهلكنا أهلها وهم ظالمون . فعبر عن إهلاك القرية وهو يريد أهلها ، مثل { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . فالمعنى : فما أهلكنا كثيراً من أهل القرى بظلمهم ، كذلك نهلك أهل قريتك يا محمد بظلمهم إذا جاء الأجل . كل هذا تخويف وزجر لقريش / و " كأين " هي كاف التشبيه دخلت على " أي " فصارتا بمنزلة " كم " في الخبر ، هذا مذهب الخليل وسيبويه ، والوقف على قولهما على الياء ، لأنه تنوين دخل على " أي " فأما قراءة ابن كثير " وكَائِنْ " يروى عن الخليل أنه قال : من قال كإن فإنه قدم الياء الساكنة قبل الهمزة ثم خلفها بألف ، كما قالوا : ، إن أصل آية : إيَّة ، ثم أبدلوا من الياء الساكنة ألفاً ، ثم اعتلت الياء الثانية ، لأنها بعد متحرك وهو الهمز فصارت كياء قاض ورام . وقال ابن كيسان : هي أي : دخلت عليها الكاف وكثر استعمالها في الكلام حتى صار التنوين فيه بمنزلة النون الأصلية ، فقالوا : كأين بنون في الوقف . قال : وفيها لغة أخرى ، يقولون : كا إن ، كفاعل من كنت ، قال : وأصلها في المعنى كالعدد ، كأنه قال كشيء من العدد لأن " أيا " شيء من الأشياء ، فكأنه قال : كعدد كثير فعلنا ذلك بهم ، فخرجت في الإبهام إلى باب " كم " وأكثر ما جاءت " كأي " مفسرة بـ " من " نحو : كأين من رجل رأيت فإن حذفت " من " نصبت ، فقلت كأي رجلاً ، كما تقول : عندي كذا وكذا درهماً فتنصب ، وتقول : عندي كذا وكذا من رهم . وتقول : كم لك من درهم ، وكم لك درهماً ، ولو خفضت فقلت كأين رجل جاز ، كما تقول : كم رجل جاءك في الخبر . فتقدير النصب في ذلك أن تجعله بمنزلة عدد فيه نون أو تنوين . وتقدير الخفض أن تجعله بمنزل عدد يضاف إلى ما بعده . ثم قال تعالى : { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } . أي : فالقرية خالية من سكانها فخربت وتداعت ، فتساقطت حيطانها على سقوفها فصارت القرية عاليه سافلها السقوف تحت الحيطان . ثم قال : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } . أي : تعطلت البير بهلاك أهلها ولا وارد ولا شارب منها ، وخفض " البير " على العطف على العروش ، وإن كان غير داخل في معنى العروش ، لكنه مثل : { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] بالخفض كأنه أراد وثم بير وقصر ، فلما لم يكن في الكلام ما يرفعه ، عطفه على ما قبله ، هذا مذهب الفراء . وقال أبو إسحاق هو عطف على " قرية " . أي : وكم من قرية وكم من بير ومن قصر . و " البير " مشتق من بأرت الأرض ، إذا حفرتها ، وابتأرتها ، احتفرتها . وقوله : { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } . أي : مجصص ، قاله عكرمة . وقال الضحاك : " مشيد " طويل . وقال أهل اللغة ، شاد القصر يشيده ، إذا بناه بالشيد وهو الجص . ومشيد : مفعل بمعنى مفعول ، كمبيع بمعنى مبيوع . يقال قد شيد القصر : إذا طوله وأشاده أيضاً . وقال قتادة : " مشيد " : رفيع طويل . وعن ابن عباس : أن المشيد ، الحصين .