Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 53-55)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً } . إلى قوله : { يَوْمٍ عَقِيمٍ } . المعنى : فعل ذلك من نسخ ما ألقى الشيطان ليجعله فتنة للذين في قلوبهم مرض ، أي : اختباراً للذين في قلوبهم نفاق { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } هم المشركون الذين قست قلوبهم عن الإيمان فلا تلين ولا ترعوي . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } . أي : وإن مشركي قومك لفي خلاف لله ، في أمر بعيد من الحق . والشقاق : أشد العداوة . ثم قال : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } . أي : نسخ ما ألقى الشيطان ليعلم الذين أوتوا العلم بالله أنه الحق من ربك . أي : أن الذي أنزله إليك هو الحق ، لا ما نسخ مما ألقى الشيطان { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي : فيصدقوا به . { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي ، تخضع للقرآن قلوبهم وتذعن بالتصديق به والإقرار بما فيه . ثم قال : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } . أي : لمرشد المؤمنين إلى الطريق القاصد والحق الواضح ، فينسخ ما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يضرهم كيد الشيطان شيئاً . وقيل : المعنى : لهاديهم إلى طريق الجنة في الآخرة . وقيل : المعنى : لهاديهم إلى الثبات على الإيمان في بقية أعمارهم . وقال ابن جريج : { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } يعني : القرآن . ويروى : أن قوماً من المهاجرين بأرض الحبشة بلغهم أن أهل مكة أسلموا حين تقربوا من النبي عليه السلام لما سمعوا منه ما ألقى الشيطان في تلاوته ، فرجعوا إلى عشائرهم ، وقالوا هم أحب إلينا ، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان . وقوله : " لهاد " حذفت الياء في الوصل لسكونها وسكون اللام بعدها وحذفت من الخط ، لأن الكاتب كتبها على لفظ الوصل ، ولو كتبها على الوقف لكتبها بالياء كما كتب { بِهَادِي ٱلْعُمْيِ } [ النمل : 81 ] في النمل بالياء على الوقف ، وكتب " بهاد العمي " في الروم بغير ياء على الوصل ، ولا يحسن الوقف عليه ، لأنك إن وقفت بالياء خالفت الخط ، وإن وقفت بغير ياء ، حذفت لام الفعل لغير علة . وقد قال يعقوب وسلام : الوقف " لهادي " بالياء على الأصل ، والأحسن ألا تقف عليه لما ذكرت لك . ولأنه ليس بتمام ولا قطع ، ولأنك تفرق بين المضاف والمضاف إليه ، وكلاهما كالشيء الواحد . وقد روى أبو محمد اليزيدي عن أبي عمرو في " لهاد الذين آمنوا " قال : الوصل بالياء ، والوقف على الكتب . وروي ذلك عن اليزيدي أبو عبد الرحمان وأبو حمدون . ومعنى هذا أنه ينوي الياء في الوصل وإن كان لا يلفظ بها ، فإذا وقف ، وقف بغير ياء اتباعاً للخط فكأنه قال : الوصل بنية الياء . وهذا كلام مستقيم . وقد استجهل اليزيدي في هذه الرواية ومجازها ما ذكرنا . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } . أي : لا يزال الكفار في شك من القرآن . وقيل : من النبي . وقيل : من سجوده معهم في آخر النجم . وقيل : " مما ألقى الشيطان في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : تلك الغرانيف العلى " قال هذا القول الأخير ابن جبير وابن زيد . قال ابن زيد : لا يخرج ذلك من قلوبهم زادهم ضلالة . وكونها تعود على القرآن أبين ، لقوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } يعني : القرآن وهو أقرب إليه . وقوله : { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } . أي : حتى تأتيهم ساعة حشر الناس لموقف الحساب " بغتة " أي : فجأة ، وهو مصدر في موضع الحال . ثم قال تعالى : { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } . أي : عذاب يوم القيامة ، ومعنى عقيم لا ليلة له شبهت / الليلة باليوم ، بمنزلة الولد للوالدة ، هذا قول الضحاك وعكرمة . وقيل : عنى به يوم بدر . وسمي عقيماً لأنهم لم ينظروا إلى الليل ، قال ذلك : مجاهد وابن جبير وقتادة وأبي بن كعب . وهذا القول : حسن لأنه قد تقدم ذكر يوم القيامة في قوله : { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } فلا يكون يوم القيامة مرة أخرى ، وإنما المعنى : لا يزالون في شك من القرآن حتى تقوم الساعة أو يقتلوا يوم بدر . قال أبي بن كعب : " عذاب يوم عقيم " ، يوم بدر ، واللزام : القتال في يوم بدر ، { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } [ الدخان : 16 ] يوم بدر ، { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } [ السجدة : 21 ] ، يوم بدر ، فذلك أربع آيات نزلن في يوم بدر . وقيل : إنما سمي يوم بدر عقيماً لأنه عقيم فيه الخير والفرج عن الكفار . وقيل : هو يوم القيامة ، عقم أن يكون بعده يوم مثله ، أي : منع من ذلك .