Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 56-63)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } . إلى قوله : { لَطِيفٌ خَبِيرٌ } . أي : السلطان لله وحده يوم مجيء الساعة لا ينازعه فيه أحد إذ قد كان في الدنيا ملوك يدعون ذلك ، قد ملكهم الله أمر عباده ، فيوم القيامة لا يملك الله فيه أحداً شيئاً من الأمور ، بل هو المتفرد بذلك ، والحاكم فيه كله ، وقد كان الملك كله لله في الدنيا ، إلا أنه تعالى ملك قوماً أمور عباده ، وليس يكون ذلك في الآخرة ، لا يملك أحد أمر أحد . { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي : بين خلقه ، المؤمن والكافر ، { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } يومئذ { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، أي : مذل لهم في جهنم . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ } . أي : والذين فارقوا أوطانهم وهجروا بلدهم في رضى الله ثم قتلوا في ذلك أو ماتوا { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } وهو الثواب الجزيل ، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي : خير من بسط رزقه على أهل طاعته . وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في حكم من مات في سبيل الله ، فقال بعضهم : الميت والمقتول منهم سواء ، وقال آخرون : بل المقتول أفضل فأعلمهم الله جلّ ذكره بهذه الآية أن المقتول في سبيل الله والميت فيه سوا عنده في الثواب . ثم قال : { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } . يعني : الجنة . وقال : و { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } أي : " لعليم بمن هاجر في سبيله ممن خرج لغنيمة أو عرض من أعراض الدنيا " . " حليم " عمن عصاه من خلقه لا يعاجله بالعقوبة ثم قال : { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } . أي : الأمر ذلك ومن عاقب . وقيل : معناه : هذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ولهم مع ذلك القضاء على المشركين الذين بغوا عليهم ، وأخرجوهم من ديارهم . قال ابن جريج في الآية : هم المشركون ، بغوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجوه ، فوعده الله أن ينصره وقال : إن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين ، لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم ، فكره المسلمون القتال في الشهر الحرام ، وسألوا المشركين أن يكفوا عن القتال ، فأبى المشركون ذلك فقاتلوهم وبغوا عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم ، فأنزل الله الآية فيكون معنى { ثُمَّ بُغِيَ } : بدئ بالقتال وهو له كاره لينصرنه الله على من بَغَى عليه . وسمى الجزاء عقوبة لأنه جزاء على عقوبة فسمي باسمه ، كما قال : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] و { مَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] وشبهه ، ومثل { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] فالأولى : سيئة والثانية حسنة ، إلا أنها سميت سيئة ، لأنها وقعت إساءة بالمفعول ، لأنه فعل به ما يسوء ، كذلك سمي الجزاء على العقوبة عقوبة لأنه عقوبة بالمبتدئ بالشر . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } . أي : لذو عفو وصفح لمن انتصر به من ظلمه من بعدما ظلمه الظالم ، غفور لمن فعل بمن ظلمه . ثم قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ } أي : يقول الله جلّ ذكره : هذا النصر الذي أنصر من بُغِيَ عليه بأني القادر على ما أشاء ، ومن قدرتي أني أولج الليل في النهار وأولج النهار في الليل . ومعناه : يدخل ما انتقص / من ساعات الليل في ساعات النهار ، وما انتقص من ساعات النهار في ساعات الليل ، فما نقص من طول هذا ، زاد في طول هذا . فبالقدرة : التي فعل هذا ، ينصر محمداً وأصحابه على الذين بغوا عليهم ، وأخرجوهم من ديارهم . ثم قال : { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي ، وفعل ذلك بهم أيضاً ، لأنه ذو سمع لما يقولون من قول خفي وغيره ، عليم بكل شيء . ثم قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } . أي : ذلك الفعل الذي فعل من إيلاجه الليل في النهار ، والنهار في الليل ، ونصره أولياءه على من بغى عليهم ، لأنه الحق الذي لا مثل له ، ولا شريك ، وأن الذي يدعوه هؤلاء المشركون آلهة من دونه ، هو الباطل الذي لا يقدر على شيء . ثم قال تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } . أي : هو ذو العلو على كل شيء وهو فوق كل شيء ، وكل شيء دونه . " والكبير : " أي : العظيم الذي لا شيء أعظم منه . قال ابن جريج : " هو الباطل " يعني : الشيطان . ثم قال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } . " فتصبح " مرفوع لأن صدر الكلام واجب ، وليس استفهام ، إنما هو تنبيه ، هذا قول الخليل . وقال الفراء : " ألم تر " خبر ، كما تقول في الكلام : أعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا . وخص ذكر الصباح بهذا دون سائر أخواتها ، لأن رؤية الخضرة بالنهار أوضح منه بالليل ، والمعنى : أن الأرض صارت على هذا بالليل والنهار ، فتصبح بمعنى فأصبحت ، وهذه أصول من باب صار وأخواتها ، وأعلم أن أصل أصبح وأمسى أن تقول : أصبح الرجل وأمسى أي : وافق الصباح ووافق المساء ، وكذلك أصبحنا وأمسينا ، معناه : دخلنا في الصباح والمساء . ثم قالوا : أصبح زيد عالماً ، وأمسى جاهلاً . أي : تبين ذلك منه في وقت الصباح والمساء ولم يرد أنه يكون في الصباح على حال لا يكون عليها في المساء ، وقولهم ظل فلان قائماً ، فلا يكون ظل إلا بالنهار ، كما أن بات بالليل ، واشتقاقه من الظل ، والظل إنما يكون بالنهار ، فلذلك لم يقع " ظل " إلا بالنهار . وقولهم : صار زيد عالماً . أصلها من صرت إلى موضع كذا ، أي : بلغته ، فالمصير انقطاع البلوغ . ومنه قوله : " إليه المصير " ، أي : غاية البلوغ والانتهاء ، ثم اتسع فيها حتى جعلت للخبر ، فقيل : صار عبد الله عالماً أي : بلغ هذه الصفة ، فلذلك كانت للشيء الذي ينقطع إلى وقتك تقول : صار عبد الله رجلاً . أي : بلغ ذلك هذا الوقت ، وليست بمنزل " كان " التي توجب علمه قبل ذلك ، فصارت لانقطاع الغاية ، وانقطاع الغاية وقت خبرك ، فإن أردت أن تخبر بـ " صار " إنما هو كان قبل وقتك ، أدخلت " كان " فقلت : كان زيد قد صار عالماً ، ورأيته أمسى صار عالماً . وأما ما زال فأصلها من زال الشيء عن الموضع ، إذا فارقه وما زلت عن موضع ، أي : ما فارقته . ثم جعل ذلك للخبر فلزمه الجحد ، فثبت الخبر عن الاسم بنفي مفارقته ، فقلت : ما زال زيد عالماً ، فنفيت مفارقته للعلم ، ونفي ذلك إيجاب له ، فصار المعنى : زيد عالم ، ففيه معنى تراخي الزمان ، فإذا قلت ما زلت سائراً ، فمعناه ما زلت أسير شيئاً بعد شيء . ونظير ما زال ، ما برح وما انفك ، وما فتئ . فأصل ما برح ، من برحت من موضع ، أي : فارقته . وأصل ما انفك من انفكاك الشيء من الشيء ومفارقته إياه . وأما ما فتئ ، فلم ينفرد باسم كظلت . وأما ما دام ، فما فيها غير جحد ، إنما هي زمان . وأصل دام ، من دمت على الشيء ، مكثت فيه ، وطاولته ، ثم جعلت لديمومة الخبر ، وجعل الاسم وخبره صلة " ما " التي هي وقت . ولو قلت دام زيد عالماً ، لم يكن كلاماً حتى تأتي الموصول ، وهو " ما " . ولو قيل : قد دام زيد أميراً ، لجاز في القياس ، لأن معناه : طالت إمارته ، ولكن لم يستعمل وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } . أي : لطيف باستخراجه النبات من الأرض بالماء الذي ينزل من السماء . " خبير " بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره .