Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 15-24)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } . إلى قوله : { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } . أي : ثم إنكم يا بني آدم بعد إنشاء الله لكم خلقاً آخر تموتون تصيرون رفاتاً ، ثم إنكم بعد موتكم وتصييركم رفاتاً تبعثون فتحيون للحساب والجزاء في القيامة . ثم قال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ } . يعني : سماوات بعضها فوق بعض . والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة . فلذلك قيل للسماوات طرائق ، إذ بعضها فوق بعض . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } . أي : لم نغفل عن خلق السماوات أن تسقط عليكم ، بل كنا حافظين لهن . وهذا بمنزلة قوله : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] أي : محفوظاً أن يسقط عليكم . وقيل : محفوظاً من الشياطين . وقيل : المعنى ، إنا لحفظنا إياكم خلقنا السماوات هذا الخلق ، ويجوز أن يكون المعنى : ليس يغفل عن أعمال الخلق ، وأحصى أفعالهم مع كون سبع طرائق فوقهم . ثم قال : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } ، يعني : مياه الأرض كلها أصلها من السماء ، أسكنه الله الأرض لينتفع به خلقه . قال ابن جريج : " ماء الأرض هو ماء السماء " . فماء الآبار والأدوية والعيون ، هو من ماء السماء أصله ، أسكنه الله الأرض . قوله تعالى : { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } . أي : وإنا لقادرون على أن نذهب بالماء الذي أسكناه الأرض فتهلكوا بالعطش وتهلك مواشيكم وهذا مثل قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ / مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } [ الملك : 30 ] . فمن نعمة الله على خلقه أن أسكن لهم الماء في الأرض مخزوناً يشربونه ويسقون مواشيهم ويسقون زرعهم وأَجْنُنَهم ، ويتطهرون به وغير ذلك من منافعهم به . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار : سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق ، والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها ، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض ، وجعل فيها معايش للناس في أصناف معايشهم ، وذلك قوله تعالى ذكره : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ } وإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ، أرسل الله عز وجل جبريل صلى الله عليه وسلم ، فرفع من الأرض القرآن والعلم وهذه الأنهار الخمسة ، فيرفع ذلك إلى السماء ، فذلك قوله تعالى : { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } " . ثم قال تعالى ذكره : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } . أي : فأحدثنا لكم بالماء بساتين من نخيل وأعناب { لَّكُمْ فِيهَا } أي : من الجنات فواكه كثيرة ، { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . أي : ومن الفواكه تأكلون . وقيل المعنى : ومن الجنات تأكلون . وقيل المعنى : من النخيل والأعناب تأكلون . وخص ذكر النخيل والأعناب دون سائر الثمار ، لأن القوم الذين نزل عليهم القرآن كان عامة فاكهة بلدهم النخيل والأعناب ، فخوطبوا بما عندهم من الثمار ليذكروا أنعم الله عليهم ، فكان النخيل لأهل الحجاز والمدينة ، وكانت الأعناب لأهل الطائف . ثم قال : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } . أي : وأنشأنا لكم ذلك ، يعني شجرة الزيتون تخرج من جبل فلسطين . " وطور سيناء " الجبل الحسن . فالمعنى وأنشأنا لكم شجرة خارجة من هذا الجبل . ومن كسر السين من " سيناء " جعله فعلالاً وليس بفعلاء إذ ليس في الكلام هذا المثال فيه همزة التأنيث ، ولم يصرف لأنه اسم للبقعة ، ولأنه معرفة . وقال الأخفش : هو اسم أعجمي . فأما من فتح السين ، فإنه فعلاء ، كحمراء ، فلم ينصرف للتأنيث وهما لغتان . وقال أبو عمرو : الفتح لغة بني تميم . وقال الفراء : لم يكسر السين إلا بنو كنانة . وقال مجاهد : معنى سيناء : المبارك . وقال ابن عباس : هو جبل بالشام مبارك . وقال قتادة : معنى " سيناء " و " سينين " ، حسن . وقال ابن عباس أيضاً : سيناء ، الجبل الذي نودي منه موسى . وقال ابن زيد : هو الطور الذي بالشام جبل ببيت المقدس ممدود من مصر إلى أيلة . وقيل : هو جبل ذو شجر . والمعنى فيه : أن سيناء اسم معرفة ، أضيف إليه الطور فعرف به كما قيل : جبلا طيء ، وهو معنى قول ابن عباس : أن سيناء الجبل الذي نودي منه موسى ، وهو مع ذلك مبارك . ويلزم من قال معناه جبل مبارك أو جبل حسن أن ينون طوراً ويجعل سيناء له نعتاً . وقوله : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } مذهب أبي عبيدة أن الباء زائدة والتقدير ، تنبت الدهن . ومذهب الفراء وأبي إسحاق أن الباء متعلقة بالمصدر الذي دلّ عليه الفعل ، فالمصدر في كل الأفعال يحسن دخول الحرف معه على المفعول ، وإن كان لا يحسن مع الفعل . ألا ترى أنك تقول : هو ضارب لزيد ، فتدخل اللام . وتقول : أعجبني أكل للخبز زيد ، ولو قلت : هو ضارب لزيد لم يجز ، لأن اسم الفاعل أضعف في العمل من الفعل . فكذلك المصدر ، هو أضعف في العمل من الفعل . فجاز دخول حرف الجر معه ، وإن كان لا يدخل مع الفعل لقوة الفعل في التعدي . وتنبُتُ وتنبِتُ لغتان بمعنى كما يقال : مطرت السماء ، وأمطرت وسرى وأسرى بمعنى والتقدير في العربية تنبت وفيها دهن أو معها دهن . وقوله : { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } يعني الزيتون . قال ابن عباس : يصطبغ بالزيت الذي يأكلونه . يعني يأتدمون به / . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } . أي : وإن لكم أيها الناس في الإبل والبقر والغنم والمعز لعبرة تعتبرون بها فتعرفون نعم الله عندكم ، وأنه لا يعجزه شيء أراده فهو يسقيكم من اللبن الخارج من بين الفرث والدم ، ولكم فيها أيضاً مع ذلك منافع كثيرة ، كالإبل يحمل عليها ، وكالبقر يحرث بها { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . أي : من لحومها تأكلون . { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أي : وعلى الإبل والسفن يحملون براً وبحراً . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . أي : أرسل نوحاً إلى قومه داعياً لهم إلى الإيمان بالله وإلى طاعته . فقال لهم : { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي : ذلوا له بالطاعة لا معبود لكم غيره { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي : تخشون بعبادتكم سواه العقوبة أن تحل بكم . ثم قال تعالى : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } . أي : فقال جماعة أشراف قومه الذين جحدوا توحيد الله وكذبوه لقومهم : يا قوم ، ما هذا إلا بشر مثلكم . أي : ما نوح إلا ابن آدم { مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يريد أن يكون له الفضل عليكم ، فيكون متبوعاً وأنتم له تبع . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } . أي : لو شاء الله ألا نعبد سواه لأرسل إلينا ملائكة تدعونا إلى ذلك . { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي : قالوا لهم : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه نوح من أنه لا إله لنا غير الله في القرون الماضية ، وهم آباؤهم .