Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 25-37)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } إلى قوله : { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . أي : قال أشراف قوم نوح : ما نوح إلا رجل به جنون { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } أي : تمهلوا به إلى وقت ما . قال نوح : { رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } أي : بتكذيبهم إياي . دعا صلى الله عليه وسلم واستنصر بالله لما طال عليه أمرهم وأبوا إلا تكذيبه . ثم قال تعالى : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } . أي : فقلنا له حين استنصرنا على كفرة قومه : اصنع الفلك بمرأى منا وتعليم لك بما تصنع . { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : قضاؤنا في قومك بالعذاب والهلاك . { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } قد تقدم في " هود " ومعنى " فار التنور " . وقد قال علي بن أبي طالب : " فار التنور " من مسجد الكوفة . وعنه أنه قال : " فار التنور " هو تنوير الصبح . قال الضحاك : كان التنور آية فيما بين الله وبين نوح ، قال له : إذا رأيت الماء قد خرج من التنور فاعلم أن الهلاك والغرق قد أتى قومك . ثم قال : { فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } . أي : فادخل في الفلك ، يقال سلكته في كذا وأسلكته أدخلته . { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ } أي : وأدخل أهلك في الفلك يعني ولده ونساءه . { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } أي : لا تحمل من سبق عليه القول من الله أنه هالك مع أهلك يعني ابنه الذي غرق . ثم قال تعالى : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } . أي : لا تسألني في الذين كذبوك أن أنجيهم ، { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } أي : قضيت أن أغرق جميعهم . ثم قال تعالى : { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } . أي : إذا اعتدلت أنت ومن حملته معك في السفينة ، فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين { وَقُل } أيضاً يا نوح : { رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } ، إذا خرجت من السفينة وسلمك الله ومن معك . قاله مجاهد . { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } أي : خير من أنزل عباده المنزل المبارك ومن قرأ " مُنزَلاً " بضم الميم ، جعله مصدراً ، لأن صدر الكلام قد مضى على : أنزل ، فصار بمنزلة { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] يقال : أنزلته إنزالاً ومنزلاً . ومن قرأ بفتح الميم جعله اسماً لكل ما نزل فيه ، فمعناه : أنزلني مكاناً مباركاً وموضعاً مباركاً . ويجوز في النحو فتح الميم والزاي بجعله مصدر نزل ، كالمدخل مصدر دخل . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } . أي : إن فيما فعلنا بنوح وقومه من إنجائه وإهلاكهم حين كذبوه لَعِبراً لقومك وغيرهم ، فيزدجروا عن كفرهم لئلا يحل عليهم مثل ما حل على قوم نوح من العذاب . وقوله : / { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } أي : وإن كنا لمختبرين لقومك بتذكيرنا إياهم بآياتنا لننظر ما هم عاملونه قبل حلول العقوبة بهم . وقيل معنى " لمبتلين " لمتعبدين الخلق بالاستدلال على خالقهم بهذه الآيات ، فيعرفون شكره ونعمه عليهم ، فيخلصون له العبادة . ثم قال : { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } . أي : ثم أحدثنا من بعد إهلاك قوم نوح قوماً آخرين فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن يدعوهم إلى الإيمان ، فقال لهم : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي : ما لكم معبود تجب له العبادة غير الله { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي : أفلا تخافون عقاب الله بعبادتكم الأصنام من دون الله . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . أي : قال أشراف قومه المكذبون ، الكفار بالبعث ، يعني قوم هود عليه السلام . وقوله تعالى : { وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا } . أي : ونعمناهم في الدنيا بسعة الرزق حتى بطروا وعتوا ، فكفروا وكذبوا الرسل . { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . أي : إنسان مثلكم ، يأكل مما تأكلون منه ويشرب مثل ما تشربون ، وليس بملك فتصدقه . ( ولئن أطعتم بشراً مثلكم ، فاتبعتموه ) أي : قالوا ذلك لقومهم وسفلتهم . { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } . أي : لمغبونون حظوظكم من الشرف والرفعة باتباعكم إياه . ثم قال تعالى : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } . " أنّ " الثانية ، بدل من الأولى عند سيبويه . المعنى عنده أنكم مخرجون إذا متم . وقال الفراء والجرمي " أنَّ " الثانية مكررة للتأكيد . وحسن تكريرها لما طال الكلام . وذهب الأخفش إلى " أنّ " الثانية في موضع رفع بفعل مضمر ، دل عليه إذا ، ومعناه عنده : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً يحدث إخراجكم . كما تقول : اليوم القتال . المعنى عنده اليوم يحدث القتال . ومعنى الآية أن الأشراف من قوم هود قالوا لقومهم : أيعدكم هود أنكم تبعثون بعد أن تكونوا تراباً وعظاماً فتخرجون من قبوركم . ثم قالوا : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } . مذهب سيبويه والكسائي أن يوقف عليها بالهاء ، لأنها واحدة ، وفتحت للبناء ، وبنيت لأنها لم تشتق من فعل فأشبهت الحروف واختير لها الفتح للأف التي قبلها ولأن هاء التأنيث بمنزلة اسم ضم إلى اسم فصارت بمنزلة عشر في خمسة عشر ، وموضعها رفع . معناها : البعد البعد لما توعدون . وقال الفراء الوقف عليها بالتاء . فأما من كسر التاء فإنه يقف بالتاء عند الجماعة نُوِّنَ أو لم يُنَوَّنْ ، لأنه جمع كبيضات واحدها هيهة كبيضة ، والتنوين في جمع المؤنث لازم . وقيل : " هو " في هذا فرق بين المعرفة والنكرة وهي عند سيبويه كناية عن البعد ، كما يكنى بقولهم " صه " عن السكوت . فالتقدير : البعد البعد لما توعدون من البعث بعد الموت يقوله أشراف قوم هود لقومهم . قال ابن عباس : " هيهات هيهات " : بعيد بعيد . ودخول اللام مع هيهات وخروجها جائزان تقول هيهات ما تريد وهيهات لما تريد . فإذا أسقطت اللام رفعت الاسم ، كما قال [ الشاعر ] . @ فَهَيْهَات هَيْهَات العَقِيقُ وَمَنْ به وَهَيْهَاتَ خِلّ بالعُقِيقِ نُوَاصِلُهُ @@ كأنه قال : بعيد العقيق ومن به وأهله . وقد قيل إنها في موضع نصب على المصدر ، كأنه قال : بعداً بعداً لما توعدون . ثم قال : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } . أي : قال الإشراف من قوم هود : ما حياتنا إلا حياتنا في الدنيا نموت فلا نرجع ، ويحيى آخرون فيولدون أحياء وما نحن بمبعوثين بعد الموت ، وهذا مثل قولهم : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ سبأ : 7 ] فتحقيق المعنى أنهم قالوا : نموت نحن ويحيا أولادنا ، ولا بعث بعد الموت . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : نحيا ونموت فلا نحيا . وقيل : المعنى : نكون أمواتاً نطفاً ، ثم نحيا في الدنيا .