Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 5-14)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } إلى قوله : { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } . أي : والذين يحفظون فروج أنفسهم فلا يستعملونها في شيء إلا في أزواجهم التي أحلها لهم النكاح ، أو في ملك أيمانهم ، يعني : الإماء ، فليس يلامون على ذلك . ثم قال : { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } . أي : فمن التمس لفرجه منكحاً سوى زوجته أو ملك يمينه ، فهم العادون حد الله ، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم . قال ابن عباس : الزاني من العادين . وقاله عطاء . قال ابن زيد : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } يقول : الذين يبعدون من الحلال إلى الحرام . وقال الزهري سألت القاسم بن محمد عن المتعة ، فقال : هي محرمة في كتاب الله ، ثم تلا . { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ … } إلى قوله : { ٱلْعَادُونَ } أي : فمن طلب سوى أربع نسوة وما ملكت يمينه فهو متعد إلى ما لا يحل له . وهذه الآية عمت تحليل الأزواج وملك اليمين على كل حال ، وفي الجمع بين الأختين من ملك اليمين اختلاف ، وكذلك الجمع بين المملوكة وعمتها ، وبين المملوكة وخالتها ، وفيها تخصيص بالتحريم لوطإ الحائض ، وتحريم وطئ الأمة إذا زوجت وتحريم وطئ المظاهر منها حتى يكفر . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } . أي : يقومون على حفظ أماناتهم وعهدهم ويرعون ذلك . قيل : عنى بالأمانات هنا ، الصلاة والطهر من الجنابة وجميع الفرائض . وقيل : هو عام في كل أمانة . وأصل الرعي في اللغة القيام على إصلاح ما يتولاه الراعي لأحواله . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } . أي : يحافظون على وقتها وأدائها / بحدودها ، لا يفوتهم وقتها . وقال النخعي : " يحافظون " يداومون على أداء المكتوبة . ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } . أي : أولئك الذين تقدمت صفتهم هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار في الجنة . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم أحد إلا له منزلان ، منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله . قال : فذلك قوله : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } " . قال أبو هريرة : يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم التي أعدت لهم لو أطاعوا الله . وقال مجاهد يرث [ الذي ] من أهل الجنة ، أهله وأهل غيره ، ومنزل الذي من أهل النار . فهم يرثون أهل النار ، فلهم منزلان في الجنة وأهلان ، وذلك أن له منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار ، فأما المؤمن فيبني منزله الذي في الجنة ، ويهدم منزله الذي في النار ، وأما الكافر فيورث منزله الذي في الجنة ، ويبني منزله الذي في النار . وروى عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد أنزلت عَليَّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة " . يعني : من قام عليهن ولم يخالف ما فيهن ، يعني : ثمان آيات في أول هذه السورة ، وآيتين فيهما فرض الصوم والحج . ثم قال : { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . أي : يرثون الجنة ، مقامهم دائم فيها . والفردوس عند العرب ، البستان ذو الكرم . وروى قتادة عن أنس أن الفردوس ربوة الجنة ، أو وسطها وأفضلها . وقال كعب : خلق الله جلّ ذكره بيده جنة الفردوس ، وغرسها بيده ، ثم قال لها : تكلمي ، فقالت : " قد أفلح المؤمنون " . وقال داود بن بقيع لما خلقها الله قال لها : تزيني ، فتزينت . ثم قال لها : تكلمي ، فقالت : طوبى لمن رضيت عنه . وقال أحمد بن حنبل في كتاب التفسير : إن الله تعالى بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل جبالها المسك الأذفر . وعن أبي هريرة أنه قال : " الفردوس جبل في الجنة من مسك تفجر من أصله أنهار [ أهل ] الجنة " . وروى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجنة مائة درجة ، أعلاها وأوسطها الفردوس ، ومنها تفجر أنهار الجنة " . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } . يعني : آدم استل من الطين . والسلالة : القليل منه ، وكذلك باب الفعالة ، يأتي للتقليل من الشيء ، كالقلالة والنخالة ، فالسلالة المستلة من كل تربة فكان خلق آدم عليه السلام من تربة أخذت من أديم الأرض ، وخلقت حواء من ضلعه . وقيل : خلقت من فضلة طين آدم . قال قتادة : استل آدم من الطين ، وخلقت ذريته من ماء مهين . وقيل : معناه ، ولقد خلقنا الإنسان ، يعني : ولد آدم من سلالة ، وهي النطفة استلت من ظهر الرجل " من طين " وهو آدم الذي خلق من طين ، وهو قول مجاهد ، وهو اختيار الطبري . كأنه قال : ولقد خلقنا ولد آدم من سلالة آدم . وآدم : هو الطين ، لأنه منه خلق ، ودل على صحة هذا المعنى قوله : { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } . وآدم لم يكن نطفة ، إنما كان ولده نطفة ، فدل على أن المراد بالإنسان ولد آدم ، دون آدم . فالطين كناية عن آدم ، كأنه قال : خلقنا ولد آدم من سلالة والسلالة من طين ، أي : من آدم . والعرب تسمى ولد الرجل ونطفته سليلته وسلالته لأنه مسلول منه . قال ابن عباس : السلالة ، صفوة الماء . وقوله : { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } . أي : ثم جعلنا الإنسان الذي خلقناه من سلالة من طين نطفة في قرار مكين ، يعني : الرحم ، وسمي " مكين " لأنه مكن لذلك ، وهيء له ليستقر فيه إلى بلوغ أمره . ثم قال : { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } . أي : قطعة من دم { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } ، وهي القطعة من اللحم ، وسميت مضغة لأنها قدر ما تمضغ { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } . أي : كل عضو عظم ، { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً } أي : ألبسنا كل عظم لحماً . ثم قال : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } . أي : أنشأنا الإنسان خلقاً آخر . وقيل : المعنى ، ثم أنشأنا / هذا الخلق المتقدم ذكره وانتقاله خلقاً آخر ، وهو نفخه الروح فيه ، فيصير إنساناً ، وكان قبل ذلك صورة ، هذا قول : ابن عباس وأبي العالية والشعبي وابن زيد . وقال ابن عباس : هو انتقاله في الأحوال بعد الولادة من الطفولة إلى الصبا إلى الكهولة ، ونبات الشعر وخروج السن وغير ذلك من الأحوال . وقال قتادة قيل : هو نبات الشعر وقيل هو نفخ الروح . وقال مجاهد : هو استواء شبابه . وقيل : هو خلقه ذكراً أو أنثى . وقال ابن مسعود : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : " إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح " . وروي : أن النطفة تقيم في الرحم أربعين يوماً نطفة ، ثم تصير علقة فتقيم أربعين يوماً ، ثم تصير مضغة فتقيم أربعين يوماً ، ثم تصير عظاماً مكسواً لحماً ، وذلك في تمام أربعة أشهر ، ثم في العشر الأول من الشهر الخامس يصور وينفخ فيه الروح ويتحرك ، ولذلك جعل الله عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ، لأنها تعلم في ذلك هل في جوفها حمل أو لا ، إذ مدة تحرك المولود في البطن أربعة أشهر وعشر ، فإذا تحرك ، انتقلت عدتها إلى أن تضع حملها . ثم قال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي : أحسن الصانعين قاله مجاهد . ويروى : أن هذا مما تكلم به عمر قبل أن ينزل ، فنزل على ما قاله عمر و " تبارك " تفاعل من البركة . وقال ابن جريج : كان عيسى يخلق بأمر الله تعالى فلذلك قال : { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } . وقال مجاهد : يصنعون ويصنع الله ، والله خير الصانعين ، وهذا اختيار الطبري . لأن العرب تسمي كل صانع خالقاً . قال الشاعر ، وهو زهير : @ ولأَنْتَ تَفْرِيَ ما خَلقْتَ وَبَعْـ ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لاَ يَفْري . @@ أي : ما صنعت . وقيل : معناه ، أحسن المقدرين . فالناس يقدرون . ولا يتم ما يريدون لعجزهم والله يتمم ما يقدر ، فهو خير المقدرين . وقيل المعنى ، أن المشركين صنعوا تماثيل ولا ينفخون فيها الروح فخلق الله آدم ونفخ فيه الروح ، فهو أحسن الصانعين ، إذ لا يطيق أحد نفخ الروح غيره . ورويَ : أن عمر بن الخطاب لما سمع الآيات إلى قوله : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } قال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } . فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } .