Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 38-50)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً } إلى قوله : { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } . أي : قالوا : ما هود إلا رجل افترى على الله كذبا في قوله : { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } وفي وعده / إياكم بالخروج بعد موتكم وكونكم تراباً وعظاماً . { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } أي : بمصدقين له فيما قال . { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } . أي : قال ، هود يا رب ، انصرني بتكذيبهم إياي ، وذلك لما يئس من إيمان قومه ، فأجابه الله جلّ ذكره : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } أي : عن وقت قليل ليندمن على تكذيبهم لك وذلك حين ينزل بهم العذاب . ثم قال تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ } . أي : فانتقمنا منهم ونصرناه عليهم ، فأرسلنا الصيحة عليهم ، فأخذتهم بالحق . أي : باستحقاقهم لذلك . فمعنى " بالحق " باستحقاقهم للهلاك بكفرهم . وقيل : معنى " بالحق " بالعدل من الله لهم ، لم يظلمهم فيما أنزل عليهم من العذاب . { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً } . أي : بمنزلة الغثاء ، وهو ما ارتفع من السيل ونحوه مما لا ينتفع به في شيء ، فهو مثل . وتقدير الكلام : فأهلكناهم ، فجعلناهم كالشيء الذي لا ينتفع به . قال ابن عباس : جُعِلوا كالشيء البالي من الشجر " . وقال مجاهد : " كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل " ، وهم قوم صالح . روي أن الله جلّ ذكره بعث ملكاً من ملائكته فصاح بهم صيحة هلكوا بأجمعهم . وروي أنه جبريل صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . وقوله تعالى : { فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . أي : أبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم إذ كفروا بربهم فأبعدهم من كل خير ومنفعة . وقال مجاهد أولئك ثمود . وقيل : هم عاد ، لأن عاداً كانوا قبل ثمود . ثم قال : { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } أي : ثم خلقنا من بعد هلاك ثمود قروناً آخرين ، ما يتقدم هلاك أمة من تلك الأمم قبل مجيء أجلها الذي أجله الله تعالى لهلاكها . { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } عن الهلاك بعد مجيء الأجل الذي أجل لهلاكها وهذا كله وعيد لقريش وإعلام منه أن تأخيره في آجالهم مع كفرهم إنما ذلك ليبلغوا الأجل الذي أجل لهم ، فتحل بهم نقمته كسنته فيمن قبلهم من الأمم السابقة وفيه دلالة على رد قول من يقول إن الإنسان يجوز أن يقتل قبل أجله الذي سماه الله له وقدره أجلاً لموته ، وهو قول خارج عن مذاهب أهل الحق ، بل كل يموت عند انقضاء أجله بموت أو قتل أو غرق أو حرق أو بغير ذلك . لا تموت نفس قبل أجلها الذي كتبه الله لها ، ولا تتأخر في البقاء بعد ذلك الأجل . ثم قال : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا } . أي : ثم أرسلنا إلى الأمم التي أنشأناها بعد ثمود رسلاً يتبع بعضها بعضاً ، وبعضها في أثر بعض ، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد . ثم قال : { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي : بالهلاك ، أهلك بعضهم في آثار بعض . { وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي : يتحدث بهم من يأتي بعدهم في الشر . ولا يقال : جعلناهم أحاديث في الخير . والأحاديث جمع أحدوثة وقيل جمع حديث . ثم قال تعالى : { فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } . أي : فابعد الله قوماً لا يؤمنون بالله ولا يصدقون رسله . ثم قال : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا } أي : ثم أرسلنا موسى بعد الرسل الذين تقدم ذكرهم وأخاه هارون بأدلتنا { وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي : وحجة ظاهرة لمن رآها إنها من عند الله . { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } ، أي وأشراف قومه من القبط ، فاستكبروا عن الإيمان بها ، { وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } ، أي : قد علوا على من في ناحيتهم وعلى بني إسرائيل بالظلم وقهروهم . وقال ابن زيد : { قَوْماً عَالِينَ } أي : علوا على رسلهم وعصوا ربهم . ثم قال تعالى : { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } . أي : لنا مطيعون متذللون ، يأتمرون لأمرهم ، ويدينون لهم . يقال لكل من دان لملك : هو عابد له . ثم قال : { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } . أي : فكذب فرعون وملاؤه موسى وهارون فكانوا ممن أهلكهم الله . كما أهلك من قبلهم من الأمم بتكذيبها رسله . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } . أي : ولقد أعطينا موسى التوراة ليهتدي بها بنو إسرائيل ويعملوا بما فيها ، { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } أي : حجة لنا ودلالة على قدرتنا على / إنشاء الأجسام من غير أصل ، كما أنشأنا خلق عيسى من غير أب . وقال آية ، لم يقل آيتين ، لأن الآية فيهما واحدة . وقيل في الكلام حذف ، مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه . تقديره : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية ، ثم حذف إحدى الآيتين لدلالة الباقية عليها . فالآية في مريم ، ولادتها من غير ذكر ، والآية في عيسى ، إحياؤه الموتى ، وإبراؤه الأكمة والأبرص وإخراجه من الطين طيراً يطير . وكل بإذن الله جلّ ذكره . ثم قال : { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } أي وضممناهما إلى ربوة ، أي إلى مكان مرتفع عما حوله . قال أبو هريرة هي الرملة من فلسطين . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هي الرملة . وقال ابن المسيب هي دمشق ، وقاله ابن عباس وقال قتادة هي بيت المقدس . وكان كعب يقول بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً . وقال وهب بن منبه هي مصر وكذلك قال ابن زيد عن أبيه زيد . قال ابن زيد : الربوة من ربا مصر . وليس الربا إلا بمصر والماء يرسل فتكون الربا عليها القرى ولولا الربا لغرقت تلك القرى . قال ابن جبير الربوة : النشز من الأرض . وقال الضحاك : ما ارتفع من الأرض . وقال ابن عباس : الربوة المستوى ، وكذلك قال مجاهد . وقوله : { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } أي : ذات أرض منبسطة وساحة واسعة وذات ماء طاهر لعين الناظر . قال ابن عباس " ومعين " هو الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } " . وقال الضحاك : " ومعين " الماء الظاهر . وقال قتادة ذات قرار أي ثمار " ومعين " وماء وهي بيت المقدس . وقوله : " ومعين " هي فعيل بمعنى مفعول على قول من جعله لما يرى بالعين فالميم زائدة . وقيل : هو فعيل بمعنى مفعول والميم أصلية . قال علي بن سليمان : يقال معن الماء إذا جرى وكثر ، فهو معين وممعون . وحكى ابن الأعرابي : معن الماء يمعن : إذا جرى وسهل وأمعن أيضاً . وقيل يجوز أن يكون فعيلاً من المعنى مشتقاً من الماعون والمعن في اللغة : الشيء القليل ، والماعون ، فاعول وهو الزكاة ، مشتق أيضاً من المعن ، سميت الزكا . ماعوناً ، لأنها شيء قليل من المال ، إذ هي ربع عشرة في العين .