Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 51-60)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } إلى قوله { إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } . معناه وكلوا من الحلال الطيب دون الحرام { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } أي : بما أمرتكم به . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل ذكره طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر الأنبياء بما أمر به المؤمنين " فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } . وقد قيل : إن قوله يا أيها الرسل مخاطبة للنبي وحده كما قال : " الذين قال لهم الناس " يعني نعيم بن مسعود وحده . وقيل : إنما قيل للنبي وحده { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } " لتدل بذلك على أن الرسل كلهم أمروا بأكل الطيبات وهو الحلال الذي طيبه الله تعالى لآكله . وقيل : هو مخاطبة لعيسى ، وهو قول الزجاج وهو اختيار الطبري . روى : أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان يأكل من غزل أمه . ثم قال : " وإن هذه أمتكم أمة واحدة " فتح " إن " في هذا على معنى " ولأن هذه " . هذا قول البصريين . وقال الكسائي والفراء : هي في موضع خفض عطف على ما في قوله : إني بما تعلمون . وقال الفراء أيضاً : تكون في موضع نصب على إضمار فعل ، والتقدير : واعلموا أن هذه أمة : نصب على الحال . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : " أمة واحدة " ، بالرفع على إضمار مبتدأ ، أي : هي أمة وعلى البدل من أمتكم ، أو على أنها خبر بعد خبر ، والمعنى أن الأمة هنا الدين : أي : وأن هذا دينكم دين واحد قاله ابن جريج . ثم قال تعالى : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } . أي فاتقون بطاعتي ، تأمنوا عقابي . ثم قال : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً } . أي : فتفرق القوم الذين أمروا بالإيمان / واتباع عيسى ليجتمعوا على الدين الواحد زبراً ، أي كتباً قد بان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذي بان به الفريق الآخر ، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذبوا بحكم الإنجيل والقرآن وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل وكذبوا بحكم القرآن . قال قتادة : " زبراً " كتباً . وقال مجاهد : كتباً لله فرقوها قطعاً . والزبر : جمع زبور ، كعمود وعمد . وقيل : المعنى ، فتفرقوا دينهم بينهم كتباً أحدثوها يحتجون بها لمذاهبهم . قال ابن زيد : هو ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب ، وكل واحد منهم كان له أمر وكتب ، وكل قوم يعجبون برأيهم ، ليس أهل هوى إلا وهم يعجبون برأيهم وبصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم وقرأ الأعمش " زُبراً " بفتح الباء جعله جمع زبرة ، ومعناه ، فتفرقوا عن دينهم بينهم قطعاً كزبر الحديد ، فصار بعضهم يهود ، وبعضهم نصارى . وقوله : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . أي : كل فريق من تلك الأمم بما اختاره من الدين لأنفسهم فرحون معجبون به لا يرون أن الحق سواه . ثم قال : { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } . أي : فذر هؤلاء الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبراً في غمرتهم ، أي : في ضلالتهم وغيهم . قال ابن زيد : الغمرة العمى . { حَتَّىٰ حِينٍ } : أي إلى حين ما يأتيهم ما وعدوا به العذاب ، وقال مجاهد " حتى حين " حتى الموت . ثم قال تعالى : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } . أي : أيحسب هؤلاء الأحزاب الذين تفرقوا في دينهم زبراً أن الذي نعطيهم في عاجل الدنيا من مال وبنين " فسارع لهم " " أي نسابق لهم في خيرات الآخرة ونبادر فيها ثم أكذبهم فيما يحسبون ، فقال : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } أي : بل لا يعلمون أن امدادنا إياهم ما نمدهم به من ذلك إنما هو إملاء واستدراج لهم . وقوله : { فِي ٱلْخَيْرَاتِ } معه إضمار ، أي : نسارع لهم به في الخيرات ، قاله الزجاج . وقال هشام : تقديره : نسارع لهم فيه ، ثم أظهر فقال : " في الخيرات " كما قال : ولا أدى الموت سبق الموت بشيء . وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأن الخبر لا بد أن يكون فيه ضمير يعود على اسم " أن " . وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة : " يُسارع " بالياء رده على الإمداد ، فلا يحتاج هذا إلى ضمير محذوف ، لأن ما والفعل مصدره ففي " يسارع " ضمير اسم أن ، وهو ضمير المصدر . ومذهب الكسائي أن " إنما " حرف واحد ، فلا يحتاج الكلام إلى شيء ، من الإضمار والحذف ، ويقف على مذهبه على " بنين " ولا يقف عليه على مذهب غيره . وتقدير الآية أيحسبون الذين نمدهم به من مال وبنين في الدنيا نسارع لهم به في الخيرات ، أي : نجعله لهم ثواباً ، فليس الأمر كذلك ، إنما هو استدراج ومحنة لهم . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } . أي : من خوف عذاب ربهم مشفقون ، فهم دائمون على طاعته جادون في طلب مرضاته . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } . أي : بكتابه يصدقون { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } . أي : يخلصون عبادتهم لربهم ، لا يشركون به فيها أحداً . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } . أي يعطون أهل سهمان الصدقة ، ما فرض الله لهم من أموالهم فما أتوا معناه : ما أعطوهم إياه من صدقة . { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي : خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون ، فيخافون ألا ينجيهم ذلك من عذابه . قال الحسن : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة ، وأن المنافق جمع إساءة وأمناً ، ثم تلا هذه الآية إلى { رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } . وقال الحسن : يعملون ما عملوا من أعمال البر وهم خائفون ألا ينجيهم ذلك من عذاب الله . وقال ابن عباس : مال المؤمن ينفق يتصدق به وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع . وسئلت عائشة : عن هذه الآية فقالت : كانوا يقرأونها ، يأتون ما أتوا بألف . وكذلك روى عنها أنها كانت تقرأه من المجيء ، تعني إتيان الذنوب ، أي : يأتون الذنوب وهم خائفون . وقال ابن عمر : " يؤتون ما أتوا " : الزكاة . وقال مجاهد : المؤمن ينفق ماله وقلبه وجل . وقال ابن جبير : / يفعلون ما فعلوا وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت وهي من المبشرات . وقال قتادة : يعطون ما أعطوا ، ويعملون ما عملوا من خير ، وقلوبهم وجلة خائفة . " وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قلت يا رسول الله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهم الذين يذنبون وهم مشفقون ؟ فقال : لا بل هم الذين يصلون وهم مشفقون ، ويصدقون وهم مشفقون ، ويصومون وهم مشفقون " . " وروي عن عائشة أيضاً أنها قالت : قلت للنبي : يا رسول الله ، { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي ، هو الرجل يزني أو يسرق أو يشرب الخمر ، قال : لا يا ابنة أبي بكر ، أو قال يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يتقبل منه " . وقرأ ابن عباس : ( يأتون ما أتوا من المجيء ) . وروى ذلك عن عائشة على تقدير : يعملون ما عملوا وهم خائفون .