Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 68-77)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ } إلى قوله : { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } . معنى هذا القول التوقيف والتقبيح كقول العرب : الخير أحب إليك أم الشر . أي : إنك قد اخترت الشر . ومعناه : أفلم يدبر هؤلاء المشركون كلام الله فيعلموا ما فيه من العبر والحجج { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } يعني أسلافهم من الأمم المكذبة قبلهم ، بل جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما أتت به الرسل قبله لآبائهم ، فواجب عليهم ألا ينكروا ما جاءهم به محمد عليه السلام ، لأنه أتى بمثل جاء به غيره من الرسل لآبائهم . وقيل : " أم " هنا بمعنى " بل " ، والتقدير : بل جاءهم ما لم يأت أسلافهم فتركوا تدبره إذ لم يكن عند من سلف لهم مثله ولا أرسل إليهم مثله . ثم قال : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } . أي : أم لم يعرفوا صدق محمد وأمانته " فهم لهم منكرون " أي : فينكروا قوله إذ لم يعرفوه بالصدق فكيف يكذبونه وهم يعرفونه بالصدق والأمانة . ثم قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } . أي : أيقولون بمحمد مجنون فهو يتكلم بما لا معنى له ولا يفهم . { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } . أي : جاءهم بحق لا تخفى صحته والمجنون لا يتكلم بكلام فيه حكمة ولا يصح له معنى ، فكيف يكون مجنوناً من يأتي بالحق والحكمة ، وإنما نسبوه إلى الجنون لأن الذي جاءهم به بَعُدَ عندهم قبولهم له كما يقال لمن سأل ما لا يتمكن فعله هو مجنون أي : لا يسأل مثل هذا السؤال إلا مجنون / . فلما دعاهم مع شرفهم عند أنفسهم إلى اتباعه والقبول لقوله وذلك عندهم متعذر منهم ، نسبوه إلى الجنون . ثم قال : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } أي : قد علموا أنه محق فيما جاءهم به ، وليس بمجنون ، ولكن أكثرهم كاره لاتباع الحق الذي قد صح عندهم وعلموه حسداً منهم له ، وبغياً عليه واستكباراً في الأرض . ثم قال تعالى : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } . أي : ولو اتبع الله عز وجل أهواء الكفار ، قاله السدي . وتقديره على قوله : ولو اتبع صاحب الحق أهواء المشركين { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } باتباع آرائهم ، لأنهم لا يعلمون العواقب ، وأهواء أكثرهم على إيثار الباطل على الحق ، والسماوات والأرض وما بينها لم يقمن إلا بالحق . وقيل : الحق هنا : القرآن ، والمعنى : ولو نزل القرآن بما يحبون لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . وقيل : هو مجاز ، والتقدير : ولو وافق الحق أهواءهم ، فجعل موافقته اتباعاً ، مجازاً ، ويكون التقدير على هذا ، لو كانوا يكفرون بالرسل ، ويعصون الله ، ولا يجازون على ذلك ويعاقبون لفسدت السماوات والأرض . وقيل : المعنى : لو كان الحق فيما يقولون من اتخاذ آلهة مع الله لتعالت بعضها على بعض واضطرب التدبير ففسدت لذلك السماوات والأرض . ثم قال : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } . أي : بينا لهم الحق ، قاله ابن عباس . وقيل : معناه : بل آتيناهم بشرفهم إذ نزل القرآن بلغتهم وعلى رجل منهم . { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } أي : فاعرضوا عنه فكفروا به ، ومثله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . وقال قتادة : " بذكرهم " : بالقرآن ، وتقديره : بل آتيناهم بذكر ما فيه النجاة لو اتبعوه . ثم قال : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } . أي : أم تسألهم يا محمد على ما جئت به أجراً فيعرضوا عما جئتهم به من أجل أخذك منهم الأجر عليه ، وهو قوله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الشورى : 23 ] . ثم قال : { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } . أي : لم تسألهم رزقاً على ما جئتهم به . فرزق ربك خير . قال الأخفش : الخَرْج والخراج واحد ، إلا أن اختلاف الكلام أحسن . وقال أبو حاتم : الخرج : الجعل والخراج : العطاء . وقال المبرد : الخرج : المصدر ، والخراج الاسم . وأصل الخراج الغلة والضريبة ، كخراج العبد والدار وغيرهما . وقوله تعالى : { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } . أي : الله خير من أعطى عوضاً على عمل ورزق رزقاً . ثم قال تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ } . يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو دين الإسلام ، وسمي مستقيماً لأنه يؤدي إلى الجنة والنجاة من النار . ثم قال : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } . أي : إن من ينكر البعث والمعاد إلى الآخرة عن محجة الحق وقصد السبيل - وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده - لناكبون أي : لعادلون . قال السدي : { عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } : عن دين الله لمعرضون . وقيل : عن صراط جهنم لناكبون في جهنم ، وذلك في الآخرة . وقيل : عن طريق الجنة لعادلون إلى طريق النار . ثم قال : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ } . أي : لو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة ، { وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ } . أي : ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب ، وضر الجوع . { لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي : لتمادوا في عتوهم وجراءتهم على الله . { يَعْمَهُونَ } أي : يترددون . قال ابن جريج : هو كشف الجوع عنهم . وقيل : المعنى ، لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجو في طغيانهم يعمهون . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } . يعني أهل مكة أحل بهم الجوع والجدب وقتل سراتهم بالسيف ، { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ } أي : فما / خضعوا لربهم ، فينقادوا لأمره ونهيه : { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } أي : يتذللون . ويروى أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ الله قريشاً بسني الجدب إذ دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس : " جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد نشدتك الله والرحمن ، لقد أكلنا العلهز يعني الوبر بالدم " ، فأنزل الله { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } . الآية . وروى في هذا الحديث " أن أبا سفيان قال للنبي عليه السلام : أليس قد بعثت رحمة للعالمين . قال : نعم قال : فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع " ، فأنزل الله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ … } الآية . قال الحسن : إذا أصاب الناس من قبل الشيطان بلاء فإنما هي نقمة ، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ، ولكن استقبلوها بالاستغفار ، واستكينوا وتضرعوا إلى الله ، وقرأ هذه الآية { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } … الآية . قال ابن جريج ، هو الجوع والجدب . ثم قال : { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } . قال ابن عباس : هو يوم بدر ، وقد مضى ، وقاله ابن جريج . وقال مجاهد : هو الجوع أيضاً مثل الأول . وقال عكرمة : هو باب آخر من أبواب جهنم ، عليه من الخزنة أربع مائة ألف ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، قد قلعت الرحمة من قلوبهم ، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة ، لو يخطر الطائر من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر ، حتى إذا انتهوا إليه فتحه الله عليهم فهو قوله : { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } . ثم قال تعالى : { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } . أي : يائسون من الخير . وقيل : المبلس ، الساكت المتحير . وقيل المعنى : نادمون على ما سلف .