Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 78-95)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ } إلى قوله : { مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } . أي : والله الذي أحدث لكم أيها المكذبون السمع لتسمعوا به والأبصار لتنظروا بها ، والأفئدة : أي والقلوب لتفهموا بها فكيف يتعذر على من أنشأ ذلك على غير مثال الإعادة ، وقد تقدم المثال . ثم قال تعالى : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } . أي : قليلاً شكركم على ما أعطاكم من النفع بهذه الجوارح وغيرها . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } . أي : أنشأكم فيها { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : بعد مماتكم ، أي تصيرون إلى حكمه فيكم وعدله ، وليس هو حشر وصيرورة إلى قرب مكان ، لأن القرب والبعد في الأمكنة إنما يجوز على المحدثين الذين تحويهم الأمكنة ، والله لا يجوز عليه ذلك ، إنما هو حشر إلى وعده وحكمه فيهم ، وكذلك كل ما كان في القرآن من قوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } و { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } كله معناه تصيرون إلى حكمه ووعده ومجازاته ليس هو صيرورة إلى قرب مكان ، سبحانه لا تحويه الأمكنة ولا تحيط به المواضع ، وليس كمثله شيء . الأمكنة كلها مخلوقة والأزمنة محدثة وهو قديم إلا إله إلا هو ، فلا يحوي المحدث إلا محدثاً . فافهم هذا واستعمله في كل ما جاءك منه في كتاب الله ، ولا تتوهم فيه قرب مكان ولا دنوا من موضع دون موضع ألزم فهمك ونفسك أنه تعالى لا يشبهه شيء ولا مثله شيء . ثم قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } . أي : والله الذي جعل خلقه أحياء بعد أن كانوا نطقاً أمواتاً فنفخ فيهم الروح ، وهو يميتهم بعد إحيائهم . { وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } . أي : هو الذي خلق الليل والنهار مختلفين . ثم قال : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أي : تفهمون ما وُصف لكم ونُبهتم عليه . ثم قال تعالى : { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ } . أي : بل قال المكذبون لك يا محمد من قريش مثل ما قال الأولون من الأمم المكذبة بالبعث / . قالوا : أنبعث إذا كنا تراباً وعظاماً . استبعدوا ذلك فأنكروه . ثم قال : { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ } . أي : لقد وعدنا ووعد آباؤنا من قبل بالبعث بعد الموت فلم نر له حقيقة ، { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : ما سطره الأولون في كتبهم من الأحاديث والأخبار التي لا صحة لها ولا حقيقة . ثم قال تعالى : { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . أي : قل يا محمد لهؤلاء المنكرين البعث من قومك : لمن ملك الأرض ومن فيها من الخلق إن كنتم تعلمون من مالكها ، ثم اعلمه جل ذكره ، أنهم سيقولون لله ملكها . فقل لهم إذا جاوبوك { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي : أفلا تعتبرون أن من خلق ذلك وابتدأه وملكه أنه يقدر على إحيائكم بعد مماتكم وإعادتكم خلقاً كما كنتم . ثم قال : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } . أي : من خالق ذلك ومالكه ، سيقولون لك : ذلك كله لله وهو ربه . فقل لهم أفلا تتقون عقابه على كفركم به ، وتكذيبكم رسله . ثم قال تعالى : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } . أي : من بيده خزائن كل شيء ، قاله مجاهد . { وَهُوَ يُجْيِرُ } من عذابه من خلقه من شاء { وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } . أي : ولا يجير عليه أحد من خلقه ولا من عذابه ، ومعنى : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي : من يملك كل شيء . وذكر اليد في هذا إنما يعني به الملك لا الجارحة تعالى الله عن ذلك . وهذا أتى على لسان العرب . تقول : هذه الدار بيد فلان ، أي : في ملكه ، لا يريدون أن ذلك مستقر في يده يد الجارحة ، إنما يريدون أنه مستقر في ملكه . وقوله : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . أي تعلمون مَن هذه صفته ، فإنهم سيقولون أن ذلك هو الله ، وملك ذلك كله لله ، فقل لهم : { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } . أي : من أي وجه تصرفون عن التصديق بآيات الله والإقرار برسوله . ومن قرأ الثاني والثالث الله الله ، جعل السؤال والجواب من جهة واحدة ، لأن الله جل ذكره علم بجوابهم وسؤالهم قبل خلقهم ، فأخبر عن جوابهم من جهة السؤال . ومن قرأ : لله لله ، أتى بالجواب من عند المسؤول ، وهو الأصل . قال ابن عباس : " تسحرون " : تكذبون . وحقيقة السحر أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئته . فكذلك معنى { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي : من أي وجه يخيل لكم الكذب حقاً ، والفاسد صحيحاً ، فتصرفون عن الإقرار بالحق الذي يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم وفي هذه الآيات دلالة على جواز محاجة الكفار والمبطلين وإقامة الحجة عليهم ، وإظهار إبطال الباطل من قولهم ومذهبهم ، ووجوب النظر في الحجج على من خالف دين الله وقد أمر الله تعالى نبيه في غير ما موضع بالاحتجاج عليهم وعلمه كيف يحتج عليهم ، وكذلك أخبر عن إبراهيم عليه السلام بما احتج به على قومه ، وأخبرنا الله تعالى أنها حجة أتاها إبراهيم عليه السلام وعلمه إياها ، فاحتج بها عقى قومه وبينا لهم خطأهم فيما يعبدون ، وكذلك أخبرنا الله في غير موضع باحتجاج الأنبياء على قومهم ، وإقامة حجة الله عليهم ، ومناظرتهم لهم ، وهو كثير في القرآن ، دل على جواز إقامة الحجة على أهل الزيغ الكفر . فأما قوله تعالى : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] فقد ذكرنا معناها في موضعها . وليست في هذا الباب ، ولها معاني قد بيناها . ثم قال تعالى : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . أي : ما الأمر كما يقول هؤلاء المشركون أن الملائكة بنات الله أو أن لهم آلهة دون الله ، بل أتيناهم باليقين ، وهو ما أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من الإسلام ، وأن لا يُعبد شيء سوى الله { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فيما يضيفون إلى الله من الولد والشريك { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ } في القدم حين ابتدع الأشياء . { مِنْ إِلَـهٍ } أي : لاعتزل كل إله منهم بما خلق فانفرد به { وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } . أي : ولتغالبوا ، فغلب القوي الضعيف ، لأن القوي لا يرضى أن يحاده الضعيف ، والضعيف لا يصلح أن يكون إلهاً / ، لأنه عاجز بضعفه . والعاجز مذلول مغلوب مقهور ، وليس هذه من صفات المعبود الخالق ، وإنما هي من صفات المخلوق المملوك . ثم قال تعالى : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } . أي : عما يصفون به الله . ثم قال تعالى ذكره : { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . أي : يعلم ما غاب عن خلقه من جميع الأشياء . فلم يروه ولم يعلموه وما شاهدوه ، فرأوه وعلموه . والرفع الاختيار عند النحويين البصريين والكوفيين في " عالم الغيب " على إضمار مبتدأ ، أو على البعث لله في قوله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } عالم الغيب ، وحجة البصريين في اختيارهم الرفع أن قبله رأس آية ، وقد تم الكلام دونه ، فاستؤنف على إضمار مبتدأ . وحجة الكوفيين منهم الفراء أن الرفع أولى به ، لأنه لو كان مخفوضاً لقال : ( وتعالى ) بالواو . فدخول الفاء بعده يدل على أنه أراد " هو عالم " واحتج في ذلك بأنك لو قلت : مررت بعبد الله المحسن وأحسنت إليه ، جئت بالواو ، لأنك خفضت ولم تستأنف ، تريد : مررت بعبد الله الذي أحسن وأحسنت إليه . قال : ولو قلت : " المحسن " بالرفع ، لم يكن إلا بالفاء ، تريد : هو المحسن فأحسنت إليه ، فالفاء عنده تدل على انقطاع الكلام . وقد خالف هو نفسه هذا الأصل في المزمل ، فاختار : " ورب المشرق " بالخفض ، وبعده " فاتخذه " ومن أصله أن الفاء تدل على الاستئناف . ثم قال تعالى ذكره : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } . أي : قل يا محمد : رب أن ترني ما يهلك به هؤلاء المشركين ، فلا تهلكني بما تهلكهم به ، أي : إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني عنهم ولا تجعلني في القوم الظالمين ، ولكن اجعلني فيمن قد رضيت عنه . ثم قال تعالى : { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } . أي : إنا نقدر يا محمد أن نريك تعجيل العذاب في هؤلاء المشركين فلا يحزنك كفرهم وتكذيبهم إياك ، فإنما نؤخرهم ليبلغ الكتاب أجله فيستوفوا أيامهم وما قدر لهم من رزق .