Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 36-39)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } ، إلى قوله : { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ، أي الله نور السماوات والأرض مثل نوره أي نور القرآن { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } فيكون قوله : { فِي بُيُوتٍ } ظرف للمصباح ويتعلق به فيكون على قول ابن زيد : يسبح له فيها : من صفة البيوت . وقيل : المعنى { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } فيكون متعلقاً { يُوقَدُ } ويسبح أيضاً وما بعده صفة للبيوت . وقيل : المعنى كمشكاة في بيوت ، فيسبح أيضاً وما بعده صفة ، فلا يقف على هذه الأقوال على ما قبل { فِي بُيُوتٍ } وقيل : المعنى : يسبح له رجال في بيوت فتقف على هذا على ما قبل { فِي بُيُوتٍ } . قال ابن عباس وأبو صالح ، ومجاهد ، والحسن ، وابن زيد : هي المساجد . قال ابن عباس : نهي عن اللغو فيها . وقال عمرو بن ميمون : أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : المساجد بيوت الله ، وأنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها . وقال عكرمة : هي البيوت كلها . وقال : الحسن : يعني به بيت المقدس . وعن مجاهد أنه قال : هي بيوت النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : في الكلام معنى الإغراء والمعنى : صلوا في بيوت أذن الله أن ترفع أي يرفع قدرها وتصان وتجل ، وأذن الله أن يذكر فيها اسمه ، وهي المساجد . وروى ابن زيد / عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يغدو أو يروح إلى المسجد يؤثره على ما سواه ، إلا وله عند الله منزلاً يعد له في الجنة ، كلما غدا وراح ، كما أن رجلاً منكم لو زاره من يحب زيارته لاجتهد في كرامته " . وقوله : { أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } ، قال مجاهد : ترفع : تبنى . وقال الحسن : ترفع : تعظم لذكره وتصان . وقول مجاهد أولى لقوله : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } [ البقرة : 127 ] ، أي يبنيان . وقوله : { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } أي وأذن لعباده أن يذكروا فيها اسمه . قال ابن عباس : { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ، أي يتلى فيها كتابه . ثم قال : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ } ، أي : يصلي لله في هذه البيوت بالغدوات والعشيات رجال ، يعني صلاة الصبح ، وصلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة . وعن ابن عباس : أن كل تسبيح في القرآن فهو صلاة . قال الحسن : أذن أن تبنى يصلى له فيها بالغدو والآصال . وواحد الآصال : أُصُلٌ وواحد الأُصُل أصيل ، والآصال : جمع الجمع . وذكر ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عباس أنه قال : إن صلاة الضحى لفي كتاب الله عز وجل وما يغوص عليها إلا غواص ثم قرأ : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } ، كأن ابن عباس جعل تسبيح الغدو صلاة الضحى . ثم قال : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي : لا يُشغلهم عن صلاتهم في هذه المساجد شيء . ونظر سالم بن عبد الله إلى قوم من أهل السوق ، قاموا وتركوا أشغالهم يريدون الصلاة فقال : هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه : { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } . وذكر الله هنا : الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس وغيره . قال عطاء : { عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي : عن حضور الصلاة المكتوبة . وعن عبد الله بن عمر ، وعن ابن مسعود مثل قول سالم بن عبد الله . في القائمين عن أشغالهم إلى الصلاة . وروت أسماء بنت يزيد الأنصارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة نادى مناد يسمع الخلائق كلهم سيعلم الله الجمع من أولى بالكرم اليوم ، ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانت : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } الآية قال : فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانت { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، إلى قوله : { ٱلأَبْصَارُ } قال : فيقومون وهم قليل ، ثم يرجع فينادي ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء ، فيقومون وهم قليل . قال : ثم يحاسب سائر الناس " . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية : " هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله . ثم قال : { وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ } " ، أي : ولا يلهيهم شيء عن إقامة الصلاة عند مواقيتها ، وعن أداء الزكاة عند وقتها . وإقام مصدر أقمت وأصله إقواماً ، ثم قلبت الواو ألفاً ، فاجتمع ألفان ، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين ، فبقي إقاماً فدخلت الهاء عوضاً من المحذوف ، فصارت إقامة ، فلما أضيف المصدر : قام المضاف إليه مقام الهاء التي دخلت عوضاً من الألف المحذوفة فإذا اضفت هذا المصدر جاز حذف الهاء ، لأن المضاف إليه يقوم مقامها . ألا ترى أنك تقول : وعدته عدة فتثبت الهاء لأمها عوضاً من الفاء ، فإن أضفته جاز حذف الهاء . قال الشاعر : @ إن الخليط أَجَدُّوا البين فانجردوا واخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا @@ يريد عدة الأمر . وقال ابن عباس : الزكاة هنا طاعة الله جل ذكره ، والإخلاص ، وكذلك عنده { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } وقوله : { يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } [ مريم : 55 ] وقوله : { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ } [ مريم : 31 ] ، وقوله : { مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [ النور : 21 ] ، وقوله : { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وقوله : { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } [ آل عمران : 164 ] ، وقوله تعالى : { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً } [ مريم : 13 ] ، هذا كله ونحوه عنده . عني به الطاعة لله والإخلاص . / ثم قال : { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } ، أي : تعرف القلوب فيه الأمر عياناً ويقيناً ، فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر إلى اليقين ، ويزداد المسلمون يقيناً ، ويكشف عن الأبصار غطاؤها فتنظر الحق ، ومثله { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] ، وقيل : المعنى . تتقلب فيه القلوب من هوله بين طمع بالنجاة ، وحذر من الهلاك ، وتنقلب الأبصار في نظرها ، أي ناحية يؤخذ بهم لذات اليمين أم ذات الشمال ؟ ومن أين يوتون كتابهم ، أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل ؟ وذلك يوم القيامة . وقيل : معناه تنقلب في النار من حال إلى حال ، ومن عذاب إلى عذاب مرة إنضاج ، ومرة إحراق ، ومرة لَفْح . وقيل : هو تقلبها على جمر جهنم ، كما قال : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [ الأحزاب : 66 ] ، وكما قال : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] ، أي : نقلبها في النار . ثم قال تعالى : { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } ، أي وأطاعوا ، وعملوا ما تقدم ذكره خوف عقاب الله ولكي يثيبهم يوم القيامة بأحسن أعمالهم في الدنيا ، ولكي يزيدهم من ثوابه ومن فضله . { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي يتفضل على من يشاء بما لم يستحقه من ثواب عمله بغير محاسبة ، ولا يوقف على { ٱلآصَالِ } لأن رجالاً مرفوعون بيسبح ، فأما على قراءة من قرأ يسبح على ما لم يسم فاعله ، فيقف على { ٱلآصَالِ } لأن رجالاً عند سيبويه : مرفوعون بإضمار فعل ، كأنه قيل : من يسبحه ؟ فقيل : يسبحه رجال . ومن رفع رجالاً على هذه القراءة بالابتداء ، و { فِي بُيُوتٍ } الخبر لم يقف على { ٱلآصَالِ } . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } ، هذا مثال ضربه الله لأعمال الكفار ، أي والذين جحدوا آيات الله ، أعمالهم التي عملوها في الدنيا مثل سراب . والسراب ما لصق بالأرض وذلك يكون نصف النهار ، وحين يشتد الحر . وإذا أري من بعد ظن أنه ماء . والآل ما رأيت أول النهار وآخره الذي يرفع كل شيء . وقوله { بِقِيعَةٍ } هو جمع قاع ، كالجيرة : جمع جار ، هذا قول الفراء . وقال : أبو عبيدة : قيعة وقاع واحد ، والقاع والقيعة ما انبسط من الأرض ، ولم يكن فيه نبت ، وفيه يكون السراب . و { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } ، أي يحسب العطشان ذلك السراب ماء حتى إذا جاء السراب ليشرب منه لم يجده شيئاً . وقيل : المعنى : جاء موضع السراب لأن السراب ليس بشيء ، وكذلك الكافر بالله ، عمله يحسب أنه ينجيه عند الله من عذابه . حتى إذا هلك وجاء وقت حاجته إلى عمله لم يجده شيئاً يفعله إذا كان على كفر بالله . ثم قال : { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ } ، أي ووجد هذا الكافر وعد الله بالجزاء على عمله بالمرصاد ، فوفاه حساب عمله وجازاه عليه . هذا معنى قول ابن عباس وأبي بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد . فالضمير في لم يجده و { جَآءَهُ } للظمآن ، والضمير في { وَجَدَ } للكافر الذي ضرب الله مثلاً بالظمآن . فالمعنى أن الكافر يأتي يوم القيامة أحوج ما كان إلى عمله فلا يجد شيئاً ، كهذا الظمآن يأتي إلى السراب الذي يظنه ماء أحوج ما كان إليه لشدة عطشه فلا يجد شيئاً . وقوله { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ، أي لا يحتاج إلى عقد عند حساب ، هو عالم بذلك كله قبل أن يعمله العبد وإنما ، سماه حساباً لأنه أعطاه جزاء عمله على قدر ما استحقه . وقال { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ، لأن محاسبته لعبد وإعطاءه جزاء عمله لا يشغله عن محاسبة غيره من عبيده ، لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن .