Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 40-44)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } ، إلى قوله : { لَعِبْرَةً } { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } ، الكاف في { كَظُلُمَاتٍ } ، في موضع / رفع عطف على الكاف في { كَسَرَابٍ } ، والكاف في { كَسَرَابٍ } ، في موضع رفع خبر الابتداء ، وهو أعمالهم . وقيل : التقدير أو هي كظلمات ، فتقف على هذا القول على ما قبل { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } ولا تقف على القول الأول لأنه معطوف على ما قبله . وهنا مثل آخر ضربه الله تعالى لأعمال الكفار في أنها عملت على خطأ ، وفساد ، وضلالة من ، فأعمالهم مثل ظلمات في بحر لجي ، أي عميق كثير الماء ، ولجة البحر معظمه ووسطه . { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، أي يغشى البحر موج ، من فوق ذلك الموج موج ، من فوق ذلك الموج سحاب . { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ، فالظلمات مثل لأعمال الكفار ، والبحر اللجي مثل لقلب الكافر ، أي عمله بنية قلب قد غمره الجهل ، وغشيته الضلالة والحيرة . كما يغشى هذا البحر موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، فكذلك قلب الكافر الذي عملُه كالظلمات يغشاه الجهل بالله ، إذ الله ختم عليه ، فلا يعقل عن الله ، وعلى سمعه ، فلا يسمع مواعظ الله ، وعلى بصره غشاوة ، فلا يبصر حجج الله ، فتلك الظلمات بعضها فوق بعض . قال : ابن عباس : الظلمات : الأعمال ، والبحر اللجي : قلب الإنسان . وقوله : { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، إلى { فَوْقَ بَعْضٍ } ، يعني به الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر . وقال أبي بن كعب : الكافر يتقلب في خمس من الظلم : فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة في النار ، فأعلمنا الله بهذه الآيات أمثال المؤمنين وأعمالهم ، وأمثال الكفار وأعمالهم ، وأن المؤمن يجد عمله عند الله فيجازيه عليه ، ويزيده تفضلاً ، وأن الكافر لا يجد شيئاً إذ لم يكن معه توحيد تقبل الأعمال معه . ولا تقف على { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، لأن { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } ، نعت له ، وكذا { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } ، لا تقف عليه لأن { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } ، نعت له ، وتقف على { سَحَابٌ } على قراءة من رفع " سحاباً " و " ظلمات " وإن كسرت التاء ، وأضفت سحاباً إلى ظلمات لم تقف على سحاب لأنه مضاف إلى الظلمات ، فإن نونت وكسرتها ، لم تقف على سحاب أيضاً ، لأن ظلمات بدل من ظلمات الأول . ثم قال تعالى : { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } ، أي إذا أخرج الناظر يده من هذه الظلمات التي وصفت لم يكد يراها ، أي رآها بعد تعب وشدة . رؤية خفية ، فإن قيل : كيف رآها مع هذه الظلمات المتضاعفة ، فالجواب : أنه كقول القائل : ما كدت أراك من الظلمة أي ما رأيتك إلا بعد نظر وشدة ، وتعب ، فكذلك هذا . وقيل : المعنى إذا أخرج يده رائياً لها لم يكد يراها ، أي لم يقرب من أن يراها ، فهو لم يرها من شدة الظلمة . وقيل : المعنى : إذا أخرج يده لم يرها ، ويكد داخل كدخول الظل فيما معناه اليقين كقوله تعالى : { وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [ فصلت : 48 ] . وقيل : المعنى لم يرها ولم يكد أي لم يقرب من الرؤية لشدة الظلمة . ثم قال : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } ، أي من لم يرزقه الله إيماناً وهدى من الضلالة ، ومعرفة بكتابه فما له من هدى ولا إيمان ولا معرفة . وقال الزجاج : ذلك في الدنيا : أي من لم يجعل الله له هداية إلى الإسلام في الدنيا لم يهتد . وغيره يتأوله في في الآخرة ، أي من لم يجعل الله له نوراً إلى الجنة ، والنور الإيمان بالله . ثم قال تعالى ذكره : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } ، أي أَلَم تر يا محمد بعين قلبك أن الله يصلي له من في السماوات والأرض من مَلَكٍ ، وإنس ، وجن ، والطير صافات أيضاً في الهواء تسبح لله ، كل قد علم الله صلاته وتسبيحه ، قال مجاهد : الصلاة للإنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من الخلق . وقيل : المعنى كل قد علم صلاة الله . أي الصلاة التي فرض الله وتسبيح الله . وقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ / بِمَا يَفْعَلُونَ } ، يدل على قوة قول من قال : معناه : قد علم الله صلاته وتسبيحه . وإظهار اسم الله في { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } ، يدل على قوة كون الضمير في الموضعين لغير الله ، إذ لو كان لله لم يظهر الاسم ، لتقدم ذكره في قوله تعالى : { أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ } ، وكان يلزم أن يكون " وهو عليم " . وإنما يجوز في هذا لأن المعنى لا يشكل ، فلا يظن فيه أن الثاني غير الأول ، وهو مثل : " لا أرى الموت يسبق الموت شيء " . وقيل : معنى التسبيح من الخلق كلهم ، في هذا هو أن ما في الخلق من الدلالة على قدرة الله ، تنزيه له من كل سوء ، ومن أن يعبد غيره ، وليس هو تسبيح على الحقيقة ، إذ لو كانت الطير تسبح على الحقيقة لكانت مكلفة بالطاعة ، ولكانت بمنزلة العقلاء من الناس المكلفين ، فهو مجاز في ما لا يعقل . والقول الأول عليه أكثر الناس . ومعنى { عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } ، أي هو ذو علم بما يفعل كل مصل ومسبح منهم ، لا يخفى عليه شيء . وتقف على { تَسْبِيحَهُ } ، إذا جعلت الضمير يعود على المصلي والمسبح ، ثم تبتدئ { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } ، وإن جعلت الضمير يعود على الله أو جعلت الضمير في علم الله ، لم تقف إلا على { يَفْعَلُونَ } لأن الاسم قد ظهر وهو أفخم عند سيبويه من إضماره في مثل هذا المعنى لا يشكل . ثم قال تعالى : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : له سلطانهما وملكهما دون كل من هو دونه من سلطان ومَلِكٍ . ثم قال : { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } ، أي : الله مرجعكم بعد موتكم فيوفيكم أجور أعمالكم فأحسنوا العمل تدركوا الأمل . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } ، يزجي يسوق السحاب حيث يريد { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } ، أي : يؤلف قطعه أي يلصق بعضها إلى بعض ويقربها ، لأن السحاب يحدث قطعاً ، قطعاً . وقيل : معناه يؤلف متفرقه لأن السحاب جمع سحابة . وقال عبيد بن عمر : " الرياح أربع : يبعث الله الريح الأولى : فَتَقُمُّ الأرض قَمّاً ، ثم يبعث الثانية فتنشئه سحاباً ، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركاماً ، أي متراكماً بعضه على بعض ، ثم يبعث الرابعة فتمطره ، والودق المطر " . ومعنى : { مِنْ خِلاَلِهِ } ، أي : من بين السحاب ، والهاء من { خِلاَلِهِ } تعود على السحاب والخلال جمع خَلَلٍ . وقرأ ابن عباس ، والضحاك : من خلَلِه بالتوحيد لأنه مثل : جمل وجمال . ثم قال تعالى ذكره : { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } ، فمن برد صفة للجبال ، كما يقول : أعطيتك من طعام من بُرٍٍّ ، فالجبال هي من برد مخلوقة ، وفيها صفة أيضاً لجبال ، كأنه قال : وينزل من السماء من جبال مستقرة في السماء مخلوقة من برد . وقيل : المعنى : وينزل من السماء قدر جبال أو أمثال جبال ، من برد إلى الأرض . فيكون { مِن بَرَدٍ } ، في موضع نصب على البيان كقوله : { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } [ المائدة : 95 ] . وقال الزجاج : معناه وينزل من السماء من جبال من برد فيها . كما تقول : هذا خاتم في يدي من حديد ، أي خاتم حديد في يدي وإنما جئت في ( هذا ) وفي الآية بـ ( من ) لما فرقت ، ولأنك إذا قلت : هذا خاتم من حديد ، وخاتم حديد ، كان المعنى واحداً ، ويجوز أن يكون من برد في موضع نصب كما تقول : مررت بخاتم حديداً على الحال عند سيبويه . وعلى البيان عند المبرد ، وإن شئت كان في موضع خفض على البدل كما تقول : مررت بخاتم حديد على البدل . وقيل : التقدير من جبال برد بتنوينهما ، قاله الفراء . كما تقول : الإنسان من لحم ودم ، والإنسان لحم ودم ، فالجبال عنده هي البرد وليست الآية كالتمثيل الذي مثل ، لأن حرف العطف في التمثيل وليس في الآية حرف عطف . وذهب الأخفش إلى أن من زائدة فيهما ، ومن جبال ، ومن برد في موضع نصب عنده . وقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ } ، أي : فيصيب بالبرد من يشاء فيهلكه أو يهلك به زرعه ، ويصرفه عن من يشاء أي عن إهلاك من يشاء . ثم قال : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } ، أي : ضوؤه يذهب بالأبصار لشدة لمعانه . وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع : { يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } ، بالضم وخطأه / الأخفش ، وأبو حاتم لأن " الباء " تعاقب الهمزة . وقيل : إن " جوازه " على زيادة الباء . وقيل : الباء متعلقة بالمصدر . والتقدير : يذهب إذهابه بالأبصار . وكذلك أجازوا أُدِخِلَ بالمُدْخَلِ " السجن " الدار فجمعوا بين الهمزة والباء على أن يتعلق الباء بالمصدر . وهو قول علي بن سلمان عن المبرد . ثم قال : { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } ، أي : يقلب من هذا في هذا ، ومن هذا في هذا . وقيل : معناه يعقب بينهما : إذا ذهب هذا أتى هذا ، فيقلب موضع الليل نهاراً وموضع النهار ليلاً . ثم قال : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } ، أي : إن في إنشاء السحاب ، ونزول المطر والبرد ، وتقليب الليل والنهار لعبرة لمن اعتبر ، والكاف من ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم .