Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 18-20)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } إلى قوله : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } ، أي قال عيسى صلى الله عليه وسلم وعزيراً ، والملائكة تنزيهاً لك يا ربنا وبراءةً مما أضاف إليك هؤلاء المشركون . { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } بل أنت ولينا من دونهم . { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } بالمال في الدنيا والصحة { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } أي : ذكرك . { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي : هلكى . قيل : إن أعمارهم طالت بعد موت الرسل فنسوا وهلكوا . قال الحسن : البور الذي ليس فيه خير ، وكذلك قال : ابن زيد ، والعرب تقول لما فسد وهلك أو كسد : بائر ومنه بارت السوق / " ومن في { مِنْ أَوْلِيَآءَ } زائدة ، زيدت للتوكيد بعد النفي ، وأولياء في موضع نصب يتخذ ، والمعنى : ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء ، فكيف يتخذنا أحد أولياء من دونك ، وكيف نرضى بذلك ، نحن لا نرضى بذلك لأنفسنا ، فكيف نرضاه لغيرنا ، ووقع هذا الجواب على المعنى لا على اللفظ ، لأنه ليس بجواب لقوله { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ } ولكن حمل الجواب على المعنى لأن من عبد شيء فقد تولاه ، ومن تولى شيئا فالمتولى ولي للمتولي ، فكلاهما ولي للآخر ، فلذلك قالوا : { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } فجاء الجواب على المعنى هذا يسمى التدريج عند بعض أهل النظر ، ومثله قوله : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] فأتى الجواب على المعنى ، فقالوا : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } فكأنه قال : أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، اتخذوكم أولياء يعبدونكم فقالوا : { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } وكذلك قوله { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي } معناه : أنتم اتخذتم عبادي أولياء فضلوا . فقالوا : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } . وقرأ الحسن وأبو جعفر { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } بضم النون وفتح الخاء . قال أبو عمرو : لو كانت نُتخذ لحُذفت " من " الثانية : فقلت أن نتخذ من دونك أولياء . وأجازه الفراء والكسائي : على بُعد وقُبح ، وذلك لا يجوز عند البصريين لأن أولياء ليس بمفعول على هذه القراءة واحد في معنى الجمع وإنما تدخل " من " على الواحد الذي في معنى الجماعة ، ألا ترى أنك تقول ، ما رأيت رجلاً ، فإن أردت النفي العام قلت : ما رأيت من رجل ، وليس { أَوْلِيَآءَ } في قراءة من ضم النون واحدا في معنى جماعة ، ألا ترى أنك لو قلت : ما اتخذت أحداً وليّاً لي جاز أن تقول ما اتخذت من أحد وليا ، لأن أحدا في معنى الجماعة ، أحداً من ولي لم يجز إذ ليس ولي في معنى الجماعة ، فكذلك القراءة بضم النون ، تقبح مع ثبات " من " قبل أولياء فافهمه . ويتمكن على هذه القراءة عند من جوزها أن يكون المحشورون المسؤولون هم : الأصنام والأوثان ، يحييها الله فتقول ذلك . ثم قال تعالى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } أي : فقد كذبكم أيها الكافرون ، من زعمتم أنهم أضلوكم ودعوكم إلى عبادتهم . " بما تقولون " ، أي : بقولكم فمعناه كذبوكم بكذبكم . وقال ابن زيد معناه ، فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله أي : بما تقولون من الحق . قال : أبو عبيد تقديره فقد كذبوكم فيما يقولون . هذا كله على قراءة من قرأ بالتاء ، فأما من قرأ بالياء فمعناه : فقد كذبوكم بقولهم : { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ } الآية ، { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً } . قال : ابن جريج : معناه : صرف العذاب عنهم ولا ينتصرون . وقيل : المعنى : فما يستطيعون لك يا محمد صرفاً عن الحق ولا نصراً لأنفسهم مما هم فيه من البلاء . وقيل : معناه : فريضة ولا نافلة . قال ابن زيد : ينادي منادٍ يوم القيامة : مالكم لا تناصرون ، أي : من عُبد من دون الله لم ينصر اليوم من عَبده . ثم قال تعالى : { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } أي : من يشرك بالله فقد ظلم نفسه بذلك . قال الحسن وابن جريج : الظلم هنا : الشرك ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } ، الآية : رد على المشركين الذين قالوا : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } أي : لقد علموا يا محمد أنه ما أرسل من قبلك من رسول إلا أنه ليأكل الطعام لأنه بشر من بني آدم ، ويمشي في الأسواق فليس عليك في ذلك لا نقص ولا حجة . ثم قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } ، أي : بلاءً واختباراً ، اختبرنا بعضكم لبعض ، فجعلنا هذا نبياً ، وهذا ملكاً ، وهذا فقيراً ، وهذا غنياً . قال الحسن : في معنى الآية ، يقول هذا الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان ، ويقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان . وقال ابن جريج : يمسك عن هذا ، ويوسع على هذا فيقول : لم / يعطين مثل ما أعطى فلاناً ، ويُبتلى بالوجع كذلك فيقول : لم يجعلني ربي صحيحاً مثل فلان في أشباه ذلك من البلاء ، ليعلم من يصبر ممن يجزع وقيل في معنى الآية ، إن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول : أعيّر بسبقه إياي . وإنه بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم أكن غنياً صحيحاً فأسلم . ثم قال عز وجل : { أَتَصْبِرُونَ } ، أي : إن صبرتم فقد علمتم أجر الصابرين . قال الضاحك : معناه أتصبرون على الحق . وقيل : معناه : لنعلم أتصبرون ، وبه يتم الجواب ، لقوله { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } . ثم قال تعالى : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } ، أي : إن ربكم لبصير بمن يصبر ، ويجزع .