Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-26)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } ، إلى قوله : { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } ، أي وقال المشركون الذين لا يخافون العذاب ، ولا يؤمنون ببعث ولا حساب لمحمد صلى الله عليه وسلم : هلا أنزل علينا الملائكة فتخبرنا أنك رسول حقا { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } ، فيخبرنا بذلك . قاله ابن جريج وغيره . غلطوا في صفات الله جل ثناؤه ، ولم يعلموا أنه لا يُرى في الدنيا فسألوا ما لا يمكن كونه ، كما غلط اليهود إذ قالوا { أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] وهذا مثل قولهم في سورة " سبحان " { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] ثم قال جل ذكره : { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي : تعظموا إذ سألوا مثل هذا الأمر الجليل وقوله { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } ، أي : تقول الملائكة لهؤلاء المشركين : حراماً محراماً عليكم اليوم البشرى ، قاله الضاحك وقتادة . وأصل الحجر المنع ، ومنه حجر القاضي على فلان ، ومنه حِجر الكعبة لأنه لا يدخل إليه في الطواف . وقال : ابن جريج : هو قول من المجرمين ، وذلك أن العرب كانت إذا كرهت شيئا قالت : حجرا محجورا . فما رأى المجرمون ما يكرهون يوم القيامة . قالوا حجراً محجوراً . يقولون ذلك للملائكة على عاداتهم في الدنيا أي : لا تعرضوا لنا ، وذلك لا ينفعهم . وكذا قال : مجاهد : هو من قول المجرمين يستعيذون من الملائكة . قال أبو عبيدة : في معنى الآية : كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا لقي رجلا في الشهر الحرام وبينه وبينه تِرة أو طلب ، قال : حجراً محجوراً : أي : حرام عليك دمي وأذاي ، قال : فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا : حجراً محجوراً : أي : حرام دماؤنا يظنون أنهم في الدنيا ، وأن ذلك ينفعهم . وعن ابن عمر أنه قال : إذا كان يوم القيامة تلقت الملائكة المؤمنين بالبشرى ، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا لهم بشرونا ، فتقول لهم الملائكة : حجراً محجوراً أي : حراماً محرماً عليكم البشرى فيأسون من الخير . ثم قال تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } ، الآية أي : وعمدنا وقصدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون ، وأتى لفظ / القدوم بمعنى القصد لأنه أبلغ في الخطاب ، وذلك أنه يدل على أنه تعالى عاملهم معاملة القادم من سفر لأجل إمهاله لهم كالغائب ، ففي لفظ " قدمنا " معنى التحذير من الاغترار بالإمهال . وقيل : المراد بالقدوم الملائكة لما كان الله تعالى : هو يقدمهم إلى ذلك أخبر عن نفسه به . وقوله : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } ، أي : باطلاً لا ينتفعون به . لأنهم للشيطان عملوا ، والهباء الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوة يحسبه الناظر غباراً ، وليس بشيء تقبض عليه الأيدي ، ولا تمسه ، ولا يرى ذلك في الظل . هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وابن عباس وعكرمة والحسن ، ومجاهد . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : هو ما تسفيه الرياح من التراب وتذروه من حطام الشجر ، وكذلك قال قتادة . وعن ابن عباس : هو الماء المهراق ، وهو جمع هبأة فالمعنى أن الله أحبط أعمالهم فلا نفع لهم فيها ، كما لا نفع في هذا الغبار . ثم قال تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } ، وإنما أتى أفعل في هذا وقد علم أنه لا خير عند أصحاب النار ، على معنى أنكم لما كنتم تعملون عمل أصحاب النار صرتم كأنكم تقولون : إن في ذلك خيراً ، فخوطبوا على ظاهر أحوالهم ، وما يؤول إليه أمرهم . وقيل : المعنى : خير مستقراً مما أنتم فيه ، وقال نفطويه في كتاب التوبة له : العرب تجعل هذا على وجهين أحدهما أن يكون في كلا الاسمين فضل والأول أفضل . والوجه الثاني : أن يكون الكلام إثباتا للأول ونفياً للثاني . كقوله تعالى { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } ، فهذا فيه نفي الخير عن النار وأصحابها ، هذا معنى كلامه . ومذهب سيبويه : أنها لا تأتي إلا لتفضيل اثنين يكون أحدهما أزيد من الآخر ، إما في فضل ، وإما في شر لا بد عنده أن يكون في الذي معه " من " أو الذي يضاف إليه " أفعل " بعض ما في الأول . تقول : زيد أفضل من عمرو ، وعمرو أفضل القوم ، فالثاني فيه بعض ما في الأول . وقيل : خير ليست من أفعل ، إنما هي خير التي في قولك : زيد فيه خير ، فيكون التقدير { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } ، أي : لهم خير ، فنصب " مستقر " على هذا ، على الظرف ، وعلى الأقوال الأُوَل على البيان . والمقيل المقام في وقت القائلة وهو النوم نصف النهار ، والتقدير : وأحسن قراراً في أوقات القائلة في الدنيا ، وليس في الجنة قائلة ولكن خوطبوا على ما يعقلون . فالمستقر لهم : تحت ظل العرش والمقيل لهم : في الجنة ، ويراد بالمقيل المقام ، إذ لا في الجنة يوم للقائلة . وقد روي : أن أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار ، من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا في الجنة مساكنهم ، فذلك معنى قوله تعالى { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } ، . قال ابن عباس : قالوا في الغرف في الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة وذلك الحساب اليسير ، فهو قوله جل ذكره : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [ الانشقاق : 8 ] . وقال : الأعمش : عن ابراهيم في الآية : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة إلى نصف النهار ، فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار . وقال ابن جريرج ، لم ينتصف النهار حتى قضي بينهم ، فقال أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . وروى ابن جبير عن ابن مسعود وابن عباس : أنه قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ثم قرأ : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } . وفي بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن يوم القيامة يقصر على المؤمن يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس " . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } ، الآية أي : تشقق عن الغمام كما يقال : رميت / بالقوسى ، وعن القوس ، وعلى القوس بمعنى واحد . قيل : ذلك غمام أبيض ، مثل الغمام الذي ظل على بني إسرائيل . وقال مجاهد هذا الغمام هو قوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [ البقرة : 210 ] . وقال ابن جريج : الغمام الذي يأتي الله فيه هو غمام في الجنة . وقال ابن عباس : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس وهو يوم التلاق ، يلتقي أهل السماوات وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا فيقول لم يجيء ، وهو آت ، ثم تنشق السماء الثانية سماء سماء ، وينزل من كل سماء من الملائكة على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة ، وينزل منها من الملائكة أكثر ممن نزل من السماوات ومن الجن والإنس . قال : فتنزل الملائكة الكروبيون ثم يأتي ربنا تعالى ذكره في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملكٍ وركبتِه مسيرة سبعين سنة . قال : وكل مَلكٍ منهم لم يتأمل وجه صاحبه قط . وكل ملَكٍ منهم واضع رأسه بين ثدييه ، يقول : سبحان الملك القدوس . وصف الله جل ذكره وثناؤه بالمجيء ، والإتيان ليس على جهة الانتقال من مكان إلى مكان ، إنما هو صفة له تعالى ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . وقد قيل : إن معناه : يأتي أمره ، ويجيء أمره ، والله أعلم بحقيقة ذلك فلا ينبغي لأَحدٍ أن يعتقد في صفات الله جل ذكره ما يعتقد في صفات المحدثين ، وعليه أن يتذكر قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ويسلم الأمر إليه ، ولا يتعدى في صفات الله بالتشبيه ، بما يعقله من صفات المخلوقين ، فليس الخالق كالمخلوق سبحانه لا إله إلا هو . ثم قال : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } ، أي : الملك الذي هو حق لا دَخَل فيه ، للرحمن يوم القيامة ، إذ الملك الزائِلُ كلا مُلكٍ . وأجاز الزجاج ، " الحق " بالنصب على معنى أحق الحق وأعني الحق ، ولم يقرأ به أحد . قوله : { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } ، أي : كان يوم تشقق فيه السماء بالغمام ، وتنزل الملائكة على الكافرين ، يوماً ضيقاً شديداً صعباً .