Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 27-32)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } ، إلى قوله : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } . أي : واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه ، المشرك بربه على يديه ، تندما وأسفا على ما فرط في جنب الله يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلاً ، أي : طريقاً إلى الجنة وإلى النجاة من عذاب الله . والظالم هنا : عقبة ابن أبي معيط و ( فلاناً ) كناية عن ( أُبيّ بن خلف ) . قال ابن عباس : كان أُبيّ بن خلف يحضر عند النبي عليه السلام ، فزجره عقبة بن أبي معيط ، فالظالم : عقبة ، وفلاناً : أبي بن خلف . وقال : الشعبي : كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف . فأسلم عقبة ، فقال أمية ، وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً فكفر ، فهو الذي قال : { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني أمية بن خلف . وقال : مقسم : اجتمع عقبة بن أبي معيط ، وأبي بن خلف وكانا خليلين ، فقال أحدهما : بلغني أنك أتيت محمداً ، فاستمعت منه ، والله لا أرض عنك حتى تتفل في وجهه ، وتكذبه ، فلم يسلطه الله على ذلك ، فقتل عقبة يوم بدر صبرا ، وأما أُبيّ بن خلف فقتله النبي يوم أحد في القتال ، وهما اللذان ذكرا في هذه الآية . وقال مجاهد دعا عقبة بن أبي معيط مجلساً فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام ، فأبى النبي عليه السلام أن يأكل فقال : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقالها ، فلقيه أمية بن خلف ، فقال : صبوت ، فقال ، إن أخاك على ما تعلم ، ولكني صنعت طعاماً ، فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك فقلته ، وليس من نفسي ، فأما عقبة فكان في الأسرى يوم بدر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال : أقتل دونهم ، فقال : نعم بكفرك وعتوك ، فقال من للصّبية ؟ فقال : النار ، فقام علي / بن أبي طالب فقتله ، وأما أبيّ بن خلف ، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وكان قد قال : والله لأقتلن محمداً ، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال : أنا أقتله إن شاء الله ، فالعاض على يديه هو عقبة . روي : أنه يعض على يديه يوم القيامة ، أسفاً على ما فاته من الإسلام ، وما فعل من الكفر ، فيأكلها حتى يبلغ إلى المرافق ثم تنبت ، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت ، ندامة على ما فرط ويقول : { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني : أبي بن خلف الذي رده عن الإيمان . وقيل ، عني بالظالم : كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله ، ولذلك قال { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } ، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان ، فالظالم اسم عام ، وفلان اسم عام ، فالندم والتحسر يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر . ومعنى { لَّقَدْ أَضَلَّنِي } لقد أضللت بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له . وقال مجاهد : عني بفلان : الشيطان . وهو قول : أبي رجاء ، فالظالم كل من كفر بالله ، واتبع خطوات الشيطان فيندم على ذلك يوم القيامة ، ويعض على يديه ويقول : { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ } أي : أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ جاءني من عند الله ، ودل على هذا التأويل قوله ، بعقب الآية . { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } ، أي : يسلمه لما ينزله به من البلاء ويخذله فلا ينجيه منه . وقالت : الرافضة لعنها الله : هما رجلان معروفان ، وذكروا رجلين من أجلّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كذباً منهم وبهتاناً . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ } ، الآية : أي : يقول الرسول يوم يعض الظالم على يديه : يا رب إن قومي الذين بعثتني إليهم بالقرآن : اتخذوه مهجوراً . قال مجاهد : يهجرون فيه بالقول فيقولون هو سحر . وقال ابن زيد : مهجوراً : أي : لا يريدون أن يسمعوه ، أي : هجروه ، وأعرضوا عنه فلا يسمعونه . ثم قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } الآية ، أي : وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك ، كذلك جعلنا لكل نبي عدوا ، فلم نخصصك بذلك من بينهم ، فعلم النبي أنه جاعل له عدوا من المجرمين كما جعل لمن قبله . قال ابن عباس ، يراد به : أبو جهل . ثم قال : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً } فمن نصب هادياً على الحال أو على البيان ، ومعناه ، كفاك ربك هادياً يهديك إلى الحق ، ويبصرك الرشد ، { وَنَصِيراً } ، أي : وناصراً على إهدائك . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ } أي : قال مشركوا قريش : هلا نزل القرآن على محمد عليه السلام : جملة واحدة . كما نزلت التوراة والإنجيل . قال الله تعالى وجل ذكره : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، أي : فرقنا نزوله ، لنثبت به فؤادك فلا بد من إضمار فعلٍ إذا وقفت على كذلك . وقيل ، الوقف على " واحدة " ، ثم تبتدئ { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ } . أي نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك . وقيل ، إن " ذا " من كذلك : إشارة إلى التوراة . أي : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة مثل ذلك أي : مثل التوراة ، فتقف على { كَذَلِكَ } ، وتبتدئ { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، أي : فعلنا ذلك لنثبت ، أي : ونزلناه متفرقا لنثبت ، فتضمر ما يتعلق به اللام ، ويكون الكاف في موضع نصب نعت لجملة . ومن ابتدأ بكذلك جعل الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي : نزلناه تنزيلاً { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، أي : فرقنا نزوله { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، لأنهم سألوا ما الصلاح في غيره ، لأن القرآن ، كان ينزل متفرقاً جواباً عما يسألون عنه ، وكان ذلك من علامات النبوة ، إذ لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه ، وهذا لا يكون إلا من نبي . فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم ، وبين الله هذا المعنى بقوله : { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [ الفرقان : 33 ] ، فكان في نزوله متفرقاً الصلاح ، والرشد ، ولو نزل جملة لكان قد سبق الحوادث التي ينزل فيها القرآن ، ولو نزل جملة واحدة بما فيه من الفرائض لثقل ذلك عليهم ، فعلم الله جل ثناؤه ما فيه من الصلاح ، فأنزله متفرقاً ، ولو نزل جملة لزال معنى التثبيت ، ولم يكن فيه ناسخ ولا منسوخ ، إذ لا يجوز أن يأتي في مرة واحدة افعلوا كذا ولا تفعلوا . قال ابن عباس : / نزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه عن ظهر قلب . وقيل معنى : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } لتعيه . لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم : يكتب ، فلو نزل مرة واحدة ، لصعب عليه حفظه مرة واحدة ، ولشق ذلك عليه ، فأنزله الله متفرقاً شيئاً بعد شيء ، ليسهل عليه حفظه ، وليعيه على وجهه . و " ذا " من كذلك إشارة إلى التفريق ، والمعنى أنزلناه متفرقاً { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، فالوقف على هذا على { وَاحِدَةً } ، . وقيل : ذا : إشارة إلى التوراة والإنجيل : قاله الفراء وغيره . فيكون الوقف " كذلك " ، وفيه بعدٌ لأنه إشارة إلى ما لم يجر له ذكر ، فأما القول الاول : فإن معنى التفريق قد تضمنه قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } ، لأن معناه لم نزل متفرقا ؟ فقال الله تعالى نزل : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } ، أي : نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك يا محمد . وقيل : إن " ذا " إشارة إلى التثبيت ، أي : تثبيتا كذلك التثبيت . ثم قال : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } ، أي : أنزلناه آية وآيتين ، وآيات جوابا لما يسألون عنه ، وخبراً ليتعظوا به ووعظا ، ليزدجروا به ، وكان بين نزول أوله وآخره نحو من عشرين سنة . قال ابن زيد { وَرَتَّلْنَاهُ } ، بيناه ، وفسرناه .