Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 40-46)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } ، إلى قوله : { قَبْضاً يَسِيراً } . أي ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجوراً على القرية التي أمطرت مطر السوء وهي سدوم قرية قوم لوط و { مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } ، الحجارة التي أهلكهم الله بها . وقال ابن عباس خمس قريات أهلك الله أربعا ، وبقيت الخامسة واسمها سفن كان أهلها لا يعملون ذلك العمل ، وكانت سدوم أعظمها وهي التي نزل لوط ، ومنها بعث ، وكان إبراهيم صلى الله عليه [ وسلم ] ، ينادي نصيحة لهم يا سدوم يوم لكم من الله أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله ، وكان لوط ابن أخي إبراهيم . ثم قال { أَفَلَمْ يَكُونُواْ / يَرَوْنَهَا } ، أي : أفلم يكن هؤلاء المشركون يرون تلك القرية وما نزل بها ، فيحذروا أن ينزل بهم مثل ذلك . ثم قال { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } ، أي : لم يكذبوا محمداً ، لأنهم لم يكونوا يرون القرية وما حل بها ، ولكنهم كذبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشوراً بعد الموت ، أي : لا يؤمنون بالآخرة . وقيل : المعنى : بل كانوا لا يرجون ثواب الله عند النشور ، فاجترأوا على المعاصي . ثم قال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } ، أي : وإذا رآك يا محمد هؤلاء المشركون ما يتخذونك إلا هزؤاً ، أي : سخرياً يسخرون منك يقولون : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } ، من بين خلقه ، احتقارا له . { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } ، أي : قد كاد يضلنا { عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ، أي : على عبادتها . قال الله جل ذكره : { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } أي : سيتبين لهم حين يعاينون عذاب الله ، ويحل بهم ، من السالك سبيل الردى والراكب طريق الهدى أنت أم هم . ثم قال تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ، أي : جعل إلهه ما يشتهي ، ويهوى من غير حجة ولا برهان على اتخاذه إياه إلهاً . كان الرجل من المشركين يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رمى به ، وأخذ الآخر فعبده . ثم قال : { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أي : أفأنت تجبره على ترك ذلك . وقيل : معناه : أفأنت تكون عليه حفيظاً ، في أفعاله مع عظيم جهله . وقيل : معناه أفأنت يمكنك صرفه عن كفره ، ولا يلزمك ذلك ، إنما عليك البلاغ والبيان . أي : لست بمأخوذ بكفرهم ، ادع إلى الله وبين ما أرسلت به فهذا ما يلزمك لا غير . ثم قال تعالى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } ، أي : يسمعون ما يتلى عليهم ، فيعون أو يعقلون ، ما يعاينون من حجج الله فيفهمون { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ } ، أي ما هم إلا كالأنعام التي لا تعقل ما يقال لها : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، من البهائم لأن البهائم تهتدي لمراعيها ، وتنقاد لأربابها ، وهؤلاء الكفار ، لا يطيعون ربهم ولا يشكرون نعمة من أنهم عليهم . وقيل ، لأن الأنعام تسيح وتجتنب مضارها . وقيل : لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، كانوا كأنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا . ثم قال : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } ، . مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . وقيل له ممدود ، لأنه لا شمس معه ، ولذلك قال في ظل الجنة : { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] أي ليس معه شمس قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وعكرمة والضحاك ، وابن زيد . ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } ، أي : دائما لا تذهبه الشمس ولا تنقصه . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد يعنون كظل الجنة الذي لا تذهبه شمس . وقال مجاهد : لا تصيبه الشمس ولا يزول . وقال الحسن : لو شاء لتركه ظلاً كما هو . وقيل : هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها . لأن الظل في هذه المدة يعم الأرض ومن عليها { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } ، أي : لأقامه أبداً بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها ، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل ، وبدا فيها النقصان ، فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل ، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه . وكلما علت الشمس نقص الظل ، وكلما دنت للغروب زاد الظل ، فهو قوله تعالى : { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } ، يعني في وقت علو الشمس في السماء ينقص الظل يسيراً بعد يسير ، وكذلك زيادته بعد نصف النهار ، يزيد يسيراً بعد يسير حتى يعدم الأرض كلها ، فأما زوال الظل كله ، فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت . وقوله : { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } ، أي : ثم دللناكم بنسخ الشمس إياه عند طلوعهما / عليه ، أنه خلق من خلق ربكم يوجده إذا شاء ، ويغيبه إذا أراد ، أي : ثم جعلنا الشمس على الظل دليلاً . وقيل : معنى ذلك : أنه لو لم يكن شمس تنسخه لم يعلم أنه شيء ، إذ كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، ولولا الشمس ما عرف الظل ، ولولا النور ما عرفت الظلمة ، ولولا الحق ما عرف الباطل في أشباه لذلك . وقوله : جل ذكره : { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } ، أي : قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضاً خفياً سريعاً بالشمس الذي يأتي بها فتنسخه . قال مجاهد ثم قبضناه : جري الشمس إياه . وقيل : إن الهاء في { قَبَضْنَاهُ } ، عائدة على الظل ، فمعنى الكلام ثم قبضنا الظل إلينا بعد غروب الشمس ، وذلك أن الظل إذا غربت الشمس يعود فيقبضه الله بدخول الظلمة عليه قبضاً خفياً ، ليس يذهبه مرة واحدة ، بل يذهب قليلاً قليلاً . وقال ابن عباس { يَسِيراً } ، سريعاً . وأصل اليسير أنه فعيل من اليسر وهو السهل اللين . وقال مجاهد : يسيراً : خفياً . قال ابن جريج : مثل قول مجاهد وزاد : إنما بين الشمس والظل مثل الخيط . وقال : { دَلِيلاً } والشمس مؤنثة لأنه ذهب إلى الضوء . وقيل : ذكر لأن الشمس لا علامة فيها للتأنيث . وذهب أبو عبيدة : أن العرب تقول : هي عديلي للتي تعادله ، وهي وحيي .