Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-61)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } ، إلى قوله : { وَقَمَراً مُّنِيراً } . أي : والله الذي خلط البحرين الحلو والملح في رأي : العين ، ومرج بمعنى خلط . وقيل : معناه : خلى . وقيل : معناه أدام ماء البحرين جعل إدامته الماء فيهما مرجاً وحبساً للماء ، { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } ، قال مجاهد : محبساً . وقال ابن زيد : ستراً . { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي : منعاً لئلا يفسد العذب المالح ، فبينهما حاجز من قدرة الله تعالى وجلّ ثناؤه . ثم قال { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً } ، أي : النطفة : خلق منها الإنسان { فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } . قال ابن عباس : النسب سبع وهي في قوله تعالى ذكره : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ } [ النساء : 23 ] ، إلى { وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } [ النساء : 23 ] والصهر سبع وهي في قوله : { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [ النساء : 23 ] إلى آخر ذكر الصهر . وقال الضحاك : النسب : الأقرباء ، والصهر ذوات الرضاع . وقيل : النسب الذكور من الأولاد ، والصهر : الإناث من الأولاد لأن المصاهرة من جهتهن تكون . وقال الأصمعي : الختَن كل شيء من قبل المرأة مثل ابن المرأة وأخيها ، والأصهار يجمع هذا كله يقال : صاهر فلان إليهم وأصهر . وقال ابن الأعرابي : الأَختَان : أبو المرأة وأخوها وعمها ، والصهر : زوج ابنة الرجل ، وقرابته ، وأصهاره : كل ذي محرم من زوجته . وقيل : عني بقوله : { خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً } ، آدم خلقه من الأرض التي أصلها مخلوقة من ماء . وقد أخبرنا الله جلّ ذكره أنه خلق جميع الحيوان من ماء : فقال : { خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } وقال : { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] . ثم قال : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ } ، أي : يعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لا يجلب لهم نفعاً ، ولا يدفع عنهم ضرراً . ثم قال تعالى : { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } ، أي : معيناً للشيطان على ربه مظاهراً له على معصيته . قال ابن جريج : هو أبو جهل ظاهر الشيطان على ربه . وقاله ابن عباس . وقال عكرمة : الكافر : إبليس وعن ابن عباس أن الكافر يستظهر بعبادة الأوثان على أوليائه . وعنه أنه قال : هو أبو جهل ، كان عوناً لمن عادى الله ورسوله . وقيل معناه : إن الكافر يستظهر بعبادته الأوثان ، وبمن يعبدها معه من الكفار على الله عز وجل لأنهم يطمعون أن يغلبوا رسول الله صلى الله عليه [ وسلم ] ، والكافر اسم لجنس جميع الكفار . وقيل : معناه : وكان الكافر على ربه هيّنا ، من قولهم ظهرت به ، فلم ألتفت إليه ، إذا جعلته خلف ظهرك فلم تلتفت إليه . فكأن الظهير أصله مفعول ، ثم صرف إلى فعيل وهو قول أبي عبيدة . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } ، أي : لم نرسلك يا محمد إلا لتبشر أهل الطاعة بالجنة ، وتنذر أهل المعصية بالنار . ثم قال { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } ، أي : ما أطلبكم على إنذاري لكم بأجر ، فتقولون : إنما تطلب أموالنا فيما تدعونا إليه فلا نتبعك . وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } ، هو استثناء منقطع أي : من شاء منكم أن يتخذ إلى ربه طريقاً بإنفاقه من ماله في سبيل ربي ، فتعطوني من أموالكم وما ينفقه في ذلك ، فتتخذوا بذلك طريقاً إلى رحمة ربكم ، وقيل ثوابه . ثم قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } ، أي : توكل يا محمد على الحي الذي له الحياة الدائمة … { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } ، أي : واعبده شكراً منك له على نعمه / { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } ، أي : لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، و { خَبِيراً } أبلغ من خابر . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } ، أي : اخترع ذلك في ستة أيام ، وقال : { وَمَا بَيْنَهُمَا } ، فأتى بلفظ التثنية وقد تقدم ذكر جمع ، لأنه أراد النوعين ، والستة الأيام أولها يوم الأحد ، وآخرها الجمعة . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ، وذلك يوم السبت فيما قيل ، ولا يجوز أن يتوهم أحد في ذلك : جلوساً ولا حركة ولا نقلة ، ولكنه استوى [ على ] ، العرش كما شاء ، لا يمثل ذلك ، ولا يحد ، ولا يظن له انتقال من مكان إلى مكان ، لأن ذلك لمن صفة المحدثات . وقد قال تعالى ذكره : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] فلا يحل لأحد أن يمثل صفات ربه - الذي ليس كمثله شيء - بصفات المخلوقين الذين لهم أمثال وأشباه - فكما أنه تعالى لا يشبهه شيء ، كذلك صفاته ليست كصفات المخلوقين . فالاستواء معلوم ، والكيف لا نعلمه ، فعلينا التسليم لذلك . وقد قيل : استوى : استولى ، والمعنى : ثم استولى بمقدرته على العرش ، فرفعه فوق السماوات والأرض المخلوقة هي وما بينهما في ستة أيام ، والعرش مخلوق بعد السماوات والأرض . ثم استولى بقدرته عليه ، على عظمه ، فرفعه فوق السماوات والأرض . والله أعلم بمراده في ذلك ، فهذا موضع مشكل وإنما ذكرنا قول من تقدمنا لم نأت بشيء من عندنا في هذا وشبهه . ثم قال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } ، الرحمن مرفوع على البدل من المضمر في استوى أو على : هو الرحمن ، أو على الابتداء والخبر : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } ، ويجوز الخفض على النعت للحي ، ويجوز النصب على المدح ، ومعناه : فاسأل عنه خبيراً . الباء بمعنى : عن . كما قال جلّ ذكره : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] ، أي : عن عذاب ، ومعناه عند الأخفش : فاسأل عن الرحمن أهل العلم يخبروك ، فخبير مفعول للسؤال . وقال علي بن سليمان : الباء على بابها . والتقدير : فاسأل بسؤالك الذي تريد أن تسأل عنه : خبيراً ، فخبير مفعول به مثل الأول . وقيل : خبيراً : حال من الهاء في به : والتقدير : إذا أخبرتك شيئاً يا محمد فاعلم أنه كما أخبرتك أنا الخبير . وهو قول ابن جريج . ثم قال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ } ، أي : إذا قيل للكفار اسجدوا للرحمن خالصاً قالوا : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } ، وزادهم هذا القول نفوراً من الإيمان ، وعن إخلاص السجود لله . ومعنى نفوراً فراراً . وقيل : إنما عنوا هنا بالرحمن : رحمان اليمامة : مسيلمة الكذاب لأنه يسمى الرحمن . وقد كانوا مقرين بالرحمن الذي خلقهم . قال الله تعالى عنهم : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [ الزخرف : 20 ] ، وعلى هذا القول يحسن القراءة بالياء ، والتقدير : أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة ، ومن قرأه بالتاء : جعله خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : إن قراءة الياء على معنى : قول بعضهم لبعض : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } محمد صلى الله عليه [ وسلم ] . ثم قال تعالى ذكره : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } ، أي : قصوراً . كما قال { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] . وقيل : البروج : منازل الشمس والقمر ؛ قاله مجاهد وقتادة ، والنجوم كلها هي في البروج . ثم قال تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } ، يعني الشمس { وَقَمَراً مُّنِيراً } أي : مضيئاً . ومن قرأ " سُرُجاً " بالجمع جعل البروج : القصور ، ، والسروج : النجوم . ومن قرأ سراجاً بالتوحيد جعل البروج المنازل والسراج : الشمس ، والضمير في " فيها " على القراءة ، من قرأ : " سرجاً " بالجمع يعود على البروج التي هي القصور ، ومن قرأ " سرجاً " بالتوحيد كان الضمير يعود على السماء ، وإن شئت على البروج . ويكون السراج يؤدي على الجمع كما قال : { يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ غافر : 67 ] / أي جعل فيها مضيئة . وقرأ الأعمش و " قُمرا " بضم القاف وإسكان الميم ، جعله جمعاً وهي قراءة شاذة .