Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-73)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } ، إلى قوله : { صُمّاً وَعُمْيَاناً } . أي : والذين يخلصون لله العبادة ، والدعاء ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، وهو كفر بعد إسلام ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس فيقتل بها ، ولا يزنون فيأتون ما حرم الله . ثم قال تعالى ذكره : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } ، أي : من يفعل / العبادة لغير الله أو يقتل نفساً بغير حق ، أو يزني يلق عذاب الآثام أي : عقابها ، وعقابها : مضاعفة العذاب ، والتخليد في النار مهاناً . قال مجاهد وعكرمة : الآثام : واد في جهنم . وسيبويه وغيره من النحويين : يقدرونه بمعنى يلق جزاء الآثام . ثم قال تعالى : { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ } ، الآية وروي : أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين ، أرادوا الدخول في الإسلام ، وقد عملوا في الكفر أشياء من هذه الذنوب فخافوا ألا ينفعهم مع ما سلف من ذنوبهم . فنزلت هذه الآية ، ونزل : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] الآية ، ونزلت : { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ } ، فهي مخصوصة فيمن أسلم ، وقد كان عمل هذه الكبائر في حال كفره ، ويدل على أن هذا الاستثناء في الكفار قوله { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ } ، فقرن الإيمان مع التوبة . وقيل : هذه الآية منسوخة بالتي في النساء قاله زيد بن ثابت وذكر أن آية النساء التي نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر . وقال الضحاك : بين السورتين ثماني حجج . وذكره تعالى للإيمان مع التوبة يدل على أنه محكم في الكفار ، وآية النساء إنما هي في المؤمنين : يقتلون المؤمنين فكلاهما محكم غير منسوخ في وجه النظر . وعن ابن عباس أنه قال : قرأنا هذه الآية : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، الآية ، بسنتين حتى نزلت : { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } ، الآية قال : فما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها ، وبسورة : { إِنَّا فَتَحْنَا } [ الفتح : 1 ] . ثم قال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } ، قال ابن عباس : معناه : كانوا قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحولهم إلى الحسنات ، فأبدلهم الله مكان السيآت حسنات . أي : مكان عمل الحسنات . وعن ابن عباس أنه قال : يبدل بكل مكان سيئة عملها حسنة يعملها في الدنيا . وقيل معناه : أولئك يبدل الله قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام فيبدله بالشرك إيماناً . قال ابن جبير : نزلت في وحشي وأصحابه . قالوا : كيف لنا بالتوبة ، وقد عبدنا الأوثان وقتلنا المؤمنين ، ونكحنا المشركات ؟ فأنزل الله تعالى { إِلاَّ مَن تَابَ } ، الآية . فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله ، وبقتالهم المؤمنين : قتالهم المشركين ، وبنكاح المشركات نكاح المؤمنات . وروي عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يعطى العبد كتابه بيمينه ، فيقرأ سيآته ، ويقرأ الناس حسناته ثم يحول صحيفته ، فيحول الله سيآته حسنات ، فيقرأ هو حسناته ويقرأ الناس من سيئاته حسنات ، فيقول الناس : ما كان لهذا العبد من سيئة ، قال : ثم يعرف بعمله ، ثم يغفر الله له " . وعن ابن عباس : أبدلوا بالشرك إيماناً ، وبالقتل إمساكاً ، وبالزنا إحصاناً . وقال ابن المسيب : روى عطاء عن ابن عباس : تصير سيآتهم حسنات لهم يوم القيامة . وروى أبو ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار ، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة . ثم قال : يؤتى برجل يوم القيامة فيقال : نَحُّوا كِبارَ ذنوبه ، وسلوه عن صغارها ، قال : فيقال له : عملت كذا في يوم كذا ، وعملت كذا في يوم كذا ، قال : فيقول : يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هنا ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . قال : فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة " . قال الحسن : قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة ، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيماناً من الشرك ، وإخلاصاً من الشرك ، وإحصاناً من الفجور . قال الزجاج : ليس يجعل مكان السيئة حسنة ، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة . واختار الطبري : أن يكون المعنى : يبدل الله أعمالهم في الشرك حسنات في الإسلام بنقلهم عن ما / يسخطه إلى ما يرضاه . ثم قال تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } ، أي : ذا غفر عن ذنوب من تاب من عباده ، وراجع طاعته ، وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها . ثم قال تعالى : { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } أي : ومن تاب من الشرك بالله ، وآمن بالله ورسوله ، وعمل صالحاً فيما أمره الله به { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } ، أي : توبة مؤكدة لأنه إذا تاب من الشرك ، فقد تاب من عظيم ، فإذا عمل صالحاً فقد أكد توبته . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } ، يعني الشرك ، قاله الضحاك . وقيل : المعنى : فإنه يرجع إلى الله رجوعاً فيجازيه على توبته وعمله . والثاني ليس من الأول لأنه يراد به العبث ، والأول يراد به الرجوع عن الكفر ، والمعاصي . وقال مجاهد الزور : الغناء ، أي : لا يسمعون الغناء ، وهو قول محمد بن الحنفية . وقال ابن جريج : هو الكذب . وقيل : إنهم كانوا إذا ذكروا النكاح كَنَّوا عنه . وعن ابن عباس : أن الزور هنا أعياد المشركين وكنائسهم . والزور الباطل . وعن ابن مسعود أنه قال : عدلت شهادة الزور بالشرك بالله . ثم قرأ الآية ، وروي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالها في خطبة له . تقديره : يشهدون الشهادة الزور . وقيل : الزور : الكذب والخنا والسفه ، فهو في المعنى : لا يشهدون كل مشهد يكون فيه ذلك ، أي : لا يحضرونه ، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بغير صفته ، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به ، فالشرك يحسن عند متبعه ، والغناء كذلك ، وكذلك الكذب . فمعنى الآية على هذا المعنى : والذين لا يحضرون شيئاً من الباطل . ثم قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } ، أي : إذا مروا بمن يلغو عليهم من المشركين ويؤذيهم مروا كراماً ، أي : أعرضوا عنهم وصفحوا . وقيل معناه : إذا مروا في كلامهم بذكر النكاح كنوا عنه ، قاله مجاهد . وقيل : المعنى : إذا مروا بما كان المشركون فيه من الباطل مروا منكرين له . قاله ابن زيد . وقال الحسن : اللغو هنا المعاصي كلها ، واللغو في كلام العرب : كلُّ ما يجب أن يلغى ويطرح من كلام ، أو فعل باطل . وقيل : هذه الآية منسوخة بقتال المشركين ، لأنه أمرهم بعد ذلك إذا مروا باللغو الذي هو الشرك أن يقاتلوا أهله ، وإذا مروا باللغو الذي هو معصية أن يغيروه ، ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة . ومعنى { مَرُّوا كِراماً } ، أي : أكرموا أنفسهم عن الجلوس والخوض مع من يلغو . ثم قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } . أي : والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج ربهم وأدلته ، لم يقفوا على تلك الحجج صمّاً لا يسمعونها ، وعمياً لا يبصرونها . ولكنهم أيقاظ القلوب فهماء العقول . والكافر بخلاف ذلك لأنه لا ينتفع بما يسمع وما يبصر ، فصار بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر ، ومعنى { يَخِرُّواْ } يقيموا على ذلك ، كما يقال : شتمت فلاناً فقام يبكي ، أي : فظل يبكي ، ولا قيام هناك ، ولعله كان مضطجعاً . ويقول : نهيت فلاناً فقعد يشتمني أي : فجعل يشتمني ، ولعله كان قائماً . فجرى ذلك على مخاطبة العرب ، ولا خُرور ثَمَّ ، وقيل المعنى : لم يتغافلوا عنها ويتركونها فيكونون بمنزلة من لا يسمع ولا يرى . وقيل المعنى : لم يسجدوا صماً وعمياناً بل سجدوا سامعين ، فيكون بمنزلة قول الشاعر : @ بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ولم تكثر القتلى بها حين سلت @@ أي : إنما أغمدوها بعد أن كثرت القتلى . وقيل المعنى : إنهم إذا أمروا بمعروف ، أو نهوا عن منكر لم يتغافلوا عن ذلك وقبلوه .