Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 100-138)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } ، إلى قوله : { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ، أي : فما لنا من شافع يشفع لنا عند الله من الأباعد ، ولا صديق من الأقارب . قال ابن جريج من شافعين : من الملائكة ، ولا صديق حميم من الناس . وقال مجاهد : حميم : شقيق . وقال قتادة : يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع ، وأن الحميم إذا كان صالحاً : شفع . وقال بعض أهل اللغة : الحميم الخاص . ثم قال تعالى : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } ، أي : رجعة إلى الدنيا . { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، بالله . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ، أي : لعلامة وذا إشارة إلى ما تقدم ذكره ، والكاف خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } ، { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي : الشديد الانتقام ، ممن عبد غيره من دونه ثم لم يتب من ، كفره ، / الرحيم لمن تاب منهم . ثم قال : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، أي : كذبت جماعة قوم نوح المرسلين . وإنما جمع المرسلين ولم يرسل إليهم إلا نوح ، لأن من كذب رسولاً بمنزلة من كذب جميع الرسل ، ويجوز أن تكون قد كذبت جميع الرسل مع تكذيبها لنوح ، ولم تؤمن برسول كان قبله . وقيل : إنما أخبر عنهم : بتكذيب الرسل ، لأنهم كذبوا نوحاً فيما أتاهم به عن الله ، وكذبوا كل من دعا إلى توحيد الله من سائر المسلمين قبل نوح ، الذين بلغهم خبرهم ، ودعاتهم إلى توحيد الله ، فقد كان قبل نوح رسل ، ودعاة إلى الله جلّ ذكره إدريس وغيره . ثم قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } ، سمي نوح أخاهم لأنه كان من قبيلتهم . { أَلاَ تَتَّقُونَ } ، أي : تتقون عقاب الله على كفركم . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } ، أي : رسول من الله إليكم ، أمين على وحيه إلي ، ورسالته إيأي : إليكم . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، أي : عقابه على كفركم به { وَأَطِيعُونِ } ، وأطيعون في نصيحتي لكم ، وأمري إياكم . { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } ، أي : لا أسألكم على نصحي لكم ، من ثواب ولا جزاء . { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : ما جزائي وثوابي على دعائي لكم إلا على رب العالمين ، دونكم ، ودون جميع الخلق . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، أي : عقابه على كفركم ، وخافوا حلول سخطه بكم على كفركم . ثم قال : { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } ، أي : كيف نؤمن لك ، ونصدقك ، وإنما اتبعك منا سفلة الناس ، دون الأشراف وذوي الأموال . روي : أنه إنما اتبعه ، وآمن به سفلة الناس ، وأصحاب الصناعات الخسيسة مثل الحاكة : فاتقوا أن تكونوا مثلهم ، وتفعلوا فعلهم تجبراً على الله وكفراً به . { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي : إنما لي منهم ظاهرهم دون الباطن . وقيل : " كان " زائدة . والتقدير : وما علمي بما يعملون الآن ، فأما ما كانوا يعملون فقد كان يعلمه . وقيل : معنى قوله : { وَمَا عِلْمِي } ، وما علمي بما يعملون أي : لست أسأل عما كانوا يعملون ، ولا أطلب علم ذلك . ذلك إلى الله يحاسبهم على أعمالهم ، ويجازيهم عليها ، فقد أظهروا الإيمان فليس لي إلا ما ظهر ، والله المطلع على الباطن ، فأما فقرهم فلا يضرهم ذلك عند الله ، يغني من يشاء ، ويفقر من يشاء . ليس الفقر بضار في الدين ، ولا الغنى بنافع في الدين ، إنما ينفع الإيمان ويضر الكفر . قال مجاهد وقتادة : الأرذلون : الحاكة . وقيل : هم الحجامون . وقرأ يعقوب : وأتباعك ثم قال : { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } ، يعني إنه تعالى : يعلم سر أمورهم وعلانيتها . قال ابن جريج : معناه هو أعلم بما في أنفسهم . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي : قال لهم نوح : وما أنا بطارد من آمن بي ، واتبعني . { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : ما أنا إلا منذر لكم عذاب الله ، مبين عما جئتكم به . { قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } ، أي : لئن لم تنته عما تقول ، وتدعونا إليه ، وتعيب به آلهتنا لتكونن من المشتومين أي : لنشتمنك . وقيل : من المرجومين بالحجارة حتى نقتلك . { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } أي : كذبون فيما أتيتهم به من الحق . { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً } أي : احكم بيني وبينهم حكماً . وقال قتادة : معنى ذلك : فاقض بيني وبينهم قضاء . وكذلك قال ابن زيد . { وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي } أي : نجني من ذلك العذاب ، أي يأتي به حكمك : { وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، { وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني : { فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } ، والفلك جمع واحده فلك ، كأسد وأسد . وقيل : هو واحد وجمع ، بلفظ واحد . قال ابن عباس : كانوا ثمانين رجلاً ، فلم يتناسل منهم أحد إلا لولد نوح ، عليه السلام . وهو قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } [ الصافات : 77 ] فجميع العالم بعد نوح ليس بنسب إلا لنوح . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ، أي : لعلامة وحجة على قدرة الله ، وتوحيده ، وذلك إشارة إلى ما تقدم من ذكر ما فعل بنوح ، ومن آمن معه ، وما فعل بالكفار من الغرق . والكاف خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } ، يعني / قوم نوح . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي : في انتقامه ممن عطاه . { ٱلرَّحِيمُ } ، بالتائب منهم أن يعذبه بعد توبته . ثم قال تعالى : { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قد تقدم ذكر علة الجمع في { ٱلْمُرْسَلِينَ } . و " عاد " قبيلة وانصرف لخفته . وقيل : هو اسم الأب لهم { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } ، أي : تتقون عقاب الله ، ونقمته لكم على كفركم . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } ، أي : رسول من عند الله . أمين على ما أرسلني به ، فلا أبلغكم إلا ما أرسلت به ، ولا أخفي عنكم منه شيئاً . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، أي : اتقوا عقاب الله ، وأطيعوني فيما آمركم به ، وأنهاكم عنه . { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } ، أي : لا أسألكم على تبليغي لكم رسالة الله جعلاً ولا ثواباً . [ ما ] { أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : ما ثوابي وجزائي على نصحي لكم وتبليغي إياكم ما جئتكم به إلا على الله . ثم قال تعالى : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } ، أي : قال لهم هود موبخاً لهم : أتبنون بكل مكان مشرف من الأرض بنياناً عَلَمَاً . قال ابن عباس : بكل ريع : بكل شرف . وعنه : بكل طريق . وقال مجاهد : بكل فج ، وعنه : الريع : الشية الصغيرة . وعنه : الفج ما بين الجبلين . وقال عكرمة : بكل فج وواد وقال الضحاك : بكل طريق . وقوله : { آيَةً تَعْبَثُونَ } ، قال مجاهد هي بروج الحمامات ، والرّيع والرَّيْعُ : لغتان . وقيل الريع : جمع ريعة . ومعنى { تَعْبَثُونَ } تلعبون . ثم قال تعالى : { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } ، قال مجاهد : هي قصور مشيدة . وقال قتادة وسفيان : هي مصانع الماء . والمصانع جمع مصنعة ، وكل بناء تسميه العرب مصنعة . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } ، قيل : لعل هنا ، استفهام بمعنى التوبيخ والمعنى : أتخلدون ببنياكم لها . وقيل : هي بمعنى : كما تخلدون أي : كيما تخلدون . وقيل : هي بمعنى : لأن تخلدوا . قاله الزجاج . ثم قال : { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } ، أي : إذا غضبتم ، وسطوتم ، سطوتم ، قتلاً بالسيف وضرباً بالسياط . وهذا إنما يكره في الظلم ، وهو جائز في الحق . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، أي : اتقوا عقاب الله ، وأطيعون فيما آمركم به ، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ، يعني بالبنين والأموال ، والبساتين ، والعيون ، والأنهار . { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ، يوم القيامة . { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } أي : معتدل عندنا وعظك إيانا ، وتركك الوعظ . { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : دين الأولين . قاله ابن عباس . وقال قتادة : معناه خلقة الأولين أي : هكذا كانت خلقتهم يموتون ويحيون ، فنحن نعيش كما عاشوا ، ونموت كما ماتوا . وقال الفراء ، معناه : عادة الأولين . ومن أسكن اللام فمعناه : تخرص الأولين وكذبهم أن ثم بعثاً ، وحساباً ، وعقاباً . { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } .