Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 139-171)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ } ، إلى قوله : { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } . فمعنى قوله { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ } ، أي : فكذبوا هوداً فيما جاءهم به ، فأهلكوا بتكذيبهم . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي لعبرة : أي : إن في إهلاكنا عاداً بتكذيبهم رسلنا لعظة . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } ، أي : أكثر عاد لم يكونوا مؤمنين . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه { ٱلرَّحِيمُ } بمن تاب وآمن . ثم قال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، ثمود : اسم للقبيلة عند من لم يصرفه ، ومن صرفه جعله اسماً للأب ، وتفسير قوله : { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ } ، إلى قوله { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، قد تقدم نظيره ، وهو مثل ذلك . ثم قال تعالى : { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } ، أي : أيترككم ربكم في هذه الدنيا : آمنين لا تخافون شيئاً . { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } ، أي : بساتين تجري فيها العيون . ثم قال : { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } ، قال ابن عباس : هضيم : أي أينع وبلغ فهو هضيم . قال عكرمة : هو الرطب اللين . قال الضحاك : إذا كثر حمل الثمرة : فتركب بعضه على بعض فهو حينئذٍ هضيم . وقال الزهري : هو الرحض اللطيف ، أول ما يطلع وهو الطلع النضيد ، لأن بعضه فوق بعض . وأصل الهضيم في اللغة انضمام الشيء ، وتكسره ، للينه ، ورطوبته . ومنه : قولهم : هضم فلان فلاناً حقه : إذا انتقصه وأبخسه ، وهضيم مفعول صرف إلى فعيل . وقيل : هضيم منه ما قد أرطب ومنه / ما هو مذنب . وقيل : هضيم أي : هاضم مرئ ، فيكون على هذا فعيل ، بمعنى : فاعل . ثم قال تعالى : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } ، أي : تنقبون في الجبال بيوتاً أشرين بطرين . وقال قتادة : معجبين ، وعنه عن الحسن : آمنين . وقال الضحاك : كيسين . وقال مجاهد : شرهين وقال أبو صالح : حاذقين . وكذلك روي أيضاً عن الضحاك . وكذلك ، قال معاوية بن قرة ، ومنصور بن المعتمر . وقد روي ذلك عن ابن عباس أيضاً . وقال ابن زيد : فرهين : أقوياء . وقال أبو عبيدة : مرحين . ومن قرأ : فارهين : بألف ، فقيل : الهاء بدل من حاء . وقيل : هما لغتان . يقال فَرِه : يَفْرَه فهو : فاره ، وفَرِه ، يَفْرُهُ فهو فَرِهٌ وفاره : إذا كان نشيطاً . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، قد مضى تفسيره . ثم قال : { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } ، أي : المسرفين على أنفسهم ، في تماديهم على معصية الله جلّ وعز . يعني الرهط التسعة بينهم . فقال : { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } ، أي : يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون أنفسهم بالعمل الصالح . { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } ، قال مجاهد وقتادة : من المسحرين : من المسحورين . وقال ابن عباس : من المخلوقين . أي : ممن له سحر ، والسِّحْر والسَّحْر : الرئة . وقيل : السحر : الصدر الذي يجري فيه الطعام إلى المعدة . وقيل : معناه من المعلَّلين بالطعام والشراب . { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } ، أي : أنت من بني آدم : تأكل كما نأكل . تقول ذلك ثمود لصالح . { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } ، أي : فأتنا بدلالة وحجة تدل على أنك محق فيما تقول ، فأتاهم بالناقة تدل على صدقه ، وقال لهم : { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } . روي أنه أخرجها لهم من صخرة . وقال لهم : لها يوم تشرب فيه فلا تعترضوا في شربها ، ولكم أنتم شرب يوم آخر ، لا تشارككم هي فيه . وروي : أنهم سألوا صالحاً عليه السلام : فقالوا له : إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا ناقة من هذا الجبل . حمراء عُشَراء فتضع بكراً ، ونحن ننظر ، ثم ترد الماء فتشربه ، وتغدو علينا بمثله لبناً ، فجاءهم الله عزّ وجلّ بها ، وجعل لها شرباً في يوم ، ولهم شرب في يوم . فكانت يوم ترد الماء لا يردونه هم ، ولكنهم تسقيهم مثل ما شربت لبناً ، ويوم لا ترد هي يردونه هم فيشربون ويدخرون ، فحذرهم صالح عقرها فعقروها فأهلكوا . وروي : أنهم لما سألوه آية قال لهم : أي : آية تريدون ؟ فقالوا : أخرج لنا من هذا الجبل الذي تنزل بسفحه : ناقة عشراء حتى نؤمن أنك رسول الله ، فأمرهم أن يجتمعوا : ليخرج الله لهم الناقة من الجبل ، على ما سألوه ، فاجتمعوا ودعا صالح بإذن الله له فتحرك الجبل وانصدع ، فخرجت منه ناقة ، عظيمة الخلق وهي عشراء حاملة من غير فحل ، فولدت فصيلاً بعد ذلك ، فجعل الله لهم فيها آيات من ذلك خروجها من جبل ، وعظم خلقها ، وحملها من غير فحل ، فلم يؤمنوا مع ما رأوا من الآيات ، وأقاموا على كفرهم ، ثم نهاهم عن عقرها ، فخالفوه فعقروها ، فأهلكهم الله أجمعين . والشِّرب : الحظ والنصيب من الماء . والشِّرْب ، والشَّرْب ، والشُّرْب مصادر كلها بلغات ، والمضموم أشبهها بالمصادر ، لأن المفتوح والمكسور يشتركان في شيء آخر . فيكون الشرب : الحظ من الماء ، ويكون الشرب جمع شارب ، كتاجر وتجر ، واختار : أبو عمرو والكسائي الفتح في مصدر شرب . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } ، أي : بعقر ، وضرب وشبهه . { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ، أي : يحل عليكم عذاب يوم القيامة . ثم قال : { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } ، أي : فخالفوا أمر صالح ، فعقروا الناقة ، فأصبحوا نادمين على عقرهم لها ، لما أيقنوا بالعذاب ، فأخذهم العذاب الذي كان صالح يوعدهم به فهلكوا . وقيل : إنهم لما ندموا على عقرها . ولم يتوبوا من كفرهم ، طلبوا صالحاً ليقتلوه ، فتنحى من بين أيديهم ، هو ومن آمن معه ، فأخذهم العذاب . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ، إلى قوله { ٱلرَّحِيمُ } ، وقد تقدم تفسيره . ثم قال تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، / إلى قوله { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، قد تقدم تفسيره . ثم قال : { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : أتنكحون الذكور الذين حرم الله عليكم نكاحهم ، وتَدَعُون النساء اللواتي أحل الله لكم نكاحهن . وعن زيد بن أسلم ، أن المعنى : أتاتون أدبار الرجال وتدعون النساء . ثم قال : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أي : تتجاوزون ، ما أباحه الله لكم إلى ما حرم عليكم . وأكثر أهل التفسير : على أن الإشارة في النساء هنا إنما هي الفروج . وقيل : عادون : معتدون . ثم قال : { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } ، أي : لئن لم تنته عما تقول لنا وتنهانا عنه ، لنخرجنك من بين أظهرنا ، ومن بلدنا . قال لهم لوط : { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ } ، يعني من إتيان الذكور { مِّنَ ٱلْقَالِينَ } ، أي : من المبغضين المنكرين . ثم قال مستغيثاً لمَّا تواعدوه بالإخراج : { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } ، أي : من عقوبتك إياهم على ما يعملون . فاستجاب الله له دعاءه . فنجاه . { وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } . { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } ، أي : في الباقين : أي : فيمن بقي من العذاب ، يعني امرأته ، لأنها كانت تدل قومها على أضياف لوط عليه السلام . وقيل : إنما قيل : { فِي ٱلْغَابِرِينَ } ، بمعنى أنها بقيت حتى كبرت وهرمت . وقيل : إنما كانت ممن بقي بعد قومها ، ولم تهلك معهم في قريتهم ، وإنما أصابها الحجر بعدما خرجت من قريتهم مع لوط فكانت من الباقين بعد قومها ، ثم أهلكها الله بما أهلك به بقايا قوم لوط من الحجارة . وقال قتادة : قيل من الغابرين : لأنها غبرت في عذاب الله أي : بقيت فيه . وأبو عبيد : يذهب إلى أن المعنى : من الباقين في الهرم . أي : بقيت حتى هرمت .