Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 172-199)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } ، إلى قوله { مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } ، أي : ثم أهلكنا الآخرين : يعني من بقي من قوم لوط . { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } ، يعني من كان غائباً من قوم لوط أرسل عليه حجارة ، فأما من كان في المدينة فإنه قلبت عليه عاليها سافلها ، وأرسلت الحجارة على من لم يكن في المدينة ، فتلقطتهم في الآفاق فأهلكتهم . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ، إلى قوله { ٱلرَّحِيمُ } قد مضى تفسيره . قوله : { كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قال أبو عبيد : ليكة اسم قرية . والأيكة اسم البلد كله . وترك الصرف على قراءة نافع ومن تبعه يدل على ما قاله قتادة : أرسل شعيب إلى قوم أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة . والأيكة غيضة من شجر ملتف . وكان عامة شجرهم الدوم وهو شجر المقل وكان شعيب من ولد أبي أهل مدين ولذلك قال : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } ، ولم يكن من ولد أبي أصحاب الأيكة . ولذلك قال { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ } ، ولم يقل أخوهم شعيب ، كما قال في من تقدم ذكره من الأنبياء : أخوهم نوح ، أخوهم هود ، أخوهم صالح . لأن هؤلاء كانوا من ولد أبي القوم ، وشعيب هو ابن ثوبة من ولد مدين بن إبراهيم . وأصحاب ليكة من صنام من العرب ، وأصحاب مدين من ولد مدين بن إبراهيم . قال الضحاك : خرج أصحاب ليكة . يعني حين أصابهم الحر ، فانضموا إلى الغيضة والشجر ، فأرسل الله عليهم سحابة ، فاستظلوا بها ، فلما تتاموا تحتها أحرقوا . وقوله تعالى : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } ، أي : تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : أمين على ما جئتكم به . قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، إلى { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، قد تقدم تفسيره . ثم قال تعالى : { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } ، أي : أوفوا الناس حقوقهم من الكيل ، ولا تكونوا ممن ينقصهم حقوقهم . { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } ، أي : بالميزان المقوم الذي لا بخس فيه على من وزنتهم لهم به . { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } أي : لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن . قال ابن عباس ومجاهد : القسطاس : العدل . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } ، أي : لا تكثروا في الأرض الفساد . { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } أي : وخلق الخلق الأولين . وفي الجبلة لغات : جبلة ، وجُبُله ، وجُبْلة ومن هذا قولهم : جبل فلان على كذا : أي : خلق عليه . وقد تقدم تفسير . { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } ، إلى الكاذبين . ثم قال / عز وجل : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، أي : يقول قوم شعيب له : أسقط علينا جانباً من السماء . ومن قرأ : بفتح السين جعله جمع : كسفة ، كسدرة وسدر ، وكسرة وكسر . ويجوز أن يكون من أسكن ، جعله أيضاً جمع كسفة : كثمرة وتمر ، فيكون المعنى : فأسقط علينا قطعاً من السماء ، إن كنت صادقاً فيما جئتنا به . ثم قال : { قَالَ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، أي : قال شعيب لقومه : ربي أعلم بما تعملون من عملكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم . ثم قال تعالى : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } ، يعني بالظلة السحابة التي ظللتهم فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم ناراً . قال ابن عباس : بعث الله عليهم رمدة وحراً شديداً فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا البيوت ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية ، فبعث الله جلّ وعزّ عليهم سحابة ، فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها برداً . فنادى بعضهم بعضاً ، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً . ومثل هذا المعنى قال قتادة . وروي : أن الله جلّ ذكره بعث عليهم سموماً فخرجوا إلى الأيكة وهي شجر الدوم ، يستظلون تحتها من الحر . فأضرمها الله عليهم ناراً فاحترقوا أجمعين . وقيل : إن الله بعث عليهم حراً شديداً أو بعث العذاب في ظلة ، فخرج رجل فوجد برداً تحت الظلة فأنذرهم ، فخرجوا بأجمعهم ليجدوا برد الظلة ، فأهلكهم الله بها . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم } ، إلى قوله { ٱلرَّحِيمُ } قد تقدم تفسير ذلك . ثم قال : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، يعني وإن الذكر ، قالها : تعود على الذكر من قوله : { مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } وقال قتادة : تعود على القرآن . والمعنى واحد ، أي : إن القرآن لتنزيل الله على جبريل . نزل به جبريل عليه السلام . { عَلَىٰ قَلْبِكَ } ، أي : تلاه عليك يا محمد . { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } ، أي : من رسل الله الذين ينذرون الأمم { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } ، أي : تنذر به قومك بلسانهم العربي الظاهر لهم ، لئلا يقولوا : إنه نزل بغير لساننا ، فلا نفهمه ، وهذا تقريع من الله ، وإظهار الحجة عليهم ، إذ أعرضوا عنه بغير عذر يعتذرون به . ثم قال : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : وإن هذا القرآن لفي كتب الأولين . فهذا لفظ عام ومعناه الخصوص ، معناه : وإن هذا القرآن لفي بعض كتب الأولين ، أي ذكره ، وخبره في بعض ما أنزل على الأنبياء من الكتب . وقد قيل : معناه : وإن الانذار بمن أهلك لفي كتب الأولين . ثم قال تعالى : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } ، أي : أولم يكن لقريش علامة على صدقك ، وحجة على أن القرآن من عند الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن علماء بني إسرائيل الذين أسلموا : يجدون ذكر محمد مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل . قال ابن عباس : كان ابن سلام من علماء بني إسرائيل ، وكان من خيارهم ، فآمن بالقرآن فقال لهم الله : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . قال ابن عباس : الأنبياء كلهم من بني إسرائيل إلا أحد عشر : إدريس ، ونوح ، وصالح ، وهود ، وشعيب ، وإبراهيم ، ولوط ، وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . ثم قال تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } ، أي : ولو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم التي لا تنطق ، فنطقت به ما آمنوا ، ولقالوا : لولا فصلت آياته حتى نفهمه ، والأعجمون جمع أعجم ، وهو الذي لا يفصح ، وإن كان غير أعجمي في أصله والعجمي هو الذي أصله من العجم ، وإن كان فصيح اللسان .