Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 200-223)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } إلى قوله : { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي : كما ختم على قلوب هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن ، ولو نزلناه على بعض الأعجمين ، فقرأه عليهم ، كذلك سلكه التكذيب / والكفر في قلوب المجرمين ، ومعنى : سلكناه : أدخلناه . والهاء في سلكناه ، تعود على قوله { مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } ، التقدير : كذلك أدخلنا ترك الإيمان في قلوب المجرمين . قال ابن جريج : سلكناه : يعني الكفر . وقال ابن زيد : الشرك ، فليس يؤمنون حتى يعاينوا العذاب . وكذلك قال الحسن . ثم قال : { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي : يأتهم العذاب فجأة وهم لا يعلمون بمجيئه . فيقولوا حين يأتهم فجأة : { هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } ، أي : يؤخر عن هذا العذاب وينسأ في آجالنا لتتوب من شركنا . ثم قال تعالى : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } ، أي : يستعجل هؤلاء المشركون بالعذاب لقولهم لن نؤمن لك حتى تسقط السماء ، كما زعمت ، علينا كسفاً . ثم قال : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } ، أي أرأيت يا محمد ، إن أخرنا في آجالهم سنين ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون . { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } ، " ما " الأول في موضع نصب بأغنى . و " ما " الثانية : الفاعلة ويجوز أن تكون ما الأولى نافية ، والثانية فاعلة ، وتقدر حذفها من آخر الكلام . والتقدير : لم يغن عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه . وقال عكرمة : عنى بالسنين : عمر الدنيا . ثم قال : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } أي : وما أهلكنا من قرية من القرى التي تقدم ذكرها ، ومن غيرها إلا لها منذرون ، ينذرونهم عذاب الله ، ويكذرونهم نعمه ، " ذكرى " في موضع نصب على المصدر ، لأن منذرون بمعنى : مذكرون . فتقف على هذا على " ذكرى " وكذلك إن نصبت " ذكرى " بإضمار فعل : أي جعلنا ذلك ذكرى لهم . وقيل : " ذكرى " في موضع رفع على إضمار المبتدأ تقديره : تلك ذكرى ، وذلك ذكرى ، وإنذارنا ذكرى . { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } ، أي : ما كنا نظلم قرية ، فنهلكها من غير إنذار وتذكرة . فتقف على هذا على " منذرون " ثم تبتدئ " ذكرى " أي : هذا القرآن ذكرى للمتذكرين ، ودل على هذا الإضمار قوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } الآية ، أي : القرآن ذكرى للمتذكرين ، لم تنزل به الشياطين { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } . ثم قال تعالى : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } ، أي : ما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن نزل به عليه الروح الأمين وهو جبريل صلى الله عليه وسلم . وقرأ الحسن : الشياطون بالواو وهو غلط لأنه جمع مكسر إعرابه في آخره . ثم قال تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } ، أي : وما يتأتى للشياطين أن ينزلوا بالقرآن ، ولا يصلح لهم ذلك ولا يستطيعون أن ينزلوا به ، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء . { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } ، أي : إن الشياطين عن سمع القرآن في المكان الذي هو به لمعزولون ، فكيف يستطيعون ان ينزلوا به ، والسمع مصدر في موضع الاستماع . ثم قال : { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } ، أي : قل يا محمد : لمن كفر لا تدع مع الله إلهاً آخر . { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } ، وقيل : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به جميع الخلق . ومعناه إنه خوطب بذلك ليعلمه الله حكمه فيمن عبد غيره كائناً ما كان ، ودليل هذا قوله : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } ، فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بلا اختلاف ، والمعنى : أنذرهم لئلا يتكلوا على نسبهم ، وقرابتهم منك فيدعوا ما يجب عليهم . ولما نزلت هذه الآية بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ببني جده ، وولده فحذرهم . وقالت عائشة رضي الله عنها : " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا صفية بنت عبد المطلب ، يا فاطمة بنت رسول الله ، يا بني عبد المطلب : إني لا أملك لكم من الله شيئاً ، سلوني من مالي ما شئتم " . وقال ابن عباس : " لما نزلت هذه الآية : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ثم نادى : يا صباحاه ، فاجتمع الناس إليه فبين رجل يجيء وبين آخر يبعث رسوله ، فقال : يا بني هاشم ، يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني يا بني / أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد تغير عليكم صدقتموني ؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تباً لكم سائر اليوم ، ما دعوتموني إلا لهذا ؟ … فنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } " السورة . ثم قال تعالى : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ } ، أي : ألن لهم جانبك . { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } ، أي إن عصاك عشيرتك في إنذارك لهم وأبوا إلا الإقامة على كفرهم أي : من عملكم ، وعبادتكم الأصنام . ثم قال : { وَتَوكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ } ، أي العزيز في نقمته من أعدائه ، { ٱلرَّحِيمِ } لمن تاب من كفره . ثم قال : { ٱلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } ، أي : تقوم إلى صلاتك . قال مجاهد : حين تقوم أينما كنت . ثم قال : { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } ، أي : ونرى تقلبك في صلاتك حين تركع وتسجد ، وتقوم وتقعد . قاله ابن عباس وعكرمة ، وعن ابن عباس معناه : وتقلبك في الطهور من طهر إلى طهر . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي : السميع دعاءك ، وتلاوتك ، العليم بما تعمل أنت وغيرك . ثم قال : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } ، أي : على من تنزل الشياطين من الناس . { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } ، أي : كذاب أثيم ، أي : آثم . قال قتادة : هم الكهنة تسرق الجن السمع ، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإنس . ثم قال : { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } ، أي : يلق الشياطين ما استمعت إلى الكهنة . قاله مجاهد . وأكثر الكهنة كاذبون . وقيل : المعنى يلق الكهنة السمع أي : يسمعونه ويعقلونه { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } ، . يعني الكهنة أيضاً . قالت عائشة : كانت الشياطين تسترق السمع فتجيء بكلمة حق فتقذفها في أذن وليها . قالت : وتزيد فيها أكثر من مائة كذبة .