Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 41-45)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } ، إلى قوله : { فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } . أي قال سليمان لما أتي بالعرش وقدمت إليه بجندها : غيروا سريرها . قاله قتادة . قال ابن عباس : زيد فيه ونقص منه . وقاله الضحاك . " ننظر أتهتدي " أي ألها عقل تهتدي به إلى عرشها ، أم لا تهتدي إليه ؟ . قال الفراء : كان الشياطين قد قالوا لسليمان : إنها لا عقل لها ، وإن رجلها كحافر حمار ، فأراد أن يعرف صحة ذلك ، فغير السرير وصنع الصرح من زجاج تحته ماء فيه حيتان . وقيل : المعنى ننظر أتهتدي لهذه العظمة التي أتت بسريرها مع عظمه وبعد موضعه ، وأن الناس لا يتهيأ لهم حمل مثله ، فتعلم أنه لا يأتي به إلا نبي من عند الله ، فتدع الضلالة وترجع إلى الإيمان بهذه المعجزة التي رأتها من حمل سريرها من موضعه ، وهي لا تشعر به ولا قومها ، أم تكون من الذين يجهلون ذلك . ثم قال : { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } ، أي فلما جاءت بلقيس سليمان أخرج لها العرش ، وقال لها : أهكذا عرشك ؟ فشبهته به وقالت : / { كَأَنَّهُ هُوَ } ، ولم تقطع أنه هو ، لأنها تركته خلفها وغلقت عليه الأبواب . وقوله تعالى { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا } ، هذا خبر من قول سليمان ، أي قال سليمان : وأعطينا العلم بالله وبقدرته على ما يشاء جل ذكره من قبل هذه المرأة { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } ، من قبلها ، قاله مجاهد وغيره . وقيل : العلم هنا التوحيد . ثم قال : { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي وصدها عبادتها الشمس من دون الله عن أن تعلم ما علمنا ، وعن أن تسلم " فما " في موضع رفع بفعلها على هذا التقدير . وقيل : المعنى : وصدها الله أو وصدها سليمان عما كانت تعبد . ثم حذفت " عن " فتعدى الفعل إلى " ما " في موضع نصب على هذا التقدير ، ومثله في الحذف ما أنشد سيبويه : @ نبئت عبد الله بالجو أصبحت مواليها لئيماً صميمها @@ أي عن عبد الله . وقرأ ابن جبير : " أنها كانت " بفتح أن وموضعها نصب على البدل من " ما " على مذهب من جعل " ما " في موضع نصب ، ويجوز أن تكون في موضع نصب على حذف اللام ، وفي موضع خفض على إرادة اللام . وهو قول الكسائي . وفي موضع رفع على البدل من " ما " على مذهب من جعل " ما " في موضع رفع . والوقف لمن كسر " إن " { مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، ومن فتحها وقف على { كَافِرِينَ } . ثم قال تعالى : { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } ، قال وهب بن منبه : أمر سليمان بالصرح فعملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضاً ، ثم أرسل الماء تحته ، ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعطفت عليه الطير ، والجن ، والإنس . وقيل : إنه ألقى في الماء الحوت ، فنظرت إلى ماء فيه حوت على ظهره سرير ، ولم تر الزجاج لصفائه ، فرفعت ثيابها ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان . فقيل : { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ } ، أي من زجاج ، والممرد : الأملس ، ومنه الأمرد . وقيل : إنما فعل ذلك ليختبر عقلها بذلك على نحو ما اختبرته يعني في توجيهها إليه الوصائف والوصفاء ، ليميز بين الذكور والإناث يعاتبها بذلك . فقال لها : ادخلي الصرح ليريها ملكاً أعز من ملكها ، وسلطاناً أعظم من سلطانها . { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } ، لا تشك أنه ماء تخوضه ، فقيل لها : { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ } ، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وعابها في عبادة الشمس من دون الله ، فقالت بقول الزنادقة ، فوقع سليمان ساجداً إعظاماً لما قالت ، وسجد معه الناس ، وسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع ، فلما رفع رأسه قال : ويحك ما قلت ؟ فأنسيت ما قالت ، فقالت : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فحسن إسلامها . وقيل : إن سليمان إنما أمر ببناء الصرح ، لأن الجن خافت سليمان أن يتزوجها ، فأرادوا ان يزهدوه فيها فقالوا : إن رجلها رجل حمار ، وإن أمها كانت من الجن . فأراد سليمان أن يعلم حقيقة ما أخبرته الجن به . قاله محمد بن كعب القرظي . وقال : إن سليمان لما عمل له الصرح سخر فيه دواب البحر : الحيتان والضفادع ، فلما نظرت إلى الصرح ، قالت : ما وجد ابن داود عذاباً يقتلني به إلا الغرق . فحسبته لجة وكشفت عن ساقيها ، فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً . قال : فضن سليمان بساقيها عن الموسى ، فأحدثت النورة لذلك السبب لسليمان . قال مجاهد : والصرح : بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها إياه . قال : وكانت بلقيس هلباء شعراء قدمها كحافر حمار وأمها جنية . وعن ابن عباس قال : سمعت الجن بشأن بلقيس فوقعوا فيها عند سليمان ليكرهوها إليه ، وخافوا أن يتزوجها ، فتظهره على أمورهم ، وكانت تعلم ذلك لأن أحد / أبويها كان جنياً . فقالوا : أصلح الله الملك إن في عقلها شيئاً ، ورجلها كحافر حمار ، فلما قالوا له ذلك ، أراد أن يرى عقلها ، ويرى قدميها ، فأمر بالصرح وأجرى تحته الماء وجعل فيه الضفادع والسمك ، وأمر بعرشها فزيد فيه ونقص منه ، فلما نظرت إليه جعلت تعرف وتنكر ، وقالت في نفسها : من أين تخلص إلى عرشي ، وهو تحت سبعة أبواب والحرس حوله ؟ فلم تعرف ولم تنكر وقالت { كَأَنَّهُ هُوَ } فقيل لها { ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } ، إلى القصر فظنته ماء ، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء إلى سليمان ، فرأى سليمان أحسن ساق بخلاف ما قيل له فيها . روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان أحد أبوي صاحبة سبأ جنياً " . ومعنى : { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } ، أي لما رأت الماء تحت الزجاج الأبيض ، ودواب الماء تحته ، ظنته لجة بحر وكشفت عن ساقيها لتخوض إلى سليمان . قال مجاهد : لما كشفت عن ساقيها ، فإذا هما شعراوان فقال سليمان : ألا شيء من يذهب هذا ؟ قالوا : الموسى ، قال الموسى له أثر ، فأمر بالنورة ، فصنعت ، فكان أول من صنع النورة . وقيل : إنه لما تزوجها قالت له : إني لم يمسني حديد قط ، فعملت النورة . ومعنى : " ممرد " أي مشيد . { مِّن قَوارِيرَ } ، أي من زجاج . وقيل : الصرح : القصر . وقيل الصحن : هو ساحة الدار . وأصل الممرد : الأملس . ومنه : الأمرد ، ومنه قولهم : شجرة مرداء : إذا سقط عنها ورقها . وقيل : الممرد : الطويل . ومنه قيل لبعض الحصون : مارد . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } . وقد تقدمت قصة صالح في مواضع ، فأغنى عن إعادتها . وقوله : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } ، إنما جمع لأن كل فريق جمع ، ويجوز يختصمان ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : فلما دعاهم صار قومه فريقين يختصمون : مؤمن وكافر ، ومصدق له ومكذب يختصمون في أمره فيما جاءهم به .