Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 46-52)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ } ، إلى قوله : { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، أي قال صالح لقومه : لم تستعجلون بعذاب الله قبل رحمته ؟ . قال مجاهد : وقيل السيئة : العذاب ، والحسنة : العافية ، وهذا يدل على أنه طلبوا منه أن يحل بهم العذاب الذي توعدهم به ، واستعجلوه لوقوعه أنهم تكذيباً منهم للعذاب ، ولما جاءهم به . قوله : { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } أي هلا تسألون الله المغفرة من كفركم ليرحمكم . ثم قال تعالى : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } ، . أي قالت ثمود لصالح تشاءمنا بك وبمن معك لما يصيبنا من القحط والشدة ، وقلة نماء الأموال ، وذلك من اتباعك ، فقال لهم صالح : { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } ، أي ما يصيبكم مما تكرهون عند الله علمه ، ومن عند الله يأتيكم . قال قتادة : معناه : علمكم عند الله . وقال الفراء : عند الله ، ومعناه : أي في اللوح المحفوظ ما يصيبكم . مثل : قوله { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } [ يس : 19 ] ، أي ما يصيبكم من خير وشر لازم لكم في رقابكم . وقوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } ، أي تختبرون ، أي يختبركم ربكم برسالتي إليكم ، فينظر طاعتكم له فيما بعثني به إليكم . ثم قال تعالى : { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ } ، أي كان في مدينة قوم صالح تسعة أنفس { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } ، أي يكفرون بالله ولا يؤمنون به ، وخص هؤلاء بالذكر ، وقد علم أن جميعهم كافرون ، لأنهم هم الذين سعوا في عقر الناقة ، وتعاونوا عليها ، وتحالفوا على قتل صالح من بين ثمود . قال ابن عباس : هم الذين عقروا الناقة ، وقالوا حين عقروها : نبيت صالحاً وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئاً وما لنا به علم ، فدمرهم الله أجمعين . قال عطاء بن أبي رباح : بلغني عنهم أنهم / كانوا يقرضون الدراهم . وقال الضحاك : كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة ، وكانوا يفسدون ، ويأمرون بالفساد ، فجلسوا تحت صخرة عظيمة على نهر ، فقلبها الله عليهم فقتلهم . ثم قال تعالى : { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } ، أي تحالفوا كأنه أمر بعضهم بعضاً أن يتحالفوا بالله ، ويجوز أن يكون تقاسموا فعلاً ماضياً في معنى الحال والتقدير : قالوا : متقاسمين بالله ، والمعنى : قال تسعة الرهط : تحالفوا بالله أيها القوم ، أي ليحلف بعضكم بعضاً لنبيتن صالحاً الليلة ، وأهله فلنقتلنه { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ } ، أي ولي دمه { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } . قال مجاهد : تحالفوا على إهلاكه فلم يصلوا إليه حتى هلكوا هم وقومهم أجمعون . قال أبو إسحاق : قال التسعة الرهط الذين عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحاً ، فإن كان صادقاً أي فيما يوعدنا به من العذاب بعد الثلاث عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذباً كنا قد ألحقناه بناقته . فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطأوا على أصحابهم ، أتوا منزل صالح فوجدوهم متشادخين قد رضخوهم بالحجارة . وقوله : { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } ، أي نقول لوليه : وإنا لصادقون أنا ما شهدنا مهلك أهله . ثم قال تعالى : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي مكر هؤلاء التسعة بسيرهم إلى صالح ليلاً ليقتلوه ، وصالح لا يشعر بذلك . { وَمَكَرُواْ مَكْراً } أي فأخذناهم بالعقوبة وهم لا يشعرون بمكر الله . فالمعنى : ومكروا مكراً بما عملوه ، ومكرنا مكراً أي جازيناهم على مكرهم . وقيل : مكر الله بهم هو : إعلامه لصالح ومن آمن به بهلاكهم ، وأمره لهم بالخروج من بين أظهرهم ، ففعلوا ، وأخذ العذاب الكفار دون غيرهم . وقيل : المكر من الله الإتيان بالعقوبة المستحقة من حيث لا يدري العبد . وقيل : المكر من الله : أخذه من أخذ منهم على غرة وغفلة . قال إبراهيم بن عرفة : المكر من المخلوقين هو إظهار غير ما في النفوس ليوقعوا الحملة ، ويبلغوا ما يريدون ، والمكر من الله إظهار النظرة وترك العقوبة عاجلاً حتى يأخذه على غرة . ألم تسمع إلى قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ الأعراف : 182 ] أي أطيل لهم المدة . روي في خبر صالح مع قومه : " أنهم قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ، ومن أهله قبل ثلاث . وكان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ففرغنا منهم ، فبعث الله عليهم صخرة من أهضب جبالهم فخشوا أن تشدخهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم في ذلك ، فلا يدري قومهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ؟ فعذب الله هؤلاء هنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى صالحاً ومن معه . ثم قال : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } ، أي فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود لنبيهم صالح كيف كان . { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } ، أي أهلكناهم وقومهم أجمعين . ومن فتح { وَإِنَّا } ففيه خمسة أوجه : الأول : أن يقدر اللام معها ثم يحذفها فتكون " أن " في موضع نصب على حذف حرف الجر منها . الثاني : أن تكون " أن " في موضع رفع بدل من عاقبة ، وكيف خبر كان في الوجهين . الثالث : أن تكون في موضع نصب على خبر كان : أي كيف كان عاقبة مكرهم ، تدميرهم ، وتكون " كيف " ظرفاً عمل فيه جملة الكلام بعده ، كما تقول : اليوم كان زيد منطلقاً . الرابع : أن تكون " أن " في موضع رفع على إضمار مبتدأ للعاقبة والتقدير هي إنا دمرناهم . الخامس : ذكره الفراء : أن يجعل " أن " بدلاً من كيف ، وهذا الوجه بعيد . فأما من كسر " إنا " فإنه يجعل " كيف " : خبر كان و " عاقبة " اسم كان / ثم يستأنف فيكسر . ثم قال تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } ، خاوية نصباً على الحال ، ويجوز الرفع من خمسة أوجه : الأول : أن ترفع " تلك " بالابتداء " وبيوتهم " بدل من تلك " وخاوية " خبر الابتداء . والثاني : أن ترفع " تلك " بالابتداء و " خاوية " و " بيوتهم " خبر ثاني عن الابتداء كما يقال هذا حلو حامض . الثالث : أن ترفع " خاوية " على إضمار مبتدأ : أي هي خاوية . الرابع : أن تجعل " خاوية " بدلاً من بيوتهم كأنك قلت : فتلك خاوية . الخامس : أن تقدر في بيوتهم الانفصال ، فتجعل خاوية نعتاً للبيوت تقديره فتلك بيوت لهم خاوية . والمعنى : فتلك مساكنهم خاوية منهم ليس فيها منهم أحد ، قد أهلكوا بظلم أنفسهم . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، أي إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك لعظة لمن يعلم . وروي : أن بيوتهم هذه المذكورة : هي بوادي القرى : وهو موضع بين المدينة والشام معروف .