Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 53-64)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } ، إلى قوله : { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أي أنجينا من عذابنا ، ونقمتنا التي حلت بثمود صالحاً والمؤمنين به ، وكانوا يتقون العذاب والنقمة ، فآمنوا خوفاً من ذلك ، فكذلك ننجيك يا محمد ، ومن آمن بك عند حلول عقوبتنا بمشركي قومك . وروي : أن صالحاً صلى الله عليه وسلم لما أحل الله تعالى ذكره بقومه ما أحل من العذاب ، خرج هو والمؤمنين به إلى الشام فنزل رملة فلسطين . ثم قال : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } ، أي واذكر لوطاً وإن شئت ، وأرسلنا لوطاً : { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } يعني نكاح الرجال في أدبارهم . { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ، أي تبصرون أنها فاحشة ، إذ قد علمتم أنه لم يسبقكم إلى ما تفعلون أحد . { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ } ، أي في أدبارهم شهوة منكم لذلك ، من دون فروج النساء التي أباح الله لكم بالنكاح { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } ، أي تجهلون حق الله عليكم فخالفتم أمره . ثم قال تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } ، أي فلم يكن جواب قوم لوط له لما نهاهم عن نكاح الرجال ، إلا قول بعضهم لبعض : { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } ، عما نفعله نحن من إتيان الذكران . قال ابن عباس : أي يتطهرون من إتيان النساء والرجال في أدبارهم . وقاله مجاهد . ثم قال تعالى : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا } ، يعني أنجاهم من العذاب . { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا } ، أي جعلناها بتقديرنا { مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } ، أي من الباقين في العذاب . { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } ، أي حجارة من السماء ، أي أمطرنا الحجارة على من لم يكن حاضراً في المدائن المنقلبة على من فيها منهم . { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } أي فساء المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه . ثم قال : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } أي قل يا محمد الحمد لله . وقال الفراء معناه : قل يا لوط الحمد لله على هلاكهم . { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } والقول الأول أحسن لأن القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم نزل ، فهو المخاطب والمعنى : قل يا محمد الحمد لله على نعمه وتوفيقه لكم . { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ } ، أي وأمنه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط ، وصالح ، على عباده الذين اجتباهم لمحمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم له أصحاباً ووزراء على الدين الذي بعثه بالدعاء إليه . قال ابن عباس : { عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } ، أصحاب محمد عليه السلام وقاله الثوري . ثم قال : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } أجاز أبو حاتم تحقيق الهمزتين في " ءالله " ولم يوافقه على ذلك أحد ، والمعنى : أثواب الله خير أم ثواب ما تشركون ؟ وقيل : " خير " هنا ليست أفعل . والمعنى : الله ذو خير أم ما تشركون ؟ وقيل : إنما أتى هذا لأنهم كانوا يعتقدون ، ويظنون أن في عبادة الأصنام خيراً ، وفي عبادة غيرها شراً ، فخوطبوا على ما كانوا يظنون ، ويعتقدون ، لا على غير ذلك . وقيل : المعنى الخير في هذا الذي تشركونه به في العبادة . وحكى سيبويه : الشقاء أحب / إليك أم السعادة ؟ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه . وقيل : لفظ الاستفهام في هذا مجاز ، ومعناه التبيين لهم أن الله خير لهم مما يشركون به من الأصنام ، وهذا النص يدل على أن الدعاوى في الديانات لا تصح إلا ببرهان وحجة تدل على صحة ذلك ، ولو كان الأمر على غير ذلك لم يطلب من هؤلاء برهان وحجة على ما يدعون . والمعنى : عند الطبري : قل يا محمد للمشركين ، الله الذي أنعم على أوليائه بالنعم التي قصها عليكم : { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } من أوثانكم التي لا تنفعكم ، ولا تضركم ، ولا تدفع عن أنفسها ، ولا عن أوليائها شراً ، ولا تجلب نفعاً . ثم قال تعالى : { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } ، أي أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض فهو مردود على ما قبله على المعنى الذي تقدم ذكره . وفيه معنى التوبيخ ، والتقريع لهم ، وفيه أيضاً معنى التنبيه على قدرة الله ، وعجز آلهتهم ، وكذلك معنى ما بعده في قوله " أمن " ، " أمن " هو كله مردود على الله { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وفيه من المعاني ما ذكرنا من التوبيخ ، والتقريع ، والتنبيه فافهمه كله . والحدائق : جمع حديقة وهي البستان عليه حائط محوط ، فإذا لم يكن عليه حائط فليس بحديقة . وقال قتادة : هي النخل الحسان . قال عكرمة : الحدائق : النخل ، والبهجة : الزينة والحسن . ثم قال : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } ، أي لم تكونوا قادرين على إنبات شجرها ، لولا ما أنزل الله من الماء { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } ، أي أمعبود مع الله خلق ذلك ؟ { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } ، أي يعدلون عن الحق ويجورون على عمد منهم لذلك ، ويجوز أن يكون المعنى : بل هو قوم يعدلون بالله الأوثان . ثم قال : { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } ، أي أعبادة ما تشركون خير أم عبادة من جعل الأرض قراراً أي تستقرون عليها لا تميد بكم . { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } ، أي وجعل بين أبنيتها أنهاراً . { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } ، وهي الجبال . { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } أي بين الملح والحلو ، لئلا يفسد أحدهما صاحبه . { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } ، أي أمعبود يعبد مع الله { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي لا يعلمون قدر عظمة الله جل ذكره ، وما عليهم من الضرر في إشراكهم مع الله غيره . ثم قال : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } ، أي أعبادة ما تشركون خير أم عبادة من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النازل به ؟ قال ابن جريج : السوء : الضر ثم قال تعالى : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } ، أي سيتخلفكم بعد أمواتكم في الأرض { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } ، أي أمعبود مع الله { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } ، أي قليلاً ما تذكرون عظمة الله ، وقبيح ما تفعلون . ثم قال تعالى : { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي أعبادة أوثانكم خير ، أم عبادة من يهديكم في ظلمات البر والبحر ، إذا ضللتم فيهما الطريق ، وخفيت عليكم السبيل فيهما . { وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً } أي يرسلها حياة للأرض { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } ، أي قدام الغيث الذي يحيي الأرض . ثم قال : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، أي أمعبود مع الله ، تعالى الله عن شرككم به . ثم قال تعالى : { أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ } ، أي أعبادة أوثانكم خير أم عبادة من يبدأ الخلق من غير أصل ، ثم يفنيه ، ثم يعيده إذا شاء كهيئته { وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ } ، أي بالغيث والنبات . { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أي إن زعمتم أن مع الله إلها غيره يفعل ذلك ، فقل لهم يا محمد : هاتوا برهانكم على ذلك ، ودليلكم عليه إن كنتم صادقين في دعواكم . وقد وقعت أمن في السواد موصولة ، وكان حقها أن تكون مفصولة ، ولكن كتبت على لفظ الإدغام .