Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 15-19)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } إلى قوله : { مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } ، أي ودخل موسى مَنْفَا من مصر على حين غفلة من أهلها ، وهو نصف النهار . وقيل : بين المغرب والعشاء . قال السدي : كان موسى حين كبر ، يركب مراكب فرعون ، ويلبس ما يلبس ، وكان إنما يدعى موسى بن فرعون ، ثم إن فرعون ركب مركباً وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب ، فركب موسى في إثره ، فأدركه المقيل بمنف فدخلها نصف النهار ، وليس بطرقها أحد . وقال ابن إسحاق : كانت لموسى لما كبر وفيهم شيعة من بني إسرائيل ، يسمعون منه ، ويقتدون به ، ويطيعونه ، ويجتمعون إليه ، فلما اشتد رأيه ، وعرف ما هو عليه من الحق ، رأى فراق فرعون وقومه على ما هم عليه حقاً في دينه ، فتكلم ، وعادى ، وأنكر حتى ذكر ذلك منه ، وحتى خافوه ، وخافهم ، وحتى كان لا يدخل قرية فرعون إلا مستخفياً ، فدخلها يوماً على حين غفلة من أهلها . وقال ابن زيد : معناه : على حين غفلة من ذكر موسى ، ليس غفلة ساعة ، وذلك أن فرعون خاف موسى ، فأخرجه عنه ، فلم يدخل عليهم حتى كبر ، فدخل وقد نسي ذكره ، وغفل عن أمره . قال ابن عباس : دخل نصف النهار وقت القائلة ، وعنه : دخل بين المغرب والعشاء . ثم قال : { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } ، أي أحدهما إسرائيلي من أهل دينه ، والآخر قبطي من قوم فرعون وعلى دينه ، وذكر أنهما اقتتلا في الدين الإسرائيلي على دين موسى والقبطي على دين فرعون ، فعند ذلك حميت نفس موسى في الدين ، فوكز القبطي ، فأتى عليه ومات من وكزته . وعدو هنا بمعنى أعداء ، وكذلك يقال في المؤنث . ومن العرب من يدخل الهاء يجعله بمعنى : معادية . ثم قال : { فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } . قال ابن جبير : مر موسى برجل من القبط قد سخر رجلاً من المسلمين فلما رأى المسلم موسى استغاث به ، فقال : يا موسى ، يا موسى ، فقال موسى : خل سبيله ، فقال القبطي : قد هممت أن أحمله عليك ، فوكزه موسى فمات ، قال : حتى إذا كان الغد نصب النهار ، خرج ينظر الخبر ، فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر ، فقال : يا موسى ، فاشتد غضب موسى على القبطي فأهوى إليه ، فخاف المسلم أن يكون إنما أتاه يريده ، فقال له : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } . فقال القبطي : يا موسى أراك أنت الذي قتلت بالأمس . قال ابن عباس : لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا بسخرة ، حتى امتنعوا كل الامتناع . فبينا هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان : أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى ، فوكز الفرعوني فقتله ، ولم يرهما أحد إلا الله جل ذكره ، فقال موسى لما مات : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ، وفي هذا الحديث اختصار . قال مجاهد : وكزه بجمع كفه . وقال قتادة : وكزه بالعصا ولم يتعمد قتله فقضى عليه أي ففزع منه . وروى أنه دفنه لما مات في الرمل . ثم قال تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ } . أي قال موسى : يا رب إني أسأت إلى نفسي بقتلي القبطي ، فاستر علي ذنبي فستره الله عليه . قال ابن جريج : إنما قال : ظلمت نفسي بقتلي ، من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر . { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي الساتر لذنب من آمن به واستغفره . { ٱلرَّحِيمُ } ، للتائبين أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد أن تابوا منها . ثم قال : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } . أي قال موسى : يارب بعفوك عني في قتل هذه النفس فلن أكون عويناً للمجرمين . وتقدير الكلام عند الفراء أنه بمعنى الدعاء ، كأنه قال : اللهم فلن أكون عويناً للمجرمين . وقيل : معنى الكلام الخبر ، وتقديره / ، لا أعصيك لأنك أنعمت علي ، وهذا معنى قول ابن عباس . ثم قال تعالى : { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } أي أصبح موسى خائفاً من قوم فرعون ، يترقب الأخبار ، أن يعرفوا القصة فيقتلوخ بالقبطي . { فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } أي فإذا الإسرائيلي الذي استنصر موسى بالأمس على الفرعوني ، يستصرخ موسى ، أي يصيح وهو من الصراخ . ثم قال له موسى : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } يوبخ الإسرائيلي ، لأن موسى نادم على ما قد سلف منه من قتله القبطي بالأمس . ومعنى : { لَغَوِيٌّ } أي لذو غواية { مُّبِينٌ } أي أبنت غوايتك بقتالك أمس رجلاً ، واليوم آخر . قال ابن عباس : أتي إلى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ، ولا ترخص لهم في ذلك ، فقال : ابغوا لي قاتله ومن شهد عليه ، لا يستقيم أن نقضي بغير بينة ، ولا ثبت فاطلبوا ذلك . فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئاً ، إذ مر موسى من الغد ، فرأى ذلك الإسرائيلي بقاتل فرعوني ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس ، وكره الذي رأى ، فغضب موسى ، فمد يده وهو يريد الفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعدما قال هذا ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس ، فخاف أن يريده موسى ، ولم يكن أراده إنما أراد الفرعوني فقال : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً } الآية . فسمع كلامه فطلب موسى . قال السدي : قال موسى للإسرائيلي : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ، ثم أقبل لينصره فظن الإسرائيلي أنه إياه يريده فأشهره ، هذا معنى كلام السدي . وقال ابن أبي نجيح : أراد الإسرائيلي أن يبطش بالقبطي فنهاه موسى ففرق الإسرائيلي من موسى ، فقال : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي } الآية . فسعى بها القبطي . وكذلك قال ابن عباس : إن القبطي هو الذي أفشى الخبر على موسى ، ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم .