Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 20-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } ، إلى قوله : { مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ، أي جاء مخبر لموسى يخبره أن فرعون قد أمر بقتله ، وأنهم يطلبونه ، وذلك أن قول الإسرائيلي سمعه سامع فأفشاه فأمر فرعون بطلب موسى وقتله . قال ابن عباس : انطلق الفرعوني الذي كان يقاتل الإسرائيلي إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي حين قال لموسى : { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } [ القصص : 19 ] . فأرسل فرعون الذباحين لقتل موسى ، فأخذوا الطريق الأعظم وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فكان رجل من شيعة موسى في أقصى المدينة ، فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى ، فأخبره الخبر . قال قتادة : كان الرجل مؤمناً من آل فرعون . وقيل : كان اسمه شمعون . وقيل : شمعان . وقيل : هو حزقيل مؤمن آل فرعون أنذر موسى أن أشراف آل فرعون يطلبونه ، فخرج موسى إلى مدين خائف يترقب ، وإنما خرج إلى مدين للنسب الذي بينهم وبينه ، لأن مدين ولد إبراهيم ، وموسى من بني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهم . ومعنى يسعى : تعجل ويسرع من أقصى مدينة فرعون . وقوله : { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } ، أي إن قوم فرعون يتآمرون بقتلك ، أي يأمر بعضهم بعضاً بذلك . قال أبو عبيدة : يأتمرون : يتشاورون في قتلك . وقيل : معناه : يهمون بك وكذلك قوله تعالى : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } [ الطلاق : 6 ] أي هموا به وأعزموا عليه . ثم قال : { فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } ، أي من الناصحين في مشورتي عليك بالخروج ، { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } ، أي خائفاً من قتله النفس أن يقتل به ، يترقب : أي ينتظر الطلب أن يدركه . قال ابن إسحاق : خرج على وجهه خائفاً يترقب لا يدري أي وجه يسلك ، وهو يقول : { رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . وقال : { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } ، أي ولما جعل موسى وجهه قبل مدين قاصداً إليها { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ / ٱلسَّبِيلِ } ، أي قصد الطريق إلى مدين ، ولم يكن يعرف الطريق إلى مدين . قال : ويروى أنه لما دعا الله بذلك ، قيض له ملكاً سدده للطريق وعرفه إياها . قال ابن عباس : خرج موسى متوجهاً نحو مدين وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه ، فإنه قال : { عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } . قال ابن جبير : خرج موسى من مصر إلى مدين وبينهما مسيرة ثمان ، فلم يكن له طعام إلا ورق الشجر . قال : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } ، فما وصل إليها حتى وقع خف قدمه وكان بمدين يومئذ قوم شعيب . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } ، أي لما ورد موسى ماء مدين : { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } ، أي جماعة يسقون غنمهم { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } ، أي تحبسان غنمهما عن ورود الماء حتى يسقي الناس غنمهم إذ لم يتهيأ لهما مزاحمة الرجال على الماء . يقال : ذاد فلان غنمه : إذا حبسها أن تتفرق وتذهب . وكذلك ذاده إذا قاده . ومعنى قاده : حبسه على ما يريد ، فكانتا تحبسان غنمهما لأنهما لا طاقة لهما بالسقي ، وكانت غنمهما تطرد عن الماء . وقيل : المعنى كانت تذودان غنمهما عن الماء حتى يصدر الناس ثم تسقيان لضعفهما . وقيل : المعنى : كانت تذودان الناس عن غنمهما . { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } ، أي قال موسى للمرأتين : ما شأنكما وما أمركما في ذودكما غنمكما عن الماء . قال ابن عباس : قال لهما : ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس . قال ابن إسحاق : وجد لهما رحمة ودخلته فيهما خشية لما رأى من ضعفهما ، وغلبة الناس على الماء دونهما ، فقال لهما : ما خطبكما ؟ أي ما شأنكما لا تسقيان غنمكما . { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ } أي حتى يصدر الرعاء مواشيهم . { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أي لا يقدر يحضر فيسقي ، فاحتجنا أن نخرج ونحن نساء . ومن قرأ " يصدر " بفتح الياء : فمعناه يصدر الرعاء عن الماء ، ومن ضم فمعناه : حتى يصدر الرعاء مواشيهم عن الماء . ثم قال تعالى : { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } ، أي فسقى لهما موسى قبل الوقت الذي تسقيان فيه ثم تولى إلى الظل ، وهو الموضع الذي لن يكن عليه شمس . والفيء : الموضع الذي كانت عليه شمس ، ثم زالت ، والظل ها هنا : ظل الشجرة . وقال السدي : الشجرة : سمرة . روي أنه فتح لهما عن رأس بئر كان عليه حجر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس ثم استقى { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ } ، قاله مجاهد والسدي . قال السدي : أروى غنمهما فرجعتا سريعاً ، وكانتا إنما تسقيان . من فُضول الحياض . قال عمر بن الخطاب : لما فرغ الناس من سقيهم أعادوا الصخرة على البئر ، ولا يصير لرفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان : { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } ، فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم يستق إلا دلوا واحداً حتى رويت الغنم ، ورجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه و { تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } . { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } [ القصص : 25 ] ، واضعة ثوبها على وجهها { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } [ القصص : 25 ] ، قال لها : امشي خلفي وصفي لي الطريق ، فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فيصف لي جسدك ، فلما انتهى إلى أبيها { وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } [ القصص : 25 ] . { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } [ القصص : 26 ] . قال : يا بنية ما علمك بأمانته وقوته ؟ قالت : أما قوته : فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال ، وأما أمانته ، فقال لي : امشي خلفي وصفي لي الطريق ، فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك ، فيصف لي جسدك . قال عبد الرحمن بن أبي نعيم : قال لها أبوها : ما رأيت من قوته ؟ قالت : رأيته يملأ الحوض بسجل واحد ، قال : فما رأيت من أمانته ؟ قالت : لما دعوته : مشيت بين يديه ، فجعلت الريح تضرب ثيابي فتلتصق إلى جسدي فقال لي : كوني خلفي فإذا بلغت الطريق فآذنيني . وروى عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن سئلت / ، أي الأجلين قضى موسى ، فقل : خيرهما وأوفاهما ، وإن سئلت أي المرأتين تزوج ، فقل الصغرى منهما : وهي التي جاءت إليه ، وهي التي قالت : { يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ } " . قال ابن عباس : سأل النبي جبريل صلى الله عليهما وسلم : " أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما " . وروى عتبة بن المنذر السهمي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما أراد موسى فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها من نتاج غنمه ، ما يعيشون به فأعطاهما ما وضعت غنمه من قالب لون ذلك العام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلما وردت الحوض ، وقف موسى بإزاء الحوض ، فلم تمر به شاة إلا ضرب جنبها بعصاً ، فوضعت قوالب ألوان كلها ، ووضعت اثنين وثلاث كل شاة ووصف النبي عليه السلام أنه لا عيب في شيء منها من عيوب الغنم ، وقال : إذا فتحتم الشام وجدتم بقايا منها ، وهي السامرية " . قال ابن عباس : فجعل يغرف لهما في الدلو ماءً كثيراً حتى كانتا أول الرعاء رياً فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لما سقى الرعاء غطوا على البئر صخرة لا يقلعها إلا عشرة رجال ، فجاء موسى فاقتلعها ، فسقى لهما دلواً واحداً لم يحتج إلى غيرها . ثم قال تعالى : { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ، أي محتاج ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ولم يطلب أجراً على سقيه . روي أنه كان صلى الله عليه وسلم بجهد شديد فأسمع ذلك المرأتين تعريضاً لهما أن يطعماه مما به من شدة الجوع . والخير هنا شبعة من طعام ، قاله ابن عباس وغيره . قال ابن عباس : جاع موسى عليه السلام حتى كادت ترى أمعاؤه من ظاهر الصفاق . وقال : ورد الماء وإن خضرة البقل لترى في بطنه من الهزال . قال مجاهد : ما سأل ربه إلا الطعام . قال ابن عباس : لقد قال موسى { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ، وما أحد أكرم على الله جل ذكره منه ، ولقد افتقر إلى شق ثمرة ، ولقد لزق بطنه بظهره من الجوع ، والفعل من فقير ، فقر ، وافتقر .