Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 25-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } ، إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } ، أي فجاءته موسى إحدى المرأتين تمشي على استحياء . قيل : أتته مستترة بكم ذرعها ، واضعة يدها على وجهها . وقيل : على استحياء منه ، وفي الكلام حذف . والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما ، فخبرتاه بخبر موسى وسقيه ، فأرسل وراءه بإحداهما فجاءته تمشي على استحياء ، فقالت له : { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ } ، أي ليثيبك أجر سقيك غنمنا . { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } ، أي فمضى موسى معها ، فلما جاءه وأخبره خبره مع فرعون وقومه من القبط ، قال له شعيب : { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } ، ولم يكن لفرعون يومئذ سلطان على مدين وناحيتها . وقيل : إنه لم يكن شعيباً ، إنما كان مؤمناً جد أهل ذلك الماء والأول أشهر ، وفيه اختلاف سنذكره . قال ابن عباس : استنكر شعيب سرعة صدورهما بغنمهما ، فقال : إن لكما اليوم لشأناً ، فأخبرتاه الخبر ، فأرسل إحداهما خلفه . قال السدي : أتته تمشي على استحياء منه فقالت له : { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } ، فقام معها ، وقال لها : امشي فمشت بين يديه ، فضربتها الريح ، فنظر إلى عجيزتها ، فقال لها موسى : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت ، فلما جاء الشيخ ، وقص عليه خبره قال له : { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . وروي : أنه قال لها : إنا لا ننظر في أدبار النساء ، فأخبرت أباها بقوله . قال مالك : مشى خلفها ثم قال لها : امشي خلفي ، فإني عبراني لا أنظر في أدبار النساء ، فإن أخطأت فصفي لي الطريق ، فمشى بين يديها وتبعته ، ثم قالت إحداهما لأبيها { يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ } ، أي لرعي غنمك ، والقيام عليها { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } . وروي عن ابن عباس : أنه قال : لما قالت له { ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } اختطفته الغيرة فقال لها أبوها : وما يدريك ما قوته ، وأمانته ؟ فقالت له : أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلاً / ، قط أقوى في ذلك السقاء منه ، وأما أمانته فإنه نظر حين أقبلت إليه ، وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب برأسه فلم يرفعه ، ولم ينظر إلي حين بلغته رسالتك ، ثم قال لي : امشي خلفي ، وانعتي لي الطريق ، فلم يفعل ذلك إلا وهو أمين ، فسري عنه وصدقها ، فمعناه القوي على حفظ ماشيتك وإصلاحها ، الأمين عليها ، فلا تخاف منه فيها خيانة . وقيل : إنه رفع عن البئر حجراً لا يرفعه إلا فئام من الناس ، فتلك قوته . قاله مجاهد . وقيل : استقى بدلو لم يكن يرفعه إلا جملة من الناس . واسم إحدى المرأتين " ليا " والأخرى " صفور " وهي امرأة موسى ، وهي الصغيرة . وقيل : اسمها صوريا . قال ابن إسحاق : اسم إحداهما صقورة والأخرى شرقا . ويقال : ليا ، واختلف في أبيهما . فقال الحسن : يقولون هو شعيب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو عبيدة : هو بيرون بن أخي شعيب . وعن ابن عباس : أن اسمه يثرى . ثم قال تعالى : { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } . أي قال أبو المرأتين لموسى : إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ، أي على أن تثيبني من تزويجكها رعي ماشيتي ثماني سنين ، فجعل صداقها خدمته ثمانية أعوام ، وقد استشهد بعض العلماء على أن الاختيار أن يقال في الصدقات أنكحه إياها بقوله : { أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ } ، وهو عنده أولى من أنكحها إياه . ومنه قوله تعالى : " زوجناكها " ولم يقل زوجناها إياك . وقد قال مالك : إن من غيره نكاح البكر ما في القرآن ، قال الله عز وجل : { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ } ولم يذكر في هذا استشاراً . ثم قال له : { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } ، أي إن زدتني في الخدمة عامين حتى تصير إلى عشر فبإحسان منك ، وليس مما اشترطه عليك { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } ، باشتراطي ذلك عليك { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } ، أي ستجدني في إتمام ما قلت لك والوفاء به ، وفي حسن الصحبة من الصالحين . وفي هذا النكاح أشياء هي عند أكثر العلماء خصوص لموسى ومن زوجه ، من ذلك قوله { إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ } ، ولم يعينها ، وهذا لا يجوز إلا بالتعيين . ومن ذلك أن الأجرة لم تعين في خدمة ثمانية أعوام أو عشرة فهذا خصوص لموسى ومن زوجه عند أهل المدينة . وكذلك النكاح على عمل البدن لا يجوز لأنه غرر ، وفيه أنه دخل ولم ينقد شيئاً وقد أجازه مالك إذا وقع ، والأحسن أن ينقد شيئاً من جملة الصداق المعلوم المتفق عليه . ثم قال تعالى : { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } ، ما من " أيما " زائدة أي مضافة إلى الأجلين ، ومعناه أي قال موسى لأبي المرأتين ذلك واجب علي في تزويجي إحدى ابنتيك ، فما قضيت من هذين الأجلين فليس لك علي مطالبة بأكثر منه : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } ، هذا من قول أبي المرأة ، والتقدير : والله على ما أوجبه كل واحد منا على نفسه شهيد وحفيظ . قال ابن عباس : الجارية التي دعته هي التي تزوج . قال السدي : أمر أبو المرأتين إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصاً ، فأتته بعصاً كان قد استودعها عنده ملك في صورة رجل ، فلما رآها الشيخ قال : لا ، إيتيه بغيرها ، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها ، فلا يقع في يدها إلا هي ، وجعل يرددها فلا يخرج في يدها غيرها ، فأعطاها له ، فخرج موسى معه فرعى بها ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، وخرج يتلقى موسى ، فلما لقيه قال : أعطيني العصا ، فقال موسى : هي عصاي ، فأبى أن يعطيه فاختصما ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي يقضي بينهما ، فقال : ضعوها في الأرض ، فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ فرعاها له عشر سنين . قال ابن عباس : كان موسى أحق بالوفاء . قال كعب : تزوج موسى التي أتت تمشي على استحياء وقضى أوفى الأجلين . وقال ابن زيد : قال أبو الجارية لموسى : ادخل ذلك البيت ، فخذ عصاً تتوكأ عليها ، فدخل موسى ، فلما وقف على باب البيت ، طارت إليه تلك العصا فأخذها ، فقال / ، الشيخ : أرددها وخذ أخرى مكانها ، فردها ثم ذهب ليأخذ أخرى فطارت إليه كما هي ، فقال : أرددها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، فقال : أرددها ، فقال : لا آخذ غيرها اليوم ، فالتفت إلى ابنته ، فقال : يا بنية إن زوجك لنبي . قال عكرمة : كان آدم قد خرج بعصا موسى من الجنة ، ثم قبضها بعد ذلك جبريل صلى الله عليه وسلم فلقي بها موسى ليلاً ، فدفعها إليه . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } ، أي العشر سنين . وروي : أنه زاد مع العشر عشراً . قاله مجاهد ، وابن جريج . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سألت جبريل عليه السلام : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأكملهما " ومعنى { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أي انصرف بامرأته شاخصاً إلى مصر { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } ، أي أحس وأبصر من جانب الجبل الذي اسمه الطور ناراً { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } ، أي تمهلوا وانتظروا لعلي آتيكم من النار بخبر ، أي أعلم لم أوقدت { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } ، أي قطعة غليظة من الحطب فيه نار لكم . { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } ، أي تتسخنون من البرد الذي بكم . وروي أن موسى عليه السلام كان رجلاً غيوراً لا يصحب الرفاق ، فأخطأ الطريق بالليل للأمر الذي أراده الله ، فرأى بالليل ناراً فقال لأهله : أقيموا لعلي آتيكم من عند هذه النار بخبر يدلنا على الطريق { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } ، كان بهم برد بالليل ، { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ … يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ القصص : 30 ] ، وأمر أن يلقي عصاه على ما أعلمنا الله به .