Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 30-38)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي } ، إلى قوله : { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } ، أي فلما أتى موسى النار ، نودي من شاطئ الوادي أي من عدوته وجانبه الأيمن ، أي مِن على يمين موسى { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } ، أي المطهرة ، لأن الله كلم موسى فيها وقوله { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } سئل بعض العلماء عن هذا فقال : كلمة من فوق عرشه ، وأسمعه كلامه من الشجرة . قال قتادة : من عند الشجرة وهي عوسج . وقال وهب بن منبه : هي العليق . وقيل : هي سمرة . وقيل : كانت عصا موسى من عوسج ، والشجرة من عوسج . وقوله : { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي نودي بهذا ثم قال تعالى : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي ونودي بأن إلق عصاك ، فألقاها موسى ، فصارت حية تسعى ، فلما رآها موسى تهتز ، أي تتحرك كأنها جان ، الجان نوع معروف من الحيات ، وهي منها عظام { وَلَّىٰ مُدْبِراً } ، أي هارباً منها { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ، أي لم يرجع على عقبيه . قال قتادة : لم يلتفت من الفرق . روي أنه لما ألقاها صارت ثعباناً ، فلم تدع صخرة ولا شجرة إلا ابتلعتها حتى سمع موسى صريف أسنانها ، فحينئذ ولى مدبراً خائفاً ، فناداه ربه لا إله إلا هو : { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } ، فذهب عنه الخوف ، وكان سنه في ذلك الوقت أربعين سنة ، ثم أمر بأن يدخل يده في جيبه ، ففعل ، فخرجت نوراً ساطعاً ، وأمر بضم يده إلى صدره من الخوف ، ففعل فذهب خوفه . وروي : أنه ليس من خائف يضم يده إلى صدره إلا نقص خوفه ، وقوله : { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ } ، أي قال الله : يا موسى أقبل إلي ولا تخف من الذي تهرب منه { إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } ، من أن تكون تضرك إنما هي عصاك . قال وهب : قيل له : ارجع إلى حيث كنت ، فرجع ، فلف ذراعته على يده فقال له الملك : أرأيت إن أراد الله جل ثناؤه أن يصيبك بما تحذر ، أينفعك لفك يدك ؟ فقال : ولكني ضعيف خلقت من ضعف ، فكشف يده ، فأدخلها في فم الحية ، فعادت عصاً . وقيل : إنه أدخل يده في فم الحية بأمر الله فعادت عصاً . ثم قال تعالى : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، أي أدخل يدك في جيب قميصك تخرج بيضاء من غير برص ، قاله قتادة . قال الحسن : فخرجت كأنها المصباح ، فأيقن موسى أنه لقي ربه . { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } ، قال ابن عباس ومجاهد : يعني يده . وقال ابن زيد : الجناح : الذراع ، والعضد والكف ، واليد . قال الضحاك عن ابن عباس : معناه أدخل يدك فضعها على صدرك حتى يذهب عنك الرعب . قال / ، ابن عباس : فليس من أحد يدخله رعب بعد موسى ، ثم يدخل يده فيضمها إلى صدره ، إلا ذهب عنه الرعب . وقال الفراء : الجناح هنا : العصا ، وهذا قول شاذ . وحكى أهل اللغة أن الجناح من أسفل العضد إلى آخر الإبط ، وربما قيل لليد : جناح . وقد قال أبو عبيدة : جناحك : يدك . وقوله : { مِنَ ٱلرَّهْبِ } أي من الخوف والفزع الذي داخلك من الحية . ثم قال : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ } أي فهذان اللذان أريناك برهانان من ربك ، أي آيتان وحجتان إلى فرعون وملإه على نبوتك يعني اليد والعصا . وحكى بعض أهل اللغة : في " ذا " المد والقصر ، ذاء وذا . ثم قال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } ، أي خارجين عن الإيمان . و " من " في قوله : " من الرهب " متعلقة " بيعقب " أي ولم يعقب من الرهب . وقيل : هي متعلقة " بولى مدبراً من الرهب " . ثم قال تعالى ذكره : { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } ، أي إني أخاف إن آتيتهم فلم أبن عن نفسي أن يقتلون بالنفس التي قتلت ، وكانت في لسانه عقدة لا يبين معها ما يريد من الكلام فقال : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } ، أي أحسن مني بياناً { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } ، أي عوناً يصدقني . قاله مجاهد وقتادة ، وهو قول أهل اللغة . يقال أردأته : أي أعنته ومن فتح الدال فعلى تخفيف الهمزة . وقيل : إنما سأل موسى في إرسال أخيه معه ، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخبر كانت النفس إلى تصديقهما أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد . قاله ابن زيد . وعن ابن عباس { رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } : كي يصدقني . وقال مسلم بن جندب : الردء : الزيادة . وقال السدي : كيما يصدقني إني أخاف أن يكذبون فيما أرسلتني به إليهم ، ومن جزم " يصدقني " جعله جواباً للطلب ، ومن رفع فعلى الاستئناف . وتقف على " ردءاً " ويجوز الرفع على أن تجعله نعتاً لردءاً ، أي ردءاً مصدقاً ، ويجوز أن تجعله حالاً من الهاء في " فأرسله " ولا تقف على هذين الوجهين على رداً . ثم قال تعالى ذكره : { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } ، أي قال الله جل ذكره لموسى : سنشد عضدك بأخيك أي نقويك ، ونعينك بأخيك . وذكر العضد لأن قوة اليد بالعضد { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } ، أي حجة فلا يصلون إليكما ، أي لا يصل فرعون وقومه إليكما بضر . وقوله : " بآياتنا " متعلقة " بسلطان " والمعنى : ونجعل لكما حجة بآياتنا يعني العصا واليد . فلا تقف على هذا التقدير على " إليكما " . وقيل : التقدير فلا يصلون إليكما بآياتنا تمتنعان بآياتنا فلا تقف أيضاً على " بآياتنا " إلا أن تقدر الفعل في ابتدائك فتقف على " إليكما " . وقال الأخفش والطبري : التقدير : أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا ، ثم قدمت الآيات ، وهذا لا يجوز لأنه تقديم صلة على موصول ، وقد أجازه الأخفش ، على أن يكون بياناً مثل : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } فعلى هذا تقف على { إِلَيْكُمَا } . ويروى : أن الله جعل في الحية التي انقلبت من العصا عِظمَاً وقوة ، ما لو تركت على فرعون وقومه لأهلكتهم ، فكانوا من خوف هذه الحية ، ولما شاهدوا من عِظمها لا يتجرءون على قتل موسى وهارون ولا يطمعون في الوصول إليهما بسوء ، فذلك قوله عز وجل : { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ } ، أي لا يتجرءون على قتلكما مع ما ظهر إليهم من عظم الآيات والخوف منها على أنفسهم ، يشغلهم الخوف من عظيم ما عاينوا عن أن يقدروا على أذى موسى وهارون . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } ، أي قال فرعون وقومه : ما هذا الذي جئتنا به يا موسى إلا سحر افتريته ، أي تخرصته من عند نفسك ، وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في أسلافنا الأولين . قال لهم موسى : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } ، أي ربي أعلم بالمحق من المبطل وبمن جاء بالرشاد { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } ، أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة منا { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } ، وهذه مخاطبة جميلة من موسى عليه السلام لفرعون ، فترك موسى أن يقول له : بل الذي غر قومه ، وأهلك جنده ، وأضل أتباعه ، أنت لا أنا ، ورجع إلى ملاطفته فقال : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ / عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } ، فبالغ موسى بهذا في ذم فرعون وقومه بخطاب جميل . ثم قال تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } ، أي قال ذلك فرعون لأشراف قومه لئلا يصدقوا موسى فيما جاءهم به من عبادة الله . { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ } ، يريد عمل الآجر ، وهو أول من عمله وبنى به { فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } ، ابن لي بنياناً مرتفعاً { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } أي انظر إلى معبود موسى الذي يدعونا إلى عبادته { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } ، أي أظن موسى فيما يقول : إن له معبوداً ، كاذباً . والظن هنا شك ، فكفر الملعون بالشك . قال السدي : فبنى له هامان الصرح ، وارتقى فوقه فأمر بنشابة ، فرماها نحو السماء فردت عليه وهي ملطخة دماً ، فقال : قد قتلت إله موسى . تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .