Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 39-48)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } إلى قوله : { إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } ، أي تجبَّر فرعون وقومه ، في أرض مصر عن تصديق موسى واتِّباعه على توحيد الله وعبادته بغير الحق أي تعدياً وعتواً على ربهم وظنوا أنهم لا يبعثون بعد مماتهم ، وأنه لا ثواب ولا عقاب . ثم قال تعالى : { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } ، أي أخذنا فرعون وجنوده فأغرقناهم في البحر ، فانظر يا محمد { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي انظر بعين قلبك ، وفكر بفهمك ، فكذلك نفعل بمن كذبك فقتلهم الله بالسيف . ثم قال تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } ، أي جعل الله فرعون وقومه أئمة للضلال ، يأتم بهم أهل العتو على الله ، يدعون الناس إلى الضلال الذي هو سبب الدخول إلى النار . { وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } . أي لا ينصرهم من عذاب الله أحد ، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون . ثم قال تعالى : { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } . أي ألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا حزناً وغضباً ، وبعداً من الله { وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } . قال قتادة : لعنوا في الدنيا والآخرة وهو مثل قوله : { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } [ هود : 99 ] . قال ابن جريج : { هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } مستأنف " فأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة لعنة " . فيجب على قوله : أن يقف القارئ على { القِيَامَةِ } ، والوقف عند نافع : " لعنة " . ومعنى { مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } ، أي من الذين قبحهم الله وأهلكهم بتكذيبهم رسوله موسى عليه السلام . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } ، . أي ولقد أعطينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمم التي كانت قبله ، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، وغير ذلك من الأمم . { بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ } ، أي ضياء لبني إسرائيل في أمر دينهم . { وَهُدًى } ، أي وبياناً { وَرَحْمَةً } لمن عمل به منهم . { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، أي يتذكرون نعم الله بذلك عليهم فيشكرونه ، ولا يكفرون . قال أبو سعيد الخدري : ما أهلك الله جل ذكره بعذاب من السماء ولا من الأرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الأرض ، غير القرية التي مسخ أهلها قردة ، ألم تر أن الله يقول : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً } . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } ، هذا الكلام تضمن إضماراً دل عليه المعنى . والمعنى : لم تكن يا محمد في جانب الغربي إذ قضينا إلى موسى أمرك ، وذَكَرْنَاكَ بخير ذكر ، لأن هذا الكلام لا يستعمل إلا في رجل جرى ذكره إما بخير أو بشر ، ولا يذكر الله نبيه إلا بخير ، ووصى باتِّباعِهِ إذا بعث ، دل على ذلك قوله : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } ، فنسوا الوصية وتركوها لطول الزمان عليهم . وقوله : { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } ، أي لم تكن يا محمد بحاضر لما وصاهم الله به في أمرك . وقيل : الشهود بمعنى الشهادة أي لم تكن بشاهد عليهم فيما وصاهم به من أمرك / ، والإيمان بك . وقوله : { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } ، إيماء إلى نقضهم العهد ، وتركهم للوصية بالإيمان بمحمد عليه السلام وما يأتيهم به ، وقد أخبرنا أن محمداً تجده اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل ويجدون صفته . يروى : أن الله أعلم موسى صلى الله عليه وسلم أنه يبعث نبياً من ولد إسماعيل يسمى محمداً ، وأنه أخذ ميثاقه على أمة موسى أن يؤمنوا به ، فطالت عليهم الأزمنة فنسوا ما عهد إليهم به . فالمعنى : أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ، أي فرغنا إلى موسى الأمر ، يعني ما ألزم الله تعالى موسى وقومه ، وعهد إليهم من عهده . { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } ، أي لم تشهد يا محمد ذلك ولم تحضره . قال قتادة وابن جريج : { بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } أي بجانب غربي الجبل . وقيل : المعنى : لم تكن يا محمد في ذلك المكان إذ أعلمنا موسى أن أمة محمد خير الأمم . { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } ، أي لم تشهد يا محمد ذلك ولم تحضره . وقال أبو عبيدة : { بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } حيث تغرب فيه الشمس والقمر والنجوم . ثم قال تعالى : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } ، أي خلقنا أمماً من بعد ذلك فتطاول عليهم العمر . { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } ، أي مقيماً فيهم . { تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } ، أي لم تشهد يا محمد شيئاً من ذلك ، أي ما ابتليت يا محمد بشيء من ذلك بل الثاوي شعيب وهو المبتلى بهم . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } ، أي إذ نادينا موسى بقولنا : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ } [ الأعراف : 156 ] إلى قوله : { ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف : 157 ] . وقيل : نادى الله جل ذكره : يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، ورحمتكم قبل أن تسترحموني ، فقال موسى : يا رب جعلت وفادتي لغيري . وذلك حين اختار موسى قومه سبعين رجلاً للميقات . وقال أبو زرعة : رواه الأعمش عن علي بن مدرك عنه : نادى أمة محمد : أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وأجبتكم قبل أن تدعوني . وأسند أبو زرعة هذه الألفاظ عن أبي هريرة ، وأسنده إبراهيم بن عرفة إلى أبي هريرة أيضاً . ثم قال : { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } رحمة نصب على المصدر عند الأخفش والتقدير : ولكن رحمة ربك رحمة ، وهو مفعول من أجله عند الزجاج أي فعلنا ذلك للرحمة وهو عند الكسائي خبر كان مضمرة ، والتقدير : ولكن كان ذلك رحمة ، والمعنى : لم تشهد ذلك يا محمد ، فتعلمه ، ولكن : عرفناكه ، وأنزلناه عليك ، واقتصصنا ذلك كله عليك في كتابنا ، وابتعثناك بما أنزلنا إليك من ذلك رسولاً إلى من ابتعثناك إليه رحمة لك ولهم : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } ، يعني العرب . { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، فيظهر لهم خطأ ما هم عليه من الكفر . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ، جواب لولا محذوف . والتقدير : لولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلناك إليهم يا محمد إذا حل عليهم العذاب على كفرهم قبل إرسالك إليهم ، هلا أرسلت إلينا رسولاً من قبل أن يحل بنا سخطك { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، لعاجلهم العذاب . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } أي فلما جاء هؤلاء الذين لم يأتهم من قبلك يا محمد رسول الحق من عندنا وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الله إليهم . قالوا تمرداً على الله وتمادياً في الغي : هلا أوتي محمد مثل ما أوتي موسى من الكتاب ، فقال الله جل ذكره لنبيه : قل لهم يا محمد أو لم يكفر الذين علموكم هذه الحجج من اليهود بما أوتي موسى من قبل . قال مجاهد : يهود تأمر قريشاً أن تسأل محمداً مثل ما أوتي موسى عليه السلام . يقول الله جل ذكره لمحمد : قل لقريش تقول لهم : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } . وقيل : معنى { مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } ، يعنون به العصا وانفلاق البحر / ، { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } ، أي قالت اليهود موسى وهارون عليهما السلام ساحران تعاونا على السحر ، قاله مجاهد . وقال الحسن : عيسى ومحمد عليهما السلام . ومن قرأ : " سحران " فمعناه : التوراة والفرقان . قاله ابن عباس وابن زيد . وقال عكرمة : التوراة والإنجيل . وقال الضحاك : الإنجيل والقرآن . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } ، أي بما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم وغيره نكفر . يقول ذلك أهل الكتاب .