Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 49-55)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، إلى قوله : { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } ، أي قل يا محمد للقائلين في التوراة والإنجيل إنهما { سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } أو محمد وموسى ، أو موسى وهارون إنهما ساحران ، { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ } ، من هذين الكتابين أو من هذين الرسولين ، وإذا جعلت " منهما " للرسولين ، فعلى قراءة من قرأ لساحران لا بد من حذف ، والتقدير هو أهدى من كتابيهما { أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أي إن جئتم بالكتاب أتبعه إن كنتم صادقين في قولكم : { سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } . ثم قال تعالى : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } ، أي إن لم يجيبوك إلى ما تدعوهم إليه من الإتيان بكتاب ، فاعلم أنهم إنما يتبعون أهواءهم في كفرهم وجحدهم لكتب الله وأنبيائه . ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي من أضل عن طريق الرشد ممن اتبع هواه بغير بيان عنده من الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي لا يوفقهم لإصابة الحق ، أي لا أحد أضل ممن هذه صفته . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، أي ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ، ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين ، والنبأ عما أحللنا بهم من العقوبات ، إذ كذبوا الرسل { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، أي يتفكرون ، ويعتبرون . وأصل " وصلنا " من وصل الجبال بعضها ببعض . قال أبو عبيدة : وصَّلْنا أتممنا . قال قتادة : معناه : وصَّلْنا لهم خبر من مضى بخبر من يأتي . وقال ابن عيينة وصَّلنا : بَيَّنَّا . وقال ابن زيد : وصّلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة ، حتى كأنهم عاينوا الآخرة وشهدوها وهم في الدنيا ، بما نريهم من الآيات في الدنيا . قال مجاهد : وصّلنا لهم : يعني قريشاً . وقيل : عني به اليهود . وقرأ الحسن : " وصلنا " بالتخفيف . وقيل : معنى { وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } أي جعلنا بعضه ينزل إثر بعض مشاكلاً بعضه لبعض في باب الحكمة وحسن البيان . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } ، يعني من آمن بمحمد عليه السلام من أهل الكتاب . قال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب ، كانوا على شريعة من الحق يأخذون بها وينتهون ، حتى بعث الله جل ثناؤه محمداً آمنوا به وصدقوه ، فأعطاهم الله أجرهم مرتين بصبرهم على الكتاب الأول ، واتباعهم محمداً صلى الله عليه وسلم ، وصبرهم على ذلك . وقيل : أعطاهم الله أجرهم مرتين بإيمانهم ببعث محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثه ، وإيمانهم به بعد بعثه ، فبصبرهم على ذلك أعطوا أجرهم مرتين . ويقال : إن منهم سلمان ، وعبد الله بن سلام . قال الضحاك : هم ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل ، ثم أدركوا محمداً فآمنوا به ، فآتاهم الله أجرهم مرتين بإيمانهم بمحمد قبل أن يبعث ، وباتباعهم إياه حين بعث ، فذلك قوله عنهم : { إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } . وقال الزهري : هم النجاشي وأصحابه وجه باثني عشر رجلاً ، فجلسوا مع النبي عليه السلام ، وكان أبو جهل وأصحابه قريباً منهم ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قاموا من عنده ، تبعهم أبو جهل ومن تبعه فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب ، وقبحكم من وفد ، لم تلبثوا أن صدقتموه ، وما رأينا ركباً أحمق ولا أسفل منكم ، فقالوا : سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشداً { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } . وقوله : { إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } ، أي من قبل إتيان محمد لأنا وجدنا صفته في كتابنا فآمنا به ، ثم بعث فآمنا به . والهاء في " قبله " تعود على / ، النبي عليه السلام ، أو على القرآن ، فالتقدير : وإذا يتلى عليهم القرآن قالوا : آمنا به إنه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبل هذا القرآن - أي من قبل نزوله - مسلمين . وقيل : نزلت في عشرين رجلاً من النصارى ، قدموا على النبي عليه السلام وهو بمكة حين بلغهم خبره ، فوجدوه في المجلس ، فجلسوا إليه ، وكلموه وساءلوه . ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا عن مسألتهم له فيما أرادوا ، دعاهم النبي عليه السلام إلى الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن ، فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله وآمنوا ، وصدقوا ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ، فلما قاموا عنه ، اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ، ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده ، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ، ما نعلم ركباً أحمق منكم ، فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيراً . وقيل : كانوا ثمانين رجلاً ، منهم أربعون من نصارى نجران واثنان وثلاثون من نصارى الحبشة ، وثمانية من الروم ، وفيهم نزل من قوله : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } إلى قوله : { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } . ثم قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } ، وقد تقدم تفسير هذا في الآية التي قبل هذه . ثم قال : { وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } ، أي ويدفعون بالحسنة من أعمالهم السيئة ، أي يدفعون بالاستغفار والتوبة : الذنوب . وقال الزجاج : ويدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات . وقوله : { بِمَا صَبَرُواْ } قال قتادة : صبروا على الكتاب الأول ، وعلى اتباع محمد ، وهو قول ابن زيد . وقيل : صبروا على الإيمان بمحمد قبل أن يبعث ، وعلى اتباعه بعد أن بعث ، قاله الضحاك . وعن مجاهد : في قوله : { يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } ، أنها نزلت في قوم مشركين أسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم ، فأعطوا أجرهم مرتين بصبرهم . ثم قال تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } ، أي وإذا سمع هؤلاء الذين أوتوا الكتاب اللغو : وهو الباطل من القول ، أعرضوا عنه . وقيل : المعنى إذا سمعوا ما زيد في كتاب الله وغير مما ليس منه ، أعرضوا عنه ، قاله ابن زيد . وقال مجاهد : هم ناس من أهل الكتاب أسلموا ، فكان المشركون يؤذونهم ، فكانوا يصفحون عنهم ويقولون : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } فمعنى { أَعْرَضُواْ عَنْهُ } لم يصغوا إليه ولا التفتوا . { لَنَآ أَعْمَالُنَا } أي قد رضينا بها لأنفسنا { وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ، أي قد رضيتم بها لأنفسكم { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } ، أي أمنة لكم منا أن نسابكم أو تسمعوا منا ما لا تحبون { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } ، أي لا نريد محاورة أهل الجهل . وقيل : معناه : لا نطلب عمل أهل الجهل . وقال بعض العلماء : الآية منسوخة ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الابتداء بالسلام على الكفار . وهذا لا يصح لأن الآية ليست من السلام الذي هو تحية ، إنما هو من المتاركة والمباراة . وقال جماعة : هي منسوخة بالأمر بالقتال . وقيل : الآية محكمة ، وإنما هذا قول حسن ومخاطبة جميلة .