Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-63)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } إلى قوله : { إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } ، أي إنك يا محمد لا تهدي من أحببت هدايته ، ولكن الله يهدي من يشاء هدايته من خلقه ، فيوفقه للإيمان . { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } ، أي والله أعلم بمن سبق له في علمه أنه يهتدي للرشاد . ويروى : أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع عمه أبو طالب من إجابته إذ دعاه إلى الإيمان . روى أبو هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب عند الموت : قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة . قال : لولا أن تعيرني / ، قريش . يقولون ما حمله إلا جزع الموت أقرت عينك بها ؟ فنزلت { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } ، الآية " . وروى سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال : " لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله : يا عم : قل لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله ، فقال أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ، ويعيد تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأستغفرن لك ، ما لم أنه عنك " فأنزل الله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } الآية . وأنزل : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } الآيات " . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : نزلت في أبي طالب على ما ذكرنا . ثم قال تعالى : { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } ، أي وقال كفار قريش : إن نتبع الذي جئتنا به ، ونتبرأ من الأنداد والآلهة : يتخطفنا الناس من أرضنا ، لاجتماع جميعهم على خلافنا ، وحربنا ، يقول لهم الله جل ذكره : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } أي نوطئ لهم بلداً : حرم فيه سفك الدماء ، ومنع من أن يتناول سكانه فيه بسوء ، وأمن أهله من أن تصيبهم فيه غارة أو قتل أو سبي . قال ابن عباس : كان من أحدث حدثاً في بلد غير الحرم ، ثم لجأ إلى الحرم أمن إذا دخله ، ولكن لا ينبغي لأهل مكة أن يبايعوه ، ولا يطعموه ، ولا يسقوه ، ولا يؤووه ، ولا يكسوه ، فإذا خرج من الحرم أخذ وأقيم عليه الحد . قال : ومن أحدث فيه حدثاً أخذ بحدثه فيه . قال مجاهد : إذا أصاب الرجل الحد في غير الحرم ، ثم أتى الحرم ، أخرج من الحرم ، فأقيم عليه الحد ، وإن أصاب الحد في الحرم أقيم عليه الحد في الحرم . وقال ابن جبير : نحوه ، وأكثر الفقهاء : على أن الحد يقام في الحرم على من وجب عليه حد أحدثه في الحرم أو غير الحرم ، ولا يمنع الحرم من الحق من حقوق الله ، ولا من حق أوجبه الله ، فالمعنى : أن من مكن لكم حرماً آمناً ، لا يتعدى على أحد فيه ، قادر على أن يمنع منكم من خالفكم في الدين إن آمنتم ، لأنهم اعتذروا أنهم يخافون أن تجتمع عليهم العرب ، فتقتلهم إن آمنوا أو خالفوا دين العرب ، فأعلمهم أن من جعل لكم الحرم آمناً يقدر على أن يمنعكم من العرب إن آمنتم . قال ابن عباس : " الحارث بن نوفل هو الذي قال : { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } . قوله : { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } ، أي تجبى إليه من كل بلد . { رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } ، أي رزقاً لهم من عندنا . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، نعم الله عليهم . ثم قال تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } ، أي وكثير من القرى أهلكنا أهلها ، و { كَمْ } في موضع نصب بـ { أَهْلَكْنَا } ، و { مَعِيشَتَهَا } ، نصب على حذف " في " . والتقدير عند " المازني " بطرت في معيشتها ، ونصبه عند الفراء على التفسير ، ونظيره { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 130 ] { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } [ النساء : 4 ] . والبطر : الأشر في النعمة { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ } ، أي دورهم : { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } ، أي إلا وقتاً قليلاً ، فتلك إشارة إلى مساكن عاد بناحية الأحقاف واليمن . وإلى منازل ثمود بناحية وادي القرى ، ومساكن قوم لوط بالمؤتفكات وغير ذلك من مساكن الأمم المهلكة . وقيل : المعنى لم يسكن منها إلا القليل ، وباقيها خراب ، والمعنى : إلا قليلاً منها فإنه سكن . { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } ، أي لا وارث لهم فيها . ثم قال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } ، أي لم يكن ربك يا محمد مهلك القرى التي حوالي مكة في زمانك وعصرك { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } أي في مكة / لأنها أم القرى . { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } ، أي القرآن ، والرسول محمداً صلى الله عليه وسلم . { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } ، أي لم نكن مهلكي القرى وهي بالله مؤمنة ، إنما نهلكها بظلمها أنفسها . ثم قال تعالى : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي ما أعطيتم من شيء من مال وأولاد ، فإنما هو متاع تتمتعون به في هذه { ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } . ليس مما يغني عنكم شيئاً ، ولا ينفعكم شيء منه في معادكم ، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ } ، مما متعتم به في الحياة الدنيا ، وإبقاء لأهل طاعته وولايته لأنه دائم لا نفاذ له . وقيل معناه : خير ثواباً وإبقاء عندنا . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، أي أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها فتعرفون بها الخير من الشر ، وتختارون لأنفسكم خير المنزلتين . ثم قال تعالى : { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ } ، أي أفمن وعده الله من خلقه على طاعته إياه أن ينجز له ما وعده { فَهُوَ لاَقِيهِ } لاق ما وعد به ، كمن متعه الله في الدنيا متاعاً زائلاً { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } ، أي من المشهدين عذاب الله وأليم عقابه . وقال قتادة : هو المؤمن يسمع كتاب الله جل وعز وصدق به ، وآمن بما وعده الله فيه . { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، وهو الكافر { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } ، عذاب الله . قال مجاهد : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي جهل بن هشام لعنه الله . وعن مجاهد أيضاً : أنها نزلت في حمزة ، وعلي ، وأبي جهل . وقيل : نزلت في حمزة وأبي جهل . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ، أي ويوم ينادي رب العزة الذين أشركوا به في الدنيا ، فيقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ، في الدنيا أنهم لي شركاء ، فالمعنى : أين شركائي على قولكم وزعمكم ؟ وهذا النداء إنما هو على طريق التوبيخ لهم ، وإلا فقد عرفوا في ذلك اليوم بطلان ما كانوا عليه ، وعرفوا أن أولئك الشركاء الذين كانوا يعبدون لا ينفعونهم بشيء . قوله تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، أي وجب عليهم العذاب والغضب واللعنة . قال قتادة : هم الشياطين يعني الذين يغوون الناس . وقيل : { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } وجبت عليهم الحجة فعذبوا . { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ } ، أي دعوناهم إلى الغي ، { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } ، أي أضللناهم كما ضللنا . { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ } ، أي تبرأ بعضنا من بعض وعاداه ، وهو قوله تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . قوله : { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } ، أي ما كانوا يعبدوننا . وقيل : هم دعاة الكفار إلى الكفر من الإنس .