Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 64-75)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } ، إلى قوله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، أي وقيل للمشركين : ادعوا شركاءكم الذين كنتم تدعون في الدنيا من دون الله ، { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } ، أي لم يجيبوهم بحجة ، وأضاف الشركاء إليهم لأنهم اختلقوهم وأضافوهم إلى العبادة . وقوله : { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } ، أي فودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون للحق في الدنيا . وقيل : المعنى لو أنهم كانوا يهتدون لما اتبعوهم لما رأوا العذاب . وقيل : التقدير لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لأنجاهم الهدى . ثم قال تعالى : : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، أي يوم ينادي الله لهؤلاء المشركين فيقول لهم : { مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، الذين أرسلوا إليكم يدعونكم إلى توحيد الله . ثم قال تعالى : { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ } ، أي خفيت عليهم الأخبار . وقيل المعنى : فعميت عليهم الحجج فلم يدروا بما يحتجون . قاله مجاهد . وقال ابن جريج : { مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } : بلا إله إلا الله / هي التوحيد . وقيل : إنهم تجبروا فلم يدروا ماذا يجيبون لما سئلوا . وقوله : { فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } ، أي بالأنساب والقرابة ، قاله مجاهد . ثم قال تعالى : { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } ، أي من تاب من شركه ، وآمن وعمل بما أمره الله ورسوله : { فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } ، أي من المنجيين المدركين طلبتهم عند الله الخالدين في جنانه ، و " عسى " من الله واجب . ثم قال تعالى : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } ، أي يخلق ما يريد ، ويختار الرسل ، { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي ليس يرسل الرسل باختيارهم : أي باختيار المشركين ، فالوقف على هذا المعنى { وَيَخْتَارُ } ، و " ما " نافية . قال علي بن سليمان : لا يجوز أن تكون " ما " في موضع نصب ، لأنه لا عائد عليها . وفي كون ما للنفي رد على القدرية ، ولو كانت " ما " في موضع نصب لكان ضميرها اسم كان ، في كان مضمراً ، وللزم نصب { ٱلْخِيَرَةُ } ، على خبر كان . وأجاز الزجاج : أن تكون " ما " في موضع نصب بيختار وتقدر حذفاً من الكلام ، والتقدير : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة ، فلإتمام على هذا القول على و { يَخْتَارُ } ، ولا يوقف إلا على { ٱلْخِيَرَةُ } . وجعل " ما " نافية ، والوقف على { وَيَخْتَارُ } . وهو مذهب أكثر العلماء . وكان الطبري ينكر أن تكون " ما " نافية ، ولا يحسن عنده أن تكون " ما " إلا في موضع نصب بمعنى الذي ، والتقدير عنده : ويختار لولاية الخيرة من خلقه من سبقت له منه السعادة ، وذلك أن المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم ، فيجعلونها لآلهتهم . فقال الله : وربك يا محمد { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } ، أن يخلقه ، ويختار للهداية من خلقه من سبق له في علمه . السعادة نظير ما كان من اختيار هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم وقد قال ابن عباس في الآية : كانوا يجعلون لآلهتهم خيار أموالهم . فالطبري : يجعل " ما " لمن يعقل بمعنى " الذي " ويقدر رفع " الخيرة " بالابتداء { لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } ، والجملة خبر كان وشبهه بقولك : " كان زيد أبوه منطلق " وهذا كلام لا وجه له ولا معنى لأنه عائد يعود على اسم كان ، فإن قدرت فيه محذوفة جاز على بعد ، وكان هو خبر " الخيرة " ، ولهم . ملغى وأحال الطبري كون " ما " للنفي لأنها لو كانت للنفي لكان المعنى : أنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول الآية ، ولهم ذلك فيما يستقبلون ، لأنك إذا قلت : " ما كان لك هذا " كان معنى الكلام : لم يكن فيما مضى وقد يكون له فيما يستقبل . قال أبو محمد مؤلفه رضي الله عنه : وهذا لا يلزم ، بل هي نفي عام في الماضي والمستقبل ، وقد أجمع أهل اللغة على أن " ما " تنفي الحال والاستقبال كليس . ولذلك عملت عملها . دليله : قوله تعالى : { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } [ البقرة : 114 ] . وقوله : { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } [ الأحزاب : 38 ] فهذا نفي عام في الماضي والمستقبل ، ولو كان الأمر على ما أصل الطبري لكان لهم دخولها فيما يستقبل غير خائفين ، ولكان على النبي الحرج فيما فرض الله له فيما يستقبل ، وهذا كثير في القرآن على خلاف ما تأول الطبري وأحاله أيضاً ، لأنه لم يتقدم كلام يكون هذا نفي له ، وهذا لا يلزم لأن الآي إنما كانت تنزل على ما يسأل النبي عليه السلام عنه وعلى ما هم عليه مصرون من الأعمال السيئة . وعلى ذلك أكثر أي القرآن ، فلا يلزم أن يكون قبل كل آية تفسير ما نزلت فيه ومن أجله . ثم قال : { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } ، أي ما يسرون وما يظهرون ، أي يختار من شاء من خلقه للرسالة ، لأنه يعلم سرهم وظاهرهم ، فهو يختارهم من خلقه على علم بهم . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، أي والمعبود هو الله لا معبود غيره { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } ، أي في الدنيا والآخرة { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } ، أي فصل القضاء بين خلقه . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي تردون بعد مماتكم فيقضي بينكم بالحق . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ، أي دائماً لا نهار إلى يوم القيامة . والعرب تقول لكل ما كان متصلاً لا ينقطع من رخاء أو بلاء : هو سرمد . وقوله : { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ } / ، أي من معبود غير الله يأتيكم بضياء النهار { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } ، ما يقال لكم فتتعظون . قال أبو إسحاق : بضياء : أي بنهار تتصرفون فيه في معاشكم . وكذلك قوله في النهار فمن { يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ } ، أي تهدءون وتستريحون من حركاتكم ، فلو كان أحدهما دائماً لهلك الخلق ، ولكنه تعالى خلق للخلق الليل والنهار رحمة للخلق ، وهو قوله : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } ، أي في الليل ، ولتبتغوا من فضله ، يعني في النهار { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، فعل ذلك ، أي خلق لكم ذلك لتنتفعوا به ولتشكروا على ما فعل بكم من الرفق . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ، أي ويوم يناديهم ربك يا محمد فيقول لهم : أين شركائي الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي ؟ والمعنى : أين شركائي على زعمكم وقولكم ؟ . ثم قال تعالى : { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } ، أي أخرجنا من أمة شهيداً منهم ليشهد عليهم بأعمالهم . يقال : إنهم عدول الآخرة يشهدون على العباد بأعمالهم في الدنيا . ويروى : أن كل قرن لا يخلو من شهيد يشهد عليهم يوم القيامة بأعمالهم . وقيل المعنى : أحضرنا من كل أمة نبيها الذي يشهد عليها بما فعلت . قاله قتادة ومجاهد . { فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } ، أي حجتكم على إشراككم بالله مع مجيء الرسل إليكم بالحجج ، والآيات { فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ } ، أي أيقنوا أن الحجة لله عليهم { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، أي اضمحل وذهب الذي كانوا يشركون بالله في الدنيا فلم ينتفعوا به بل ضرهم وأهلكهم .