Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 20-28)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ } إلى قوله { مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } . أي : قل يا محمد للمنكرين للبعث : سيروا في الأرض فاستدلّوا بأنواع صنع الله ، وانظروا إلى آثار كان قبلكم . وإلى ما صاروا إليه من الموت والفناء ، فتعلموا أن الله بدأ الخلق في الأرض وأفناهم ، ثم أحدثكم بعدهم . فكذلك سيفنيكم بالموت ثم يحييكم في الآخرة كلكم . فكما خلقكم في الدنيا بعد أن لم تكونوا كذلك فيها وخلق من كان قبلكم بعد أن لم يكونوا فيها كذلك يحييكم بعد موتكم ، فاعلموا أن الله على كل شيء قدير . وانظروا كيف بدأ الله الخلق للأشياء وأحدثها ، فكما أنشأها وابتدأها ، كذلك يقدر على إعادتها بعد إفنائها . وليس يتعذّر الإعادة على من ابتدأ الشيء . وقوله : { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ [ ٱلنَّشْأَةَ ] ٱلآخِرَةَ } . يعني البعث بعد الموت . ومن مده جعله اسماً في موضع المصدر كما قالوا : ( عطاء ) في موضع : ( إعطاء ) . ولم يمد جعله مصدراً جرى على غير المصدر لأنه لو جرى على المصدر لقال ينشئ الإنشاء الآخر . ولكنه على تقدير : ثم الله ينشئ الخلق بعد موتهم فينشؤون النشأة الآخرة . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : إن الله على إنشاء جميع خلقه بعد فنائه كهيئته قبل ذلك قادر ، لا يعجزه شيء أراده . وقدير أبلغ من قادر . ثم قال تعالى : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي : يعذّب من يشاء ممن سبق له الشقاء ، ويرحم من يشاء ممن سبق له السعادة ، وإليه تردون . وقيل : يعذب من يشاء ممن يستحق العذاب ، ويرحم من يشاء ممن يستحق الرحمة . ثم قال : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا أهل السماء بمعجزين في السماء ، أي : ليس يفوت الله أحد . وقيل : المعنى : وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها . وقال المبرد : التقدير : ولا من في السماء ، على أن تكون ( من ) نكرة ، وفي السماء من نعتها ، ثم أقام النعت مقام المنعوت . وقد ردّ عليه هذا / القول علي بن سليمان ، وقال : لا يجوز ، لأن ( من ) إذا كانت نكرة فلا بد من صفتها ، فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة . والمعنى عنده : أن الناس خوطبوا بما يعقلون - ومن في السماء الوصول إليه أبعد - وأما المعنى : وما أنتم بمعجزين في الأرض ، ولو كنتم في السماء ما أعجزتم ، ومثله : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] . فالمعنى : لا تعجزونا هرباً ولو كنتم في السماء . قال ابن زيد : معناه : لا يعجزه - تعالى ذكره - أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء إن عصوه . فالتقدير على هذا : وما أنتم بمعجزين الله في الأرض ولا من في السماء بمعجزي الله . على حرف ( من ) مرة واحدة ، كما قال : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] أي : إلاّ من له مقام . وقيل : المعنى : وما أنتم معجزين من في الأرض من الملائكة ولا من في السماء منهم ، على إضمار ( من ) في الموضعين ، وهو بعيد . ثم قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي : ليس يمنعكم من عذاب الله ولي ولا نصير ينصركم إن أراد بكم سوءاً . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أي : كفروا بالقرآن وبالبعث : { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أي : في الآخرة لمّا عاينوا ما أعد لهم من العذاب . { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : مؤلم موجع . قال قتادة : إن الله جلّ ذكره ذمّ قوماً هانوا عليه فقال : { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } ، وقال : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] . فينبغي للمؤمن ألاّ ييأس من رحمة الله ، وأن لا يأمن عذابه وعقابه . وصفة المؤمن أن يكون راجياً خائفاً . ثم قال : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } يعني : قوم إبراهيم . وهذا جواب لقوله عن إبراهيم : إنه قال لقومه اعبدوا الله واتقوه . وجميع ما جرى بين ذلك إنما أتى به تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وعظة لقريش ، وتذكيراً لهم وتوبيخاً . { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } . أي : قال بعضهم لبعض اقتلوه أو حرّقوه بالنار ففعلوا ، فأنجاه الله منها ولم يسلط [ عليه ] ، بل جعلها برداً وسلاماً . قال كعب : ما أحرقت منه إلاّ وثاقه . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : إن في إنجاء الله إبراهيم من النار وتصييرها عليه برداً وسلاماً ، لدلالة وحجة لقوم يصدقون بما آتاهم من عند الله . ثم قال : { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } أي : قال لهم إبراهيم : اعبدوا الله واتّقوه ، وقال لهم : إنما اتخذتم من دون الله آلهة هي أوثاناً للمودة بينكم ، أي : فعلتم ذلك للمودة . وهذا على قراءة من نصب . و ( ما ) مع ( إن ) حرف واحد . والمعنى : إنما اتخذتموها مودة بينكم ، أي : تتحابون على عبادتها وتتواصلون عليها . فأما من رفع المودة فإنه جعلها خبر إن ، وما بمعنى الذي . أو على إضمار مبتدأ ، أي : هو مودة أو تلك مودة . أي : إلفتكم وجماعتكم مودة بينكم . وإن شئت جعلت ( مودة ) مبتدأ ، وفي الحياة الدنيا الخبر . ومن أضاف المودة إلى بين أخرجها عن أن تكون ظرفاً ، ولا يجوز أن تكون ظرفاً وهو مضاف . ثم قال تعالى : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي : يكون أمركم بعد هذه المودة في الدنيا على عبادة الأوثان إلى أن يتبرأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضاً . { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي : مصير جميعكم إليها أيها العابدون الأوثان . { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي : ما لكم من نصير من الله فينقذكم من عذابه . " أوثاناً " وقف إن رفعت مودة على الابتداء ، أو على إضمار مبتدأ . ثم قال تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } أي : صدقه لوط وقال إبراهيم : إني مهاجر إلى ربي ، يعني إلى الشام . قل ابن عباس : هاجرا جميعاً إلى الشام . قال قتادة : كانا بكوثى قرية من سواد الكوفة فهاجرا إلى الشام . وقيل : الذي قال إني مهاجر إلى ربي هو لوط ، لما انفرد بالإيمان بإبراهيم لم يقم بين أظهر الكافرين ، فقال : إني مهاجر لقومي وبلدي ، أخرج ( من ) بين أظهر الكفار إلى حيث يأمرني ربي . فهاجر من سواد الكوفة إلى الشام . ثم قال : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : الذي لا يذل من نصره ، الحكيم في تدبيره / . ثم قال : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي : وهب الله لإبراهيم ولده إسحاق وولد ولده يعقوب بن إسحاق { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } أي : والكتب فدلّ الواحد على الجمع . يعني الكتاب الذي أنزل على موسى وداود وعيسى ومحمد صلّى الله عليهم ، كلهم من ذرية إبراهيم . { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } أي : أعطيناه ثواب بلائه فينا في الدنيا { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : في المجازاة لا ينقص من أجره شيء والأجر هنا الثناء الصالح والولد الصالح ، قاله ابن عباس . قال عكرمة : أجره في الدنيا هو أن أهل كل ملة يتولاه وهو عند الله من الصالحين في الآخرة . وقال قتادة : أجره في الدنيا عافية وعمل صالح وثناء حسن ، فلست تلقى أحداً من الملل إلاّ يرضى إبراهيم ويتولاه . وقيل : أجره في الدنيا أن الله لم يبعث نبياً بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلاّ من ذريته ، وليس من أهل دين إلاّ ( وهم ) يتحلون حب إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويدعون دينه ، وذلك كله لا ينقصه من ثوابه في الآخرة ، فلذلك قال : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : إن له في الآخرة منازل الصالحين . ومثله قوله تعالى : { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } [ ص : 46 - 47 ] . يعني في الآخرة لم ينقصهم ما تفضل به عليهم في الدنيا من أجرهم في الآخرة شيئاً . ثم قال تعالى : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } أي : واذكر لوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ، وهي إتيان الذكور . { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } أي : لم يتقدمكم أحد إلى إتيان الذكور .