Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 29-41)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } إلى قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . أي : تأتون الرجال في أدبارهم ، وتقطعون الطريق على المسافرين . روي أنهم كانوا يفعلون ذلك بمن يمر بهم من المسافرين ، ومن يرِدُ ديارهم من الغرباء ، قاله ابن زيد . روي أنهم كانوا - مع فسقهم - يقطعون الطريق ويقتلون ويأخذون الأموال حتى انقطعت الطريق فلا يسلكها أحد . وقوله : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } . روي عن عائشة أنه الفراط ، يعني أنهم كانوا يتفارطون في مجالسهم . " وروت أم هانئ أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ذكره : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ } قال : " كانوا يَخْذِفون أهلَ الطريقِ ويَسْخَرُونَ منهم ، فهوَ المنكر الذي كانوا يأتون " ، وقاله عكرمة والسدي . وقال مجاهد : المنكر هنا أنهم كانوا يجامع بعضهم بعضاً في المجالس . وهو قول قتادة وابن زيد . والحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع . وروي ذلك عن ابن شهاب : " إنّ على مَنْ عمِلَ عمَلَ قومِ لوطٍ الرجم أُحْصِنَ أو لم يُحْصَن " . قال مالك : إذا شهدَ على الفاعل والمفعول به أربعة شهداء عدول رُجما ، ولا يرجمان حتى يُرى كما يرى المِرْوَد في المِكحلة أُحْصِنَا أو لم يُحْصَنَا إذا كانا قد بلغا الحُلمَ . وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اقتلوا الفاعلَ والمفعولَ بهِ " . وقال عليّ بن أبي طالب : يحرق الفاعل والمفعول به في النار . وروي أن أبا بكر شاور علياً في هذا فأمر بحرقهما . وفعل ابن الزبير مثل ذلك في أيامه ، وفعله هشام ابن عبد الملك . وقيل إنما فعلوا الحرق بعد القتل . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر برجمِهما " وأكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " القتل لهما جميعاً " وفي بعض الحديث : " ومن وقَعَ على ذاتِ مَحْرَمٍ فاقتلوهُ " . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا علا الذّكرَ الذّكَرُ اهتزّ العرشُ وقالت السماوات : يا ربّ مُرْنا أن نَحْصِبَهُ ، وقالتِ الأرضُ : يا ربِّ مُرْنَا نَبْتَلِعَهُ ، فيقولُ : دعوهُ فإنّ ممرَّهُ بي ووقوفَهُ بينَ يديَّ " . ثم قال تعالى ذكره : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ } أي : ما جاوب لوطاً قومه لما نهاهم عن المنكر ، وخوفهم من عذاب الله إلاّ أن قالوا : جئنا بعذاب الله الذي توعدنا به إن كنت صادقاً في قولك . { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي : قال لوط مستغيثاً لما استعجله قومه بالعذاب : يا ربّ انصرني على القوم المفسدين / . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ } أي : جاءته الملائكة من الله بالبشرى بإسحاق ومن ولده بيعقوب . { قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } وهي : سدوم قرية قوم لوط . { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } أي : ظالمين أنفسهم بمعصيتهم الله . ثم قال تعالى : { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً } أي : قال ذلك إبراهيم عليه السلام . قال ابن عباس : فجادل إبراهيمُ الملائكة في قوم لوط عليه السلام أن يتركوا ، فقال أرأيتم إن كان فيها عشرة أبيات من المسلمين أتتركونهم ؟ فقالت الملائكة : ليس فيها عشرة أبيات ولا خمسة ولا أربعة ولا ثلاثة ولا اثنان ، فقال إبراهيم : إن فيها لوطاً . { فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } أي : من الباقين في العذاب . وقيل : المعنى كانت من الذين أبقتهم الدهور والأيام وتطاولت أعمارهم ، فإنها هالكة مع قوم لوط . وحسن وصفها بلفظ المذكر ، فقال من الغابرين ولم يقل من الغابرات لما كانت مع الرجال ، فجعل صفتها كصفتهم . وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال للملائكة : إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم ؟ قالوا : لا قال : فإن كان فيهم تسعون قالوا : لا ، إلى أن بلغ إلى عشرين . قال : إن فيها لوطاً . قالت الملائكة : نحن أعلم بمن فيها . روي أنه كان في المدينة أربع مائة ألف . ثم قال تعالى : { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ } أي : ساءته الملائكة بمجيئهم إليه ، وذلك أنهم تضيفوه فرأى جمالهم وحسنهم فخاف عليهم من قومه ، إذ قد علم أنهم كانوا يظلمون مثلهم في حسنهم وجمالهم فساؤوه بذلك . قال قتادة : ساء ظنّه بقومه وضاق بضيفه ذرعاً لما علم من حيث فعل قومه . قال ابن أبي عروبة : كان قوم لوط أربعة آلاف ألف ، فلما رأت الرّسل غمّه وخوفه عليهم من قومه ، قالت الرسل للوط : لا تخف علينا أن يصل إلينا قومك ولا تحزن مما أخبرناك من أنا مهلكوهم ، فإنا ننجيك وأهلك إلاّ امرأتك . ثم قال تعالى : { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : عذاباً بفسقهم . ثم قال تعالى : { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً } أي : أبقينا فعلتنا بهم عبرة وعظة ظاهرة لقوم يعقلون عن الله حججه وتلك الآية : اندراس آثارهم ومعالمهم . ونتبع الحجارة إياهم حيث كانوا . ثم قال تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي : وأرسلنا إلى مديَن أخاهم شعيْباً . فقال لهم يا قوم اعبدوا الله وحده وارجوا بعبادتكم إياه اليوم الآخر ، أي : جزاء اليوم الآخر وهو يوم القيامة . { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي : لا تكثروا الفساد في الأرض بمعصية الله تعالى وإقامتكم عليها . { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي : فكذب أهل مدين شعيباً فيما جاءهم به عن الله جلّ ذكره ، فأخذهم العذاب ، فأصبح بعضهم على بعض جثوماً موتاً في ديارهم . قال قتادة : أرسل شعيب مرتين إلى أمتين ، إلى أهل مدين ، وإلى أصحاب الأيكة ، وكان شعيب من ولد مدين ، وأهل مدين من ولده أيضاً ، فلذلك قال : أخاهم ، ولم يكن بين شعيب وأصحاب الأيكة نسب فلذلك لم يقل أخاهم . قال قتادة : جاثمين : ميتين . وأصله المد والسكون وقطع الحركة . ثم قال تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } نصب عاد وثمود عند الكسائي على العطف على قوله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ العنكبوت : 3 ] وفتنا عاداً وثموداً . وقال الزجاج : التقدير : وأهلكنا عاداً وثموداً . وقال الطبري : التقدير : واذكر عاداً وثموداً ، وقد تبيّن لكم من مساكنهم ، يعني خرابها وخلاءها منهم . { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي : حسّنها لهم فتمادوا على كفرهم وتكذيبهم . { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي : عن سبيل الله . { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي : في ضلالتهم ، أي : معجبين بها ، يحسبون أنهم على هدى وصواب ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة . وقيل : المعنى : كانوا قد عرفوا الحق من الباطل . فهو مثل قوله تعالى ذكره : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] . قال تعالى : { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } . هذا معطوف على عاد على الاختلاف المتقدم . { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي : الآيات الواضحات . { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : عن التصديق بالآيات . { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } أي : فائتين بأنفسهم ، بل القدرة عليهم غالبة من الله . ثم قال تعالى : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } أي : فأخذنا جميع هذه الأمم المذكورة بذنوبهم وأهلكناهم . { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي : حجارة من سجيل والعرب تسمي الريح التي تحمل الحصى حاصباً . وهم قوم لوط . { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } قال ابن عباس : هم ثمود . وقال قتادة هم قوم شعيب . { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } قال ابن عباس وقتادة : هو قارون . { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } قال ابن عباس : هم قوم نوح . وقال قتادة هم قوم فرعون . { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي : وما كان الله ليهلك هذه الأمم بغير ذنب . { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي : بعبادتهم غير من ينعم عليهم ويرزقهم . ثم قال تعالى : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } أي مثل من اتخذ من دون الله آلهة في ضعف ما يرجون منها كمثل العنكبوت في ضعفها وقلة حيلتها اتخذت بيتاً ليُكِنّها ، فلم يغن عنها شيئاً عند حاجتها ، فكذلك هؤلاء الذين عبدوا الأوثان لتنفعهم عند حاجتهم إليها . قال ابن عباس : هو مثلٌ ضربه الله لمن عبد غيره . ثم قال تعالى ذكره : { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي : إن أضعف البيوت لبيت العنكبوت لو علموا ذلك يقيناً .