Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 42-48)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } إلى قوله { إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } . أي : يعلم حال ما تعبدون من دون الله أنه لا ينفعكم ولا يضركم ، وأن مثله في قلة غنائه عنكم مثل بيت العنكبوت في قلة غنائه عنها . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي : في انتقامه ممن كفر به . { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره . و " من " في قوله : " من شيء " للتبعيض ، ولو كانت زائدة للتوكيد بعد النفي لانقلب المعنى . فما ليست نفياً ، وهي بمعنى الذي . ثم قال : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي : وتلك الأشباه والنظائر نضربها للناس ، أي : نمثلها للناس ونحتج بها عليها . { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أي : وما يعقل الصواب لما ضرب له من الأمثال إلاّ العالمون بالله وآياته . ثم قال تعالى : { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي : انفرد بخلق ذلك للحق . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي : لعلامة وحجة على خلقه في توحيده وعبادته لمن آمن به . ثم قال تعالى : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي : اقرأ يا محمد ما أنزل عليك من القرآن . { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي : أدّها بفروضها وفي وقتها . { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } . قال ابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله جلّ ذكره . وقال ابن مسعود : من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها إلاّ بعداً من الله جلّ ذكره . وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قول ابن مسعود . وهو قول قتادة وغيره . وقيل : المعنى : إن الصلاة تنهى من كان فيها عن الفحشاء والمنكر فتحول بينه وبين ذلك لشغله بها . وروي عن ابن عمر أنه قال : الصلاة هنا : القرآن . قال : القرآن الذي يقرأ في المساجد ينهى عن الفحشاء والمنكر . والفحشاء الزنى ، والمنكر المعاصي . ثم قال : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } قال ابن عباس في معناه : ولذكر الله أكبر إذا ذكرتموه عندما أمركم به ، ونهى عنه أكبر من ذكركم إياه . وهو قول مجاهد وعكرمة وغيرهما . وروي ذلك عن أبي الدرداء . وقيل : المعنى : ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه . وهو اختيار الطبري . وقيل : المعنى : ولذكركم الله أفضل من كل شيء . أي : ذكركم الله في الصلاة والدعاء وغير ذلك أفضل من الصلاة وسائر العبادات بلا ذكر . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس يتحسَّرُ أهلُ الجنّة على شيءٍ إلاّ على ساعاتٍ مرّت بهم لم يذكُروا الله عز وجل فيها " وقال ثابت البُناني : " بلغني أن أهل ذكر الله يجلسون إلى ذكر الله وإن عليهم من الآثام مثل الجبال ، وإنهم ليقومون منها عطلاً ما عليهم منها شيء " . وسئل / سلمان عن أيّ الأعمال أفضل ؟ فقال : أما تقرأ القرآن ، { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } لا شيءَ أفضل من ذكرِ الله . وقالت أم الدرداء : إن صليت فهو من ذكر الله ، وإن صمتَ فهو من ذكر الله ، وكل خير فعلته فهو من ذكر الله ، وكل شيء تجنبته لله فهو من ذكر الله ، وأفضل من ذلك تسبيح الله جلّ وعزّ . وقال قتادة : ولذكر الله أكبر ، لا شيء أكبر من ذكر الله . وقيل : المعنى : ولذكر الله العبد في الصلاة أفضل من الصلاة . قاله السدي . وقيل : المعنى : والصلاة التي أنت فيها ، وذكرى الله فيها أكبر مما نهتك الصلاة عنه من الفحشاء والمنكر . وقيل : المعنى : ولذكر الله الفحشاء والمنكر كبير . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } أي : ما تفعلون في صلاتكم من إقامة حدودها وغير ذلك من ترككم الفحشاء والمنكر . ثم قال تعالى : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : لا تجادلوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى إلاّ بالجميل من القول ، وهو الدعاء إلى الله والتنبيه على حججه . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } هذا بدل من " أهل " ، ويجوز أن يكون استثناء . والمعنى : إلاّ الذين امتنعوا من إعطاء الجزية ونصبوا دونها الحرب فلكم قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية . قاله مجاهد وغيره ، وهو اختيار الطبري . وقال ابن جبير : هم أهل الحرب ومن لا عهد له ، فلك أن تجادله بالسيف . وقيل المعنى : لا تجادلوا من كفر منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيما يخبرونكم به من نص كتابهم إلاّ بالقول الجميل ، وأن تقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم ، إلاّ الذين ظلموا منهم . يعني الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا على كفرهم . فالآية محكمة على هذا القول . روي هذا القول عن ابن زيد . وقال قتادة : هي منسوخة بالأمر بالقتال لأنها مكية . وقال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا آمنّا بالَّذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا … " الآية . ومعنى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : ظلموكم في منعهم الجزية ومحاربتكم . والكل ظالمون لأنفسهم بكفرهم من أدى الجزية ومن لم يؤد . { وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ } أي : معبودنا ومعبودكم واحد . { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي : خاضعون ومتذللون بالطاعة له . ثم قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي : وكما أنزلنا الكتاب على من قبلك يا محمد ، كذلك أنزلنا إليك الكتاب . { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يعني : من كان من بني إسرائيل قبل محمد صلى الله عليه وسلم . { وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ } يعني : الذين كانوا من أهل الكتاب على عهد النبي عليه السلام ، منهم من لم يؤمن بما أنزل على محمد . { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ } أي : بأدلتنا وحججنا ، { إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } أي : إلاّ الذين جحدوا نعمتنا بعد معرفتهم بها . قال قتادة : إنما الجحود بعد المعرفة . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ } أي : ما كنت يا محمد تقرأ قبل هذا الكتاب كتاباً آخر . { وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي : تكتبه ، بل كنت أمياً لا علم عندك من ذلك حتى أنزل الله عليك الكتاب وعلمك ما لم تكن تعلم ، ولو كنت تقرأ قبل ذلك كتاباً وتخطّه بيمينك . { إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُون } أي : لشكّ فيك من أجل ذلك القائلون إنه سجع وإنه كهانة وأساطير الأولين ، هذا معنى قول ابن عباس وقتادة وغيرهما . وقال مجاهد : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي عليه السلام لا يخطّ بيمينه ولا يقرأ كتاباً ، فنزلت هذه الآية . قال مجاهد : { إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُون } أي : إذاً لقالوا إنما هذا شيء تعلمه محمد صلى الله عليه وسلم وكتبه ، ويعني بالمبطلين : كفار قريش . فكأنّ كونه لا يقرأ ولا يكتب ، ثم أتاهم بأخبار الأنبياء ، والأمم دليل على نبوته وأن ذلك / من عند الله جل ذكره .