Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 47-51)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ } . أي : من أين يكون لي ولد ؟ أمن بعل أتزوجه ، أم تبتدئ [ خلقه ] من غير بشر أتزوجه ؟ ، فأعلمها الله أنه يخلق ما يشاء ، فيعطي الولد من غير فحل لك ، ويحرم ذلك نساء العالمين ، وإذا أراد أمراً { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ، والهاء في " له " تعود على الأمر . [ وقيل المعنى : فإنما يقول ( له ) من أجله { كُنْ فَيَكُونُ } أي : من أجل ، الأمر ] الذي يقضي به ويريد . قال ابن عباس : وضعت مريم عيسى عليه السلام لثمانية أشهر فلذلك لا يعيش من ( ولد ) لثمانية أشهر . قوله : { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ } أي : يكتب بيده ، { وَٱلْحِكْمَةَ } : السنة التي توحَى إليه ، { وَٱلتَّوْرَاةَ } : هي التي أنزلت قبله على موسى عليه السلام و { وَٱلإِنْجِيلَ } أي : الكتاب الذي أنزل عليه ، ولم يعطه أحد قبله ، وتعليمه إياه إلهام منه إليه بذلك ، و { رَسُولاً } أي : ويجعله رسولاً ، فالابتداء به حسن وقيل المعنى : ويكلمهم رسولا وقيل : هو معطوف على وجيه ، فالابتداء به على ذلك . ومن فتح { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ } فهو متعلق برسول ، أي : فإني قد جئتكم بآية تصدقني أني رسول . والآية بمعنى الآيات ، وهي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وإحداث الطير من الطين . وغير ذلك من : الإنجيل وغيره . قوله : { أَنِيۤ أَخْلُقُ } من فتح أني جعلها بَدَلاً من ( أن ) الأولى ، وإن شئت بدلاً من ( آية ) ، ( و ) إن شئت على إضمار هي فتكون أن في موضع رفع . وقرأ يزيد بن القعقاع ( أخلق لكم من الطين كهيأة الطائر ) فيكون طائراً . وقال ابن اسحاق : حبس [ عيسى ] عليه السلام يوماً مع غلمان في الكتاب [ فأخذ طيناً ] ثم قال : أجعل لكم هذا الطين طائراً ؟ قالوا : وتستطيع ذلك ؟ قال : نعم ، بإذن الله ربي ، قال : ثم هيأه حتى إذا صار في هيأة الطائر نفخ فيه ، ثم قال كن طائراً بإذن الله ، فخرج يطير بإذن [ الله ] بين كفيه فذكر الغلمان ذلك لمعلمهم فأفشوه في الناس ، وترعرع ، فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت أمه عليه حملته على حُمير ثم خرجت به هاربة . قال ابن جريج وغيره : قال لهم : أيُّ الطير أشد خلقاً ؟ قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم ، ففعل مثله من الطين ، وقال في هذه الصورة { فَأَنفُخُ فِيهِ } رده على الطير ، وفي المائدة { فَتَنفُخُ فِيهَا } [ المائدة : 110 ] رده على الهيأة ، ويجوز رد الهاء في هذه السورة ] على الهيأة لأنها ( بمعنى ) المثال والشبه ، وتأنيثها غير حقيقي ولا سلطت لا في نسخ . ولا يجوز في سورة المائدة رجوع الهاء على الطير لأنه اسم جمع . وقوله : { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } . قال مجاهد : هو الذي يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار . وقال الأوزاعي : هو الذي لا يبصر بالليل ، وهو الذي به عشى . وقال قتادة : هو الذي ولد أعمى ، وكذلك قال أكثر المفسرين . وعن ابن عباس وغيره : هو الأعمى حَدَث به ذلك ، أو ولد [ به ] وقال عكرمة : هو الأعمش . وقال وهب : كان عيسى عليه السلام قد هربت [ به ] أمه إلى أرض مصر من قومها فلما بلغ اثني عشر سنة أوحى الله عز وجل إليها أن انطلقي إلى الشام ، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة ، جاءه الوحي على رأس الثلاثين فكانت نبوته ثلاثين سنة ، ثم رفعه الله إليه . وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : " أنه نعى نفسه لفاطمة حين بلغ سنّه ستين سنة وقال : " ما من نبي إلا يعمر مثل نصف عمر من قبله ( و ) أن عيسى عمّر مائة سنة وقد بلغت ستين سنة وما أراني إلا ميتاً في هذا العام " أو كلام هذا معناه " . قال وهب : ربما اجتمع على عيسى عليه السلام من المرضى خمسون ألفاً من أطاق أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق ذلك أتاه عيسى يمشي إليه ، فكان عيسى يداويهم بالدعاء وكان يُحْيي الموتى . قوله { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ } . أصل تدخرون تدتخرون : تفتعلون من ذخرت ، فلما اختلف الحرفان ، بأن كانت الذال حرفاً مجهوراً ، والتاء حرفاً مهموساً أبدل من التاء حرفا مجهوراً يشبه الدال في الجهر ، ويقرب منها في المخرج وهو الدال ، ثم ادغمت الذال في الدال . قال ابن إسحاق : لما بلغ [ عيسى ] تسع سنين أو عشراً ، أدخلته أمه الكتاب ، فلا يذهب المؤدب يعلمه شيئاً إلا بادره عيسى صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه إياه ، فيقول المؤدب ألا تعجبون لابن هذه الأرملة ، أذهب أعلمه شيئاً إلا وجدته أعلم به مني . قال ابن جبير وغيره : كان يخبر الصبيان بما صنع في بيوتهم وبما صنع آباؤهم ، ويقول يا فلان : إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا من طعام ، ويقول للصبي : انطلق فإن أهلك يأكلون كذا وكذا ، ويقول : إنطلق فقد خبأ لك أهلك كذا وكذا . فينطلق الصبي يبكي على أهله حتى يعطوه ذلك الشيء ، فيقولون له : من أخبرك بهذا ؟ فيقول : عيسى . فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا لأولادهم : لا تلعبوا مع هذا الساحر ، وحبسوا أولادهم عنه ، فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام ( يطلبهم فقالوا : ليس هم هنا ، فقال عيسى عليه السلام ) : وما في هذا البيت ؟ فقالوا : خنازير ! فقال عيسى عليه السلام : كذلك يكونون ، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير ، فذلك قوله ( تعالى ) : { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [ المائدة : 78 ] قال قتادة : معنى قوله : { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } ذلك في أمر المائدة التي نزلت عليهم كانت خواناً تنزل أين ما كانوا بثمر من ثمار الجنة ، وأمروا ألا يخونوا فيه ولا يدخروا لغد ، ابتلاهم الله بذلك فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئاً ، وادخروا لغد أنبأهم عيسى صلى الله عليه وسلم به ، فهو قوله : { بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ } أي : من المائدة التي نهوا عن ادخار ما ينزل عليهم فيها . وقرأ مجاهد والزهري تدخرون ، بدال مخففة . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً } ، أي : في جميع ما ذكر آية ، أي : في نبوة عيسى . وقوله { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي : ما قبلي من التوراة إيماناً بها ، وتصديقاً بما فيها ، وإن كانت شريعته تخالفها فإنه ، ونحن مؤمنون بما صح منها ، ولم يبدل ولم يغير على أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان عاملاً بالتوراة لم يخالف فيها شيئاً إلا ما خفف الله أشياء كانت حراماً فيها وهو قوله { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } وذلك أنه حلل لحوم الإبل والثروب وأشياء من الطير والحيتان كانت في التوراة محرمة . واللام متعلقة بفعل محذوف والمعنى ، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم . وكان أبو عبيدة يجيز أن يكون البعض هنا بمعنى الكل ، وهذا يوجب أن يحل لكم القتل والسرق والزنى وغيره لأن كل ذلك كان محرماً عليهم في التوراة ، فلا يجوز ما قال ، ولا وجه له في العربية ولا في المعنى . وقد قيل : إنما أحل لهم عيسى صلى الله عليه وسلم أشياء حرمتها عليهم الأحبار لم تكن محرمة في التوراة ، فهو غير مخالف للتوراة . وقيل : إنما أحل لهم أشياء حرمتها عليهم ذنوب اكتسبوها ولم يكن في التوراة تحريمها نحو : أكل الشحوم وكل ذي ظفر . قوله : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } أي : بعلامة تعلمون بها أني صادق فيما أقول لكم { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } .