Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-63)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ … } الآية معناه : فلما ( علم ) عيسى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون قتله وأحس بمعنى : وجد وعلم برزية أو غيرها . يقال : أحس الأمر إذا علمه ، وحس القوم قتلهم ، والحس حس الدابة من الغبار ، والحس ضد البرد . وقيل معناه : فلما علم عيسى صلى الله عليه وسلم الجحود به ، والتكذيب له . { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } أي : من أعواني على هؤلاء ( مع الله ) . وإلى بمعنى : " مع " . وكان من قصة عيسى صلى الله عليه وسلم ما حكاه السدي في حكاية طويلة نذكر معناها مختصراً ، قال : كذبت بنو إسرائيل عيسى صلى الله عليه وسلم ، وأخرجته حين دعاهم إلى الإيمان به ، فخرج هو وأمه ، فنزل على رجل ، فأضافهما وأحسن إليهما ، وكان على تلك المدينة جبار معتد ( فجاء ) صاحب البيت يوماً وعليه ، حزن وهم ، فقالت مريم لزوجته : ما شأن زوجك ؟ أراه حزيناً ؟ فأبت أن تخبرها بشيء ، فقالت لها مريم : أخبريني لعل الله عز وجل يفرج كربته ، قالت المرأة لمريم : إن لنا ملكاً جباراً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم من الخمر ، فإن لم يفعل عاقبه ، وقد بلغت نوبته اليوم علينا [ وليس معنا سعة ، فقالت مريم لها : فقولي له : فلا يهتم فإني آمر ابني [ أن ] يدعو له ، فَيُكْفَى ] . فقالت مريم لعيسى صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقال عيسى صلى الله عليه وسلم : " يا أمه إني إن فعلت كان في ذلك شر ، قالت : فلا تبال ، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا ، فقال عيسى صلى الله عليه وسلم فقولي له : إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ، فلما ملأهن أعلمه فدعا عيسى صلى الله عليه وسلم الله عز وجل فحول ما في القدور لحماً ومرقاً وخبزاً وما في الخوابي خمراً لم ير مثله ، فلما جاء الملك أكل وشرب فقال : من أين لك هذا ؟ وتقصى عليه حتى أخبره فقال : عندي غلام لا يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه وأنه دعا الله حتى جعل الماء خمراً ، وكان قد توفي للملك ابن ، فقال : إن رجلاً دعا الله حتى رد الماء خمراً ليستجيبن له حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى صلى الله عليه وسلم ، فكلمه وسأله أن يدعو الله فيحيي ابنه - فقال عيسى صلى الله عليه وسلم : " لا تفعل [ فإنه إن ] عاش كان شراً ، فقال الملك : لا أبالي أراه فقط ، فاشترط عليه عيسى صلى الله عليه وسلم أن يحيي ولده ، ويتركه هو وأمه يخرجان فشرط له ذلك فدعا الله تعالى ، فقام الغلام ، وانصرف عيسى صلى الله عليه وسلم . فلما رأى أهل المملكة الغلام عاش تنادوا بالسلاح وقالوا : قد أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه ، فاقتلوه . ومر عيسى صلى الله عليه وسلم وأمه فصحبهما يهودي وكان مع اليهودي رغيفان ، ومع عيسى صلى الله عليه وسلم رغيف فقال له عيسى صلى الله عليه وسلم : تشاركنا ؟ فقال اليهودي : نعم ، فلما رأى اليهودي أن ليس مع عيسى إلا رغيف ندم فلما نام جعل اليهودي يأكل الرغيف ، فلما أكل لقمة قال له عيسى صلى الله عليه وسلم : ما تصنع ؟ فيقول : لا شيء حتى فرغ [ من ] الرغيف كله ، فلما أصبحا قال له عيسى صلى الله عليه وسلم : طعامك فجاء برغيف ، فقال له عيسى صلى الله عليه وسلم : أين الرغيف الآخر ؟ قال : ما كان معي إلا واحد . ثم انطلقوا حتى مروا براعي غنم فقال عيسى صلى الله عليه وسلم : يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك ، قال الراعي : نعم ، أرسل صاحبك يأخذها : فأرسل عيسى صلى الله عليه وسلم اليهودي فجاءه بالشاة ، فذبحوها وشووها ثم قال لليهودي : كل ولا تكسر عظماً . فأكلوا حتى شبعوا فرد عيسى صلى الله عليه وسلم العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه ، وقال : قومي بإذن الله . فقامت الشاة ، فقال : يا صاحب الغنم : خذ شاتك فقال له الراعي : من أنت ؟ قال : أنا عيسى إبن مريم ، قال له : أنت الساحر ، وفر منه ، فقال عيسى صلى الله عليه وسلم لليهودي : بالذي أحيى هذه الشاة بعدما أكلناها ، كم كان معك رغيفاً ؟ فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد . فمروا بصاحب بقر ، فسأله عيسى صلى الله عليه وسلم عجلاً فأعطاه عجلاً فذبحه ، وشواه وأكله ، وصاحب البقر ينظر ، ثم جمع عيسى صلى الله عليه وسلم العظام في الجلد وقال : قم بإذن الله ، فقام وله خوار ، فقال : يا صاحب البقر ، خذ عجلك فقال : ومن أنت ؟ قال : أنا عيسى ، قال : عيسى الساحر ، ثم فر منه ، فقال عيسى صلى الله عليه وسلم لليهودي : بالذي أحيى الشاة بعدما أكلناها ، والعجل بعدما أكلناه ، كم كان معك رغيفاً ؟ فحلف بالله ما كان معه إلا رغيف واحد . ثم انطلقا حتى أتيا قرية ، فنزل عيسى صلى الله عليه وسلم في أسفلها واليهودي في أعلاها ، فأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى صلى الله عليه وسلم وقال : أنا أحيي الموتى وكان يملك تلك القرية مرض شديد فانطلق اليهودي ينادي من يبتغي طبيباً ؟ حتى أتى باب الملك ، فأخبر بمرض الملك فقال : أدخلوني عليه فأنا أبرئه ، فدخل عليه فأخذ برجله ، وضربه بالعصا كما كان عيسى صلى الله عليه وسلم يفعل ، فمات الملك من الضربة فأخذ اليهودي ليصلب فبلغ عيسى صلى الله عليه وسلم الخبر ، فأتى ووجده قد رفع على الخشبة [ فقال ] : أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم أتتركو لي صاحبي ؟ قالوا : نعم ، فأحيى عيسى صلى الله عليه وسلم الملك ، وأنزل اليهودي فقال : يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة ، والله لا أفارقك أبداً ، قال له عيسى صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذين أحيى الشاة والعجلة بعدما أكلناها وأحيى هذا بعد [ ما ] مات ، وأنزلك من الجذع بعدما رفعت عليه كم كان معك رغيفاً ؟ فحلف اليهودي بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد . فانطلقا حتى مرَّا على كنز قد حفرته السباع فقال اليهودي : يا عيسى هذا المال ؟ فقال له عيسى صلى الله عليه وسلم : دعه فإن له أهلاً يهلكون عليه وجعل اليهودي يتشوق إلى المال ، ويكره أن يعصي عيسى صلى الله عليه وسلم ، فانطلقا . ومر بالمال بعدهما أربعة نفر ، فلما رأوه اجتمعوا عليه فقال اثنان لصاحبيهما : انطلقا فابتاعا لنا طعاماً ودواباً نحمل عليها هذا المال ، فانطلق الرجلان فابتاعا ذلك فقال أحدهما لصاحبه : هل لك أن تجعل لصاحبينا في طعامهما سماً ؟ فإذا أكلا ماتا ، فيصير المال بيني وبينك ، فقال الآخر : نعم ، ففعلا ، وقال الآخران الباقيان مع المال : إذا أتى صاحبانا فليقم كل واحد منا إلى صاحبه فيقتله فيكون الطعام والمال بيننا ، فاتفقا على ذلك . فلما جاء صاحباهما ، قتلاهما ، ثم قعدا على الطعام فأكلا منه ، فماتا ، فرجع عيسى صلى الله عليه وسلم إلى المال فوجد القوم عليه موتى ، فقال لليهودي : أخرجه حتى نقسمه ، فأخرجه اليهودي فجعل عيسى صلى الله عليه وسلم يقسمه على ثلاثة ، فقال اليهودي : اتق الله ولا تظلمني ، فإنما هو أنا وأنت ، ما هذه الثلاثة ؟ فقال له عيسى صلى الله عليه وسلم : هذا لي ، وهذا لك ، وهذا لصاحب الرغيف ، قال اليهودي : وإن أخبرتك بصاحب الرغيف تعطيني هذا المال ؟ قال [ عيسى ] صلى الله عليه وسلم : نعم ، قال : أنا هو ، فقال له عيسى صلى الله عليه وسلم : خذ حظي وحظك ، وحظ صاحب الرغيف ، فهو حظك من الدنيا والآخرة ، فلما حمله مشى [ به ] شيئاً فخسف به . وانطلق عيسى صلى الله عليه وسلم فمر بالحواريين وهم يصطادون السمك فأعلمهم بنفسه فآمنوا به وانطلقوا معه فذلك قوله : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } . وقيل : إنما سموا حواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين . وقيل : سموا بذلك لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب . وقيل : كانوا غسالين يغسلون الثياب . وقال قتادة : " الحواريون خاصة الأنبياء الذين تصلح لهم الخلافة . وقال الضحاك : الحواريون الأصفياء الأنبياء صلوات الله عليهم . وروي أن مريم دفعت عيسى صلى الله عليه وسلم في صغره في أعمال شتى ، وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وهم الذين يبيضون الثياب ، ويصبغونها فأراهم آيات وصبغ لهم ألواناً شتى من ماء واحد فآمنوا به واتبعوه . وروي أنه أدخل ثياباً كثيرة بيضاء في خابية واحدة وخرجت مختلفة الألوان كما أرادوا ، فعجبوا من ذلك ، وأيقنوا أنه ليس بسحر فآمنوا [ به ] واتبعوه . قوله : { وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } هذا قول الحواريين لعيسى صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان على ذلك ، لا على اليهودية ولا على النصرانية ولكن كان مسلماً وكذلك برأ الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم من سائر الأديان إلا من الإسلام . قول : { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } أي : أثبت أسماءنا مع أسماء من يشهدون بالحق ، وأقروا بالتوحيد ، واجعلنا في عددهم وهذا كله احتجاج على أهل نجران الذين خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا أن قول من اتبع عيسى كان خلاف قولهم . وقال ابن عباس : ( اكتبنا مع الشاهدين ) ، قال مع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته الذين شهدوا له أنه قد بلغ الرسالة ، وشهدوا للرسل عليهم السلام أنهم قد بلغوا . وقوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } : هذا إخبار عن الذي أَحَسَّ عيسى منهم الكفر وهو ما اجتمعوا عليه من قتل عيسى صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه فيما أتى به ، فمكرهم هو ما نووا من قتله ، ومكر الله سبحانه ما ألقى من الشبه على بعض أتباع عيسى صلى الله عليه وسلم حتى قتله الماكرون يظنونه عيسى صلى الله عليه وسلم ، ثم رفع الله عيسى صلى الله عليه وسلم . وقيل المكر من الله جل ذكره الاستدراج والإمهال ، وذلك أن بني إسرائيل حصروا عيسى صلى الله عليه وسلم ، ومعه تسعة عشرة رجلاً من الحواريين في بيت ، فقال عيسى لأصحابه ، من يأخذ صورتي فيقتل وله جنة ؟ فأخذها رجل منهم ورفع الله عيسى إلى السماء ثم خرج الحواريون فأخبروا أن عيسى صلى الله عليه وسلم رفع إلى السماء فجعلوا يعدون القوم فيجدونهم ينقصون رجلاً من العدة ويرون ، صورة عيسى صلى الله عليه وسلم فيهم فشكوا فيه ، فقتلوه وصلبوه يرون أنه عيسى صلى الله عليه وسلم ، ويروى أن اليهود كفروا بعيسى صلى الله عليه وسلم ، وهموا بقتله ، وكان مع عيسى رجل من اليهود آمن بعيسى فدل على عيسى فحوله [ الله ] في صورة عيسى ، فأخذه بنو إسرائيل ، فقتلوه ، وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى صلى الله عليه وسلم ، فذلك قوله : { وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } . والمكر : الحيلة ، المكيدة ، والمكر من الله سبحانه عقوبة ، وجزاء من حيث لا يعلم العبد . قوله : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } قيل هي وفاة نوم . { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } في نوم قال ذلك الربيع . وقيل معناه إني قابضك من الأرض حياً ورافعك إلي ، وذلك أن عيسى لما رأى كثرة من كذبه ، وقلة من اتبعه شكا ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } . وقال النبي عليه السلام : كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها . وقال كعب : ( يبعث ) عيسى صلى الله عليه وسلم على الأعور الدجال فيقتله ثم يعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة ثم يموت ميتة الحي . وحكي أن الله تعالى أوحى ذلك إلى عيسى صلى الله عليه وسلم مع قوله : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } وقال ابن زيد في قوله : { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أن كلامه وهو كهل حين ينزل بقتل الدجال . وقيل معنى { مُتَوَفِّيكَ } : قابل عملك ومتقبله منك . وقال ابن عباس ، معنى { مُتَوَفِّيكَ } هي وفاة موت ( يعني ) بعد نزوله من السماء . وقال وهب بن منبه : توفي عيسى صلى الله عليه وسلم ثلاث ساعات ثم أحيي ورفع . والنصارى يزعمون أنه توفي سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه ورفعه . وقيل : إن الكلام تقديماً وتأخيراً . والمعنى : إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، ومتوفيك بعد ذلك . وذلك إذا نزل لقتل الدجال في الدنيا ، والواو يحسن فيها ذلك . وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : " الأنبياء أخوات لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني [ وبينه ] نبي وأنه خليفتي على أمتي ، وأنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن شعره يقطر وإن لم يصبه بلل ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ويقبض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله الملل كلها ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذَّاب ، وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسد مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الغلمان مع الحيات ، لا يضر بعضهم بعضاً ، يلبث في الأرض [ أربعين سنة ] ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه " . قوله : { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : هذا خطاب لعيسى صلى الله عليه وسلم وأمته ، جعلهم الله تعالى فوق اليهود : في النصر والحجة والإيمان بعيسى والتصديق به وقول الحق فيه . وقيل : هو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم . قوله : { فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا } هو القتل والسبي وأداء الجزية { وَٱلآخِرَةِ } هو عذاب النار . قوله : { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ } : الإشارة إلى ما تقدم من ذكر قصص الأنبياء والحجج { وَٱلذِّكْرِ } القرآن { ٱلْحَكِيمِ } المحكم أي : ذو الحكمة . قوله { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ … } ( و ) هذا احتجاج على نصارى نجران ، الذين خاصموه في عيسى وقالوا للنبي : بلغنا أنك تذكر صاحبنا ، وتأول أنه عبد ، قالوا له : هل رأيت عيسى ؟ فأنزل الله { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ … } الآية … أي : خلق هذا من غير ذلك وهذا كذلك . وقيل : إنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : كل إنسان له أب فما شأن عيسى صلى الله عليه وسلم ليس له أب فأنزل الله عز وجل هذه الآية : وقوله { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } ابتداء المماثلة ، وليس بمتصل بآدم صلى الله عليه وسلم إنما هو تبيين قصة آدم صلى الله عليه وسلم ، لأن الماضي لا يكون حالا . قوله : { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } قال بعض أهل المعاني : إن هذا الكلام أتى على خبرين منفصلين ، ولو كان على خبر واحد لكان خلقه له من تراب بغير { كُن } ويكون خلقه بـ { كُن } بعد خلقه له من تراب ، وليس الأمر كذلك إنما أخبر تعالى أنه خلق آدم عليه السلام من تراب ثم أخبر آخر أنه قال له : { كُن } فكان ، أي : قال له : كن خلقاً من تراب فكان ما أراد لأنه خلق من تراب بغير كن ، فما يصنع بقوله تعالى { لِمَا خَلَقْتُ [ بِيَدَيَّ ] } [ ص : 75 ] ، ثم قال له { كُن } بعد خلقه له من تراب على ما أراد بعد قوله كن ، ولهذا نظائر كثيرة . وأبين هذا أن يكون المعنى : قد قدر خلقه من تراب فلما أراد تعالى ذكره إظهار ما قدر قال : { كُن } فكان ما قدر بقوله { كُن } . قوله : { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي : هو الحق ، أي هذا الذي أنبأتك به هو الحق { فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } أي : الشاكين ومعناه : قل يا محمد للشاكين في ذلك ( لا تكن من الممترين ) . وقيل : هو خطاب لجميع الناس ، وظاهر الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره . قوله : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ } أي : في عيسى وقيل في الحق الذي ذكر ، { مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي من بعدما بين لك فادعوهم إلى المباهلة ، ومعنى نبتهل أي نجتهد في الدعاء باللعنة { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ } على من كذب في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم . قوله : { وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ } أي : أهل ديننا ودينكم فرضوا بالجزية وبأشياء شرطها عليهم يؤدونها . وروي أنهم قالوا : نباهلك فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ، فلما رأوا ذلك نكصوا وعلموا أن اللعنة عليهم واقعة ، فرضوا بالجزية ولم يباهلوا . وروي أن رئيسهم العاقب قال لهم : قد علمت أنه نبي وما لاعن نبي قوماً فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، فإن فعلتم فهو استئصال ، فوادعوا محمداً وانصرفوا إلى بلادكم فرضوا بالجزية ، وبعث معهم النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح ولم يباهلوه . قال ابن عباس : لو باهلوه لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا ولداً . قوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } أي : إن الذي أنبأتك به في أمر عيسى صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، وكلمته ألقاها الله عز وجل إلى مريم : هو الحق { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } هذا رد على من جعل عيسى إله من أهل نجران وغيرهم .