Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 27-32)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } إلى قوله : { بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . أي : والذي له هذه الصفات هو الذي يبدؤ الخلق من غير أصل وأمثال ثم يفنيه ثم يعيده بعد إفنائه كما بدأ . { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي : وإعادته هين عليه ، قال ابن عباس . وقيل : المعنى : الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقوم بشراً سوياً ، وقد كان في الابتداء ينقل من حال إلى حال . روي ذلك أيضاً عن ابن عباس . وعن ابن عباس : أن معناه : وهو أيسر عليه . وقاله مجاهد . فيكون هذا بمنزلة قوله : { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [ النساء : 30 ] . وقال عكرمة : تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت هذه الآية . فالمعنى عنده : إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه . وقال قتادة : إعادته أهون عليه من بدايته ، وكل شيء عليه هين . وفي حرف ابن مسعود : " وَهُوَ عَلَيَّ هَيّن " . وقيل أهون على بابها ، على معنى أسهل عليه من الابتداء . وجاز ذلك في صفات الله كما قال : { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [ النساء : 30 ] . وحسن ذلك كله لأن الله خاطب العباد بما يعقلون ، فأعلمهم أنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل من الابتداء ، فجعله مثلاً لهم لأنهم كذلك يعرفون في عادتهم أن إعادة الشيء مع تقدم مثال أسهل من اختراع الشيء بغير مثال تقدم ، فهو مثل لهم على ما يفهمون ، ألا ترى أن بعده : { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } ، معناه : أنه لا إله إلا هو لا مثال له . قال ابن عباس : { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } ليس كمثله شيء . وقال قتادة : مثله أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره . وقيل : المعنى ما أراد كان . وحقيقته في اللغة أن المثل الوصف . فمعناه وله الوصف الأعلى من كل وصف . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه من أعدائه { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره خلقه على ما يشاء . ثم قال تعالى ذكره : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي : مثل الله لكم أيها القوم مثلاً من أنفسكم . ثم بيّن ذلك المثل فقال : { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي : هل من مماليككم شركاء في أموالكم أنتم وهم في المال سواء . { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } أي : تخافون من عبيدكم في أموالكم أن يرثوكم بعد وفاتكم كما يرث بعضكم بعضاً . وقيل : المعنى تخافونهم كما يخاف الشريك شريكه إذا تعدى في المال بغيره - أي : شريكه - . وقيل : المعنى تخافونهم أن يقاسموكم كما يقاسم الشريك شريكه فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسهم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم شركاء لله في العبادة ، وأنتم وهم عبيد الله وخلقه ، وهو تعالى ذِكْرُهُ مالك الجميع ، فجعلتم له شركاء من مماليكه وخلقه ، ولا ترضون أنتم أن يكون لكم شركاء من مماليككم . هذا معنى قول قتادة . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : نفصل الآيات تفصيلاً ، كذلك ، أي : نفصلها في كل سورة ونبينها كما فصلنا هذه الآيات في هذه السورة لمن يعقل عن الله حججه . ثم قال تعالى : { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : عبدوا الأصنام وأحدثوا لله شركاء اتباعاً منهم لما تهوى أنفسهم جهلاً منهم بطريق الحق . { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي : من يسدد للصواب ويوفق للإسلام من أضله الله عن الاستقامة والرشاد . { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي : وما لمن أضل الله من ناصر ينصره من الضلالة . ثم قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } . أي : اتبع الذي أمرك الله به حنيفاً أي : مستقيماً . { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } انتصبت " فطرت " على معنى اتبع فطرة الله وقيل : هو مصدر عمل فيه الجملة التي قبله . والمعنى فطر الله الناس / على ذلك فطرة . فالحَنَفُ : الاستقامة ، ولذلك قيل للمعوج الرِّجل : ( أحنف ) على التفاؤل ، كما قيل للمهلكة مفازة ، والمفازة : النجاة ، وقيل للأعمى بصير على التفاؤل في ذلك . قيل معنى حنيفاً : مائلاً عن كل الأديان إلى الإسلام . فيكون الحَنَف على هذا : الميل ، كما قيل للمائل الرِّجل : أحنف وقيل : على بمعنى اللام ، والتقدير : التي فطر الناس لها ، أي : لاتباعها ، أي : دين الله الذي خلق الناس لاتباعه . كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] . فالمعنى دين الله المفطور له الناس ، أي : المخلوق الناس له أي : خلقوا لاتباع الدين . قال ابن زيد " فطرت الله " الإسلام ، منذ خلقهم يقرون بذلك ، وقرأ { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ } [ الأعراف : 172 ] الآية . وهو قوله : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } [ البقرة : 213 ] وقاله مجاهد أيضاً . وفي الحديث : " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَى يَكُونَ أبَواهُ هُمَا اللَّذَانَ يُهَوِّدَانِه أَوْ يُنَصّرَانِهِ " . قال الأوزاعي وحماد بن سلمة : هذا الحديث مثل قوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } الآية فالمعنى : كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه . وفي الحديث : " أَخْرَجَهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ أَمْثَالَ الذَّرِّ فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى ذَلِكَ العَهْدِ يُولَدُ " وقيل : معنى الآية : خلقة الله التي لا يعرفونها لا تميز شيئاً . وقال ابن المبارك : هذا لمن يكون مسلماً ، يذهب إلى أنه مخصوص . وقال محمد بن الحسن : هذا قبل أن تنزل الفرائض ويؤمر بالجهاد . وقوله جلّ ذكره : { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } . معناه : لا تبديل لدين الله ، أي : لا ينبغي لك أن تفعل ذلك ، قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والنخعي وابن زيد . وقال ابن عباس : معناه لا تغيير لما خلق الله من البهائم ، لا تخصى ، وكره خصاء البهائم وقرأ الآية . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي : هذا الذي تقدم ذكره هو الدين المستقيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك . ثم قال تعالى ذكره : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ } أي : أقيموا وجوهكم للدين حنفاء منيبين إليه ، أي : راجعين إلى طاعته . وقوله : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته فلذلك جاء الحال بلفظ الجمع . فلا تقف على يعلمون . وقيل : المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين إليه . قال ابن عباس : " منيبين إليه " : مقبلين بكل قلوبكم . قال ابن زيد : المنيب : المطيع . وأصله في اللغة الراجع عن الشيء . { وَٱتَّقُوهُ } أي : وخافوه أن تفرطوا في طاعته . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : بحدودها في أوقاتها . { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : ممن عبد مع الله غيره وضيع فرائضه . ثم بينهم فقال تعالى ذكره : { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً } يعني اليهود والنصارى ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : هم اليهود . وقالت عائشة رضي الله عنها وأبو هريرة : هي في أهل القبلة . ومعنى { وَكَانُواْ شِيَعاً } أي : أحزاباً . { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي : كل طائفة تفرح بما هم عليه من الدين وتظن أن الصواب معها . وهذا أمر من الله جل ذكره بلزوم الجماعة وترك تفريق الكلمة وتنبيه منه أن الفرقة معها الضلالة .