Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-42)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } إلى قوله { أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } . أي : وإذا مس هؤلاء المشركين وغيرهم ضر من مرض أو جدب ونحوه { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } أي : أخلصوا له الدعاء والتضرع ، { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً } ، أي : فرج عنهم الضر { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } يعني المشركين . ثم قال تعالى : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } . إن جعلت اللام لام كي لم تقف على " يشركون " ، ولكن تقف على { آتَيْنَاهُمْ } ، وإن جعلتها لام أمر لأن الكلام فيه معنى التهديد ابتدأت بها إن شئت ، ووقفت على { يُشْرِكُونَ } ، ولم تقف على { آتَيْنَاهُمْ } . وقوله : { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يدل على أنها لام أمر لأن هذا وعيد وتهديد لا شك فيه ، فحمل الكلام على معنى واحد أحسن . والمعنى على الأمر : اكفروا وتمتعوا بالصحة والرخاء فسوف تعلمون عاقبتكم إذا أوردتم على ربكم . ثم قال تعالى : { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً } أي : كتاباً وحجة في عبادتهم الأوثان . { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } أي : فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم . فالمعنى : لم ننزل عليهم شيئاً من ذلك إنما اختلفوا من عند أنفسهم اتباعاً لأهوائهم . قال ابن عباس : كل سلطان في القرآن فهو عذر وحجة / . ثم قال تعالى : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } أي : وإذا مس الناس خصب ورخاء وصحة فرحوا بذلك . { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : وإن تصبهم شدة جدب أو مرض أو إتلاف مال بذنوبهم المتقدمة { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أي : يئسون من الفرح ، والقنوط : اليأس . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي : ألم ير هؤلاء الذين ييأسوا عند الشدة ويفرحون عند الرخاء أن الله يوسع على من يشاء في رزقه ، { وَيَقْدِرُ } أي : ويضيق على من يشاء في رزقه . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : إن في توسيعه الرزق على بعض خلقه وتضييقه على بعض ، لدلالات وحججاً على قدرة الله لمن آمن بالله . ثم قال تعالى : { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } قال مجاهد وقتادة : هو قريب الرجل ، صلة الرحم له فرض من الله جل ذكره . وقال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة . وقال قتادة : إذا لم تعط ذا قرابتك وتمش إليه برجليك فقد قطعته . وقيل : القربى هنا قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . مُنَزَّلة مَنْزِلة قوله تعالى ذكره : { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الأنفال : 41 ] فيكون المعنى : فأعط يا محمد ذا القربى منك حقه عليك . وقوله : { وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي : وَفِّيهم حقهم إن كان يُسْر ، وإن لم يكن عندك شيء فقل لهم قولاً معروفاً . وابن السبيل : الضيف . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي : إتيان هؤلاء حقوقهم التي ألزمها الله جل ذكره عباده خير للذين يريدون بما يعطون ثواب الله . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي : الباقون في النعيم الفائزون . ثم قال تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } أي : وما أعطى بعضهم بعضاً ليرد الآخذ على المعطي أكثر مما أخذ منه فلا أجر فيه للمعطي لأنه لم يبتغِ في إعطائه ثواب الله ، إنما ابتغى الازدياد من مال الآخذ ، فذلك حلال لكم ولا أجر لكم فيه . وهو محرم على النبي عليه السلام خاصة بقوله تعالى { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] أي : لا تعط عطية لتأخذ أكثر منها . قال ابن عباس : هو الرجل يهدي الهدية فيطلب ما هو أفضل منها . فليس له أجر ولا عليه إثم ، وهو معنى قول مجاهد والضحاك وقتادة . وقيل : هو الرجل يعطي الرجل العطية ليخدمه ويعينه لا لطلب أجر . وقيل : هو الرجل يعطي الرجل ماله ليكثر مال الآخذ لا للثواب . وقيل : هو الربا المحرم . ومعنى : { فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } عند من قال : هو المحرم ، لا يحكم به لأحد ، بل هو للمأخوذ منه . قال تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } أي : وما أعطيتم من صدقة تريدون بها ثواب الله لا الازدياد من مال الآخذ ولا الثناء عليها ، فأولئك الذين يكون لهم الأضعاف من الأجر ، يضاعف لهم الحسنات . وقيل : المعنى يضاعف لهم الخير والنعيم . ويلزم من قال هذا التفسير أن يكون اللفظ : { ٱلْمُضْعِفُونَ } بفتح العين لأنهم مفعول بهم . لكن تحقيق المعنى مع كسر العين : فأولئك هم الذين أضعفوا لأنفسهم حسناتهم ، أي : هم المضعفون لأنفسهم الحسنات ، لأن من اختار عمل الحسنة فقد اختار عمل عشر حسنات لنفسه ، ويضاعف الله لمن يشاء أكثر من عشر على الحسنة الواحدة . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أي : اخترعكم ولم تكونوا شيئاً ، ثم رزقكم وخولكم ولم تكونوا تملكون شيئاً ، ثم هو يميتكم ثم هو يحييكم ليوم القيامة ، فالعبادة لا تصلح إلا لمن هو هكذا . { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } أي : هل يفعل شيئاً من خلق أو موت أو بعث أو رزق أو ضر أو نفع ، آلهتكم التي تعبدون ، فلا بُدَّ لهم أن يقروا أنها لا تفعل شيئاً من ذلك فيعلمون أنهم على باطل . ثم قال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزيهاً لله وبراءة له عما يشركون به . ثم قال تعالى : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } أي : ظهرت المعاصي لله في الأرض وبحرها بذنوب الناس . قال مجاهد وعكرمة : البحر هنا الأمصار ، والبر : الفلوات ، ظهرت / فيها معاصي ابن آدم . وقال قتادة : هذا قبل مَبْعَثِ النبي صلى الله عليه وسلم ، امتلأت الدنيا ضلالة وظلمة ، فلما بُعِثَ النبي عليه السلام رجع راجعون من الناس ، قال أما البر فأهل العَمُود وأما البحر فأهل القرى والريف . والتقدير على هذه الأقاويل : ظهر الفساد في مواضع البر والبحر . وقيل : المعنى ظهر الفساد في مدن البر ومدن البحر . والفساد : الجدب بذنوب بني آدم . وقيل : الفساد ظهور المعاصي فيها وقطع السبيل والظلم . وعن مجاهد : أن البر القرى والأمصار ، والبحر بحر الماء المعروف قال : في البر : ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفي البحر : الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً . وهو قول ابن أبي نجيح . وقال قتادة : الفساد الشرك . وعن ابن عباس أنه قال : الفساد نقصان البركة بأعمال العباد حتى يتوبوا . فالمعنى على هذا : ظهر الجدب في البر والبحر ، وظهور الفساد في البحر انقطاع مادة صيده وذلك بذنوب بني آدم . وقال الحسن : أفسد الله بذنوبهم بَرَّ الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة لعلهم يرجعون ، أي : يرجع من يأتي بعدهم . ثم قال تعالى : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } أي : ليصيبهم بعقوبة بعض ذنوبهم . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي : ينيبون إلى ترك المعاصي ويتوبون . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ } الآية . هي مثل " أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ " في أول السورة . وقد تم تفسيرها . ومعنى { كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } أي : مثلكم يا قريش .