Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 7-14)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } إلى قوله : { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } . أي : وإذا يتلى على الذي يشتري لهو الحديث القرآن أدبر يستكبر عن سماع الحق ، { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أي صمماً وثقلاً فهو لا يستطيع أن يسمع ما يتلى عليه . { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : مؤلم ، يعني في يوم القيامة ، وذلك عذاب النار . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } . أي : إن الذين صَدَّقُوا محمداً وما جاء به وعملوا الأعمال الصالحة ، لهم بساتين النعيم ماكثين فيها إلى غير نهاية . { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } أي : وعدهم الله ذلك [ وعداً ] حقاً لا خلف فيه . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي : الصنيع الشديد في انتقامه من أهل الشرك . { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره لخلقه . ولا يحسن الوقف على : " خالدين فيها " عند سيبويه ، لأن الجملة عاملة في : " وَعْدَ الله " إذ هو عنده مصدر مؤكد . وأجازه أبو حاتم لأنه يضمر فعلاً ينصب به " وعداً الله " ، وتقديره : وعدهم الله بذلك وعداً حقاً . ثم قال تعالى ذكره : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } . قال ابن عباس : عمدها قاف ، وهو الجبل المحيط بالدنيا ، وهو من زبرجدة خضراء . من زبرجد الجنة ، وخضرة السماء منه ، وخضرة البحار من السماء ، والسماء مقبة على الجبل الذي اسمه قاف ، ولكنكم لا ترونه . وروي عنه أنه قال : لعلها بعمد لا ترونها . وقاله عكرمة . فيكون ترونها على هذا القول في موضع خفض نعتاً للعمد ، والتاء متعلقة بخلق . وقال الحسن : لا عمد لها البتة . فيكون " ترونها " على هذا القول في موضع نصب على الحال من السماوات ، والباء متعلقة بِتَرَوْنها . ويجوز أن يكون " ترونها " مستأنفاً ، أي أنتم ترونها / فتقف على : " بغير عمد " ولا تقف على القولين الأولين إلا على : " ترونها " ، فإذا كان الضمير في ترونها للعمد ، فترونها نعت للعمد ، وليس ثم عمد ، والمعنى فلا عمد مرئية البتة ويحتمل على هذا الوجه ، فلا عمد مرئية لكم ، أي ثم عمد ولكن لا ترونها . [ فإذا جعلت الضمير في ترونها يعود على السماوات ، كان ترونها ] حالاً من السماوات . والمعنى ترون السماوات بغير عمد تمسكها ، فلا عمد ثم البتة ، كالتأويل الأول . ثم قال تعالى : { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي : أن تحرك بكم يميناً وشمالاً ، أي : حمل على ظهر الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بكم . قال قتادة : لولا ذلك ما أقرت عليها خلقاً . { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } أي فرق في الأرض من كل أنواع الدواب ، ثم قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي مطراً . { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا } أي في الأرض بذلك الماء . { مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي : نوع من النبات . { كَرِيمٍ } قال قتادة : حسن . وقال ابن عباس : من كل لون حسن . وتأوله الشعبي على الناس لأنهم مخلوقون من الأرض ، فمن كان منهم إلى الجنة فهو الكريم ، ومن يصير إلى النار فهو اللئيم . وتأوله غيره في النطفة لأنها مخلوقة من تراب في الأصل . ثم قال تعالى ذكره : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ } أي : هذا الذي تقدم ذكره خلق الله الذي لا تصلح العبادة والألوهية إلاّ له ، فأروني أيها المشركون أي شيء خلق الذين عبدتم من دونه . ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : هؤلاء المشركون في عبادتهم الأصنام في جور عن الحق وذهاب عن الاستقامة ظاهر لمن تأمله . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } . قال مجاهد : كان لقمان رجلاً صالحاً ولم يكن نبياً . وروي عنه أنه كان لقمان الحكيم عبداً حبشياً غليظ الشفتين مصفح القدمين قاضياً على بني إسرائيل . وقال سعيد بن المسيب : كان لقمان أسوداً من سودان مصر . وقال ابن عباس : كان عبداً حبشياً . وروي أنه كان في وقت داود . وعن عكرمة أنه قال : كان نبياً . قال مجاهد : الحكمة التي أوتي لقمان : الفقه والعقل ، والإصابة في القول في غير نبوة . وقال قتادة : الحكمة التي أوتي : الفقه في الإسلام . قال قتادة : لم يكن نبياً ولم يوح إليه . وعن مجاهد : أن الحكمة التي أوتي : القرآن . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : قال لقمان لابنه : إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون ، وهم إلى الآخرة سراعاً يذهبون ، وإنك قد استدبرت الدنيا منذ كنت ، واستقبلت الآخرة ، وإن داراً تصير إليها أقرب إليك من دار تخرج عنها ، يا بني ليس غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس . وروى أشهب عن مالك : أن لقمان كان يقول لابنه : اتق الله جهد نفسك . قال : وكان يقول له : يا بني لا تجالس الفجار ولا تماشهم ، ( اتق لا ينزل ) عليهم عذاب من السماء فيصيبك معهم ، يا بني جالس العلماء وماشهم عسى أن تنزل عليهم رحمة فتصيبك معهم . وروي عنه : أنه كان عبداً حبشياً نجاراً . وقيل : كان خياطاً . وقيل : كان راعياً ، فقال له مولاه : اذبح لنا هذه الشاة فذبحها ، فقال له : أخرج أطيب مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم قال له : اذبح لنا هذه الشاة فذبحها ، فقال له : أخرج أخبث مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب ، فقال له مولاه في ذلك منكراً عليه وممتحناً له : [ أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فأخرجتهما وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما ] ، فقال لقمان : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا . وروي أنه أتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في موضع كذا ؟ قال : نعم . [ قال ] : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني . قال وهب بن منبه : قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف باب . وقوله : { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } أن بمعنى أي : لا موضع لها . وأجاز سيبويه أن تكون في موضع نصب على معنى بأن أشكر ، كما تقول كتبت إليه أن قم ، أي : بأن قم . والمعنى : أن أحمد الله على ما آتاك من الحكمة ، فقوله : " أَنْ أشْكُرْ " بيان عن الحكمة ، لأن من الحكمة التي أوتيها شكر الله على ما آتاه . ثم قال : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } أي : من شكر نعم الله عليه فإنما يشكر لنفسه لأنه يتزيد لنفسه من / النعم بالشكر ، ويؤدي ما على نفسه من الشكر ، ويكتب له الأجر والذخر ، بالشكر فلنفسه يعمل وإياها ينفع . ثم قال : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ } أي : ومن كفر نعمة الله فلنفسه أساء ، إذ الله تعالى معاقبه على ذلك ، وهو غني عن شكره ، ولا يزيده شكر العبد في سلطانه ولا ينقص تركه منه . { حَمِيدٌ } أي : محمود على كل حال . ثم قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أي : واذكر يا محمد إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك ، أي : لا تعبد معه غيره . { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } أي : لخطأ كبير . وروي أن اسم ابنه ثاران . ثم قال : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ } أي : ببرهما . { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } أي : ضعفاً على ضعف وشدة على شدة ، ومنه : " وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي " . قال ابن عباس : شدة بعد شدة وخلقاً بعد خلق . وقال الضحاك : ضعفاً على ضعف . وقال قتادة : جهداً على جهد . فهذا كله يعني به الحمل ، يعني : ضعف الحمل ، وضعف الطلق ، وضعف النفاس . وعن ابن عباس أنه قال : مشقة وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها . والوهن في اللغة الضعف : يقال : وَهَنَ يَهِنُ وَوَهُنَ يُوْهَنُ ، وَوَهِنَ يَهِنُ مثل وَرِمَ يَرِمُ . ثم قال تعالى : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } أي : وفطامه من الرضاع في انقضاء عامين مثل وسئل القرية . { أَنِ ٱشْكُرْ لِي } أن بمعنى أي : أو في موضع نصب على ما تقدم . وكونها بمعنى ( أي ) أحسن . والمعنى : وعهدنا إليه أن أشكر نعمتي عليك ، وأشكر لوالديك تربيتهما لك ، ومحنتهما فيك . { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } أي : مصيرك فسائلك عن شكرك لي ولهما وعن غير ذلك . وروي أن هذه الآية نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه ، وذلك أن أمه حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى يتحول عن دينه ، فأبى عليها ، فلم تزل كذلك حتى غشي عليها فلما أفاقت دعت عليه ، فنزلت الآية .